الجزائر

هل تتمكن بغداد من تذليل خلافات مترسبة لعقود بين الرياض وطهران،،،؟



ينتظر أن يصل الوزير الأول العراقي مصطفى الكاظمي، بداية الأسبوع القادم، في زيارة إلى العربية السعودية يتبعها بزيارة مماثلة إلى ايران ضمن أول تحرك دبلوماسي رسمي له إلى الخارج منذ توليه مهامه شهر ماي الأخير.وتبدو الجولة في أول وهلة عادية لرئيس حكومة دولة يريد تعزيز علاقات بلاده مع محيطها القريب، وبحث سبل الشراكة مع جيرانه وخاصة في ظل أوضاع اقتصادية واقتصادية صعبة تمر بها العراق، إلا أن سياقها الزمني والوضع العام في منطقة الخليج وطبيعة اللقاءات التي سيجريها الكاظمي، يعطي لهذه الجولة دلالات ورسائل السياسية ذات بعد إقليمي وداخلي.
وبالاعتماد على خلفيات الجولة يمكن القول إن الكاظمي، وجد نفسه ملزما بالقيام بها بالنظر إلى الموقف الحرج الذي وجد نفسه فيه بين قوتين إقليميتين متنافستين حد "العداوة"، مما فرض عليه في كل مرة انتهاج سياسة متوازنة تراعي عدم إغضاب احدى هاتين القوتين ضمن شعور قيّد عمل الحكومات العراقية المتعاقبة، وجعل قرارها رهينة هذا التوجس الذي أثّر سلبا على مصالح الدولة العراقية.
ولكن بغداد وفق هذا المعطى لا يمكنها الاستغناء عن إحداهما لصالح الثانية، وهو ما يجعلها تجد صعوبات كبيرة في التوفيق بينهما على اعتبار أن كل تقارب مع هذا الطرف سينظر إليه بعين الريبة في العاصمة الأخرى ضمن معادلة ارتبطت بالعلاقات المتوترة بين العربية السعودية وإيران منذ نجاح الثورة الإسلامية في هذا البلد سنة 1979، ولكن أيضا بسبب وضع فرضته تركيبة المجتمع العراقي الموزع بين السنّة الأكثر قربا إلى دول الخليج العربي والأغلبية الشيعية الأقرب إلى ايران.
والمؤكد أن زيارة الكاظمي إلى الرياض وطهران في مثل هذه الظروف الحرجة في علاقات البلدين، والوضع المتوتر في كل منطقة الخليج إن هي ركزت على حماية مصالح العراق الخارج لتوه من حرب مدمرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، والذي أنهك اقتصاده بعد تجربة مريرة مع الاحتلال الأمريكي، وقبلها الحرب ضد ايران ضمن تراكمات جعلت أحد أغنى البلدان العربية يتراجع إلى حد وقوع غالبية سكانه تحت عتبة الفقر.
ويمكن القول إن زيارة الكاظمي إلى الجارتين "العدوتين" إنما أملاه أيضا الوضع الداخلي في بلاده وخاصة في ظل صعوبة توفيق السلطات العراقية بين علاقاتها مع ايران وبينها وبين الولايات المتحدة، في ظل توالي عمليات القصف ضد القوات الأمريكية في بغداد جعلها تجد حرجا في كيفية التعامل مع حليف قوي بحجم الولايات المتحدة دون إغضاب طهران وخاصة منذ إقدام إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب على تصفية الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في غارة جوية استهدفته بداية شهر جانفي الماضي.
وفي ظل هذا التجاذب الحاد بين اكبر قوتين في منطقة الخليج ومعهما الولايات المتحدة تجد السلطات العراقية صعوبات كبيرة في المحافظة على مصالحها دون إغضاب أيا من هذه الأطراف ضمن مهمة تتطلب حنكة ولباقة دبلوماسية كبيرة.
ويبقى مصطفى الكاظمي، الذي أدار جهاز المخابرات العراقية على مدار اربع سنوات قبل تعيينه في منصبه الجديد، ودوره في تلغيم صفوف تنظيم "داعش" من الداخل في سياق هذه التجاذبات الشخصية الأقدر على التوفيق بينم مصالح متنافرة حد العداء انطلاقا من زخم العلاقات التي أقامها مع مسؤولي مختلف الأجهزة الاستخباراتية في دول المنطقة والقوى الدولية الأخرى خدمة لمصالح بلاده التي يبقى من بين أولوياتها إسكات ثورة الغضب الشعبي التي اندلعت شهر أكتوبر الماضي، دون أن تتمكن السلطات العراقية من إرضاء ملايين المتضررين من وضعية اجتماعية واقتصادية بلغت درجة "الكارثية".
ولا يستبعد نتيجة لذلك أن يستغل الكاظمي، زيارته إلى الرياض ثم إلى طهران للعب دور الوساطة بين هاتين العاصمتين اذا أخذنا بالترتيبات البروتوكولية لهذه الجولة، حيث سيستقبل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في بغداد يوم السبت، ساعات قبل توجهه إلى الرياض للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز وصديقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قبل أن يطير نهار الثلاثاء القادم، إلى طهران للقاء الرئيس حسن روحاني، قبل استقباله من طرف مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية أية الله علي خامينائي.
وبالنظر إلى طبيعة هذه اللقاءات في أعلى هرم السلطة في البلدين فإن ذلك يزيد في احتمال إدراج هذه الجولة ضمن أول خطوة تقوم بها الدبلوماسية العراقية على طريق إذابة الجليد المترسبة طيلة عقود في علاقات اكبر بلدين في منطقة الخليج.
وإذا سلّمنا بأن مهمة مصطفى الكاظمي، سوف لن تكون سهلة بالنظر إلى هذه الترسبات وعمق الشرخ بين الرياض وطهران، إلا أنها تبقى رغم ذلك مبادرة من شأنها أن تضع البلدين على سكة مشاورات قادمة تمهيدا لطي صفحة خلافات الماضي، وفتح أخرى لتقارب يخدم مصلحة البلدين وستجد العراق نفسها حينها مرتاحة في توسيع علاقاتها مع ايران كما مع العربية السعودية دون أن تلقى العتاب لا من هذا الطرف أو ذاك.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)