شركات تأكل عرق ''الزوالية'' و''تدوس'' على القانون
سكان ورقلة والحاسي بصوت واحد: كفانا تهميشا.. كفانا ''حفرة''
'نحن مازلنا ننتظر قرارا سياسيا من السلطات العليا للبلاد، يضع حدا ل''الحفرة'' والغبن في حاسي مسعود وورفلة، وإلا فإن الاحتجاجات ستتواصل بهذه المناطق وستتسع لتشمل سكان باقي البلديات الأخرى''، هذا ما صرح به أبناء حاسي مسعود وورفلة. وتحوّل هذا التوجه إلى قناعة يدافع عنها كبار مشايخ وأعيان ولاية ورفلة وما جاورها، ممن قالوا لنا صراحة ''إنه لظلم كبير أن تتمتع الجزائر برمتها بثروات حاسي مسعود وخيراتها ويحرم ويقصى منها أبناء المنطقة، فالناس هنا يشعرون بظلم تاريخي، وأساس هذا الظلم أن الشركات البترولية التي تقوم بالتشغيل على بعد أمتار منهم، لا يوجد بين عمالها 1 بالمائة من أبناء المنطقة''، إذ أن عدد عروض العمل التي تلقتها الوكالة الولائية للتشغيل سنة 2012، قدرت ب11181 عرض، يتراوح كل عرض بين منصب واحد إلى مائتي منصب، ومن أصل هذه المناصب تم تنصيب 1700 عامل بعقود مؤقتة.
ما تزال مدينة حاسي مسعود تعيش، إلى غاية الساعة، على وقع احتجاجات انخرطت فيها شرائح شبانية تقول إنها تعيش التهميش والإقصاء والحفرة على يد القائمين على تسيير الشركات البترولية وحليفاتها من مؤسسات تقديم الخدمات (شركات المناولة)، بل ويضعون القائمين على تسيير وكالات التشغيل المحلية موضع شك.
الاحتجاج متواصل في الحاسي..
أقدم العشرات من الشباب، ذات صباح من آخر يوم من شهر فيفري الفارط، على غلق الطريق الوطني الرابط بين حاسي مسعود وورفلة، وساروا في مسيرة توقفت عند المدخل الرئيسي لواحدة من الشركات البترولية، هي الشركة الوطنية للتنقيب وحفر الآبار، احتلوا مدخلها ومنعوا الدخول إليها والخروج منها، وطالبوا بحضور المدير العام للشركة للاستفسار عن عدم استدعائهم للعمل وهم الذين قالوا ''إننا نقوم دائما بتسجيل أنفسنا ونجري الفحص الخاص بالانتقاء المهني، لكن في كل مرة لا نتحصل على الكشوفات التي تسمح لنا بمباشرة العمل، في وقت يتحصل آخرون عليها، رغم أنهم لا يقيمون لا في حاسي مسعود ولا في ورفلة''، قبل أن يضيف شاب آخر ''علمنا أن هناك عرض عمل يتضمن 19منصب شغل، قمنا بتسجيل أنفسنا وأجرينا الفحص الانتقائي ولكن لم يتم استدعاء ولا واحد منا، رغم أنه قبل نحو 15 يوما تم توظيف 25 شخصا في الشركة، لا يوجد بينهم ولا شخص واحد من حاسي مسعود أو ورفلة، مع أن وزير الداخلية قال عندما حل بورفلة إن الأولوية في التشغيل تعود لأبناء المنطقة''. لكن المدير العام للشركة لم يحضر، رغم أن عقارب الساعة كانت تشير إلى الرابعة والنصف مساء، الأمر الذي زاد من غضب الشباب وسخطهم حتى أنهم قرروا تنظيم مسيرة مع مطلع الأسبوع، فيما نصبت مجموعات شبانية أخرى خيما عند المدخل الرئيسي لشركة (اينافور) وقضت الليلة هناك حتى الصباح.
الشباب يريد حقه في الشركات البترولية
وموازاة مع الأجواء الاحتجاجية الآخذة في التشكل، كانت تعاليق وأقوال الناس في الساحات العمومية والمقاهي والأسواق تتقاطع في خانة واحدة، هي أن مطالب الشباب شرعية، فيما كان آخرون يترقبون توسع رقعة الاحتجاجات ولاسيما بعد أن عرف الجميع أن المسيرة التي نظمت بولاية ورفلة كان مقررا أن تقطع 80 كيلومترا لتصل إلى حاسي مسعود. محمد الشريف، شاب حاز على اعتماد مؤقت لفتح شركة خاصة للتوظيف سنة ,2008 لا يتردد في إثارة بعض الأسباب والملابسات التي كانت وراء هذا الغليان الشباني بكل من ورفلة وحاسي مسعود، بينها أن الشركات البترولية الوطنية وشركات الخدمات (شركات المناولة)، تتعمد خلق العراقيل والعمل بقاعدة (الأقربون أولى بالمعروف)، بدليل ''أن المهن البسيطة مثل سائق وحارس وطباخ وغيرها، ليست في متناول أبناء المنطقة، فضلا عن تحايل شركات المناولة على العمال، ف''نحن نعرف جيدا أن هناك عمالا يشتغلون كلحامين في حاسي مسعود، أجورهم القانونية تتراوح بين 15 إلى 20 مليون سنتيم، لكن شركة المناولة لا تمنح لهم إلا 8 ملايين سنتيم''. وأبعد من كل ذلك، فإن تلك الشركات، غير مكترثة بالقانون الذي يلزمها بضرورة التصريح بعروض العمل لدى الوكالة الولائية للتشغيل وملحقاتها في الدوائر والبلديات، بل تقوم بالتوظيف المباشر، حتى أصبحت كل جهة، يضيف، تأتي بأبنائها من الشرق والغرب والوسط وانخرطت في هذه القاعدة شركة سوناطراك.
لكن ما عرفناه في حاسي مسعود، هو مطالبة أغلبية الشباب البطال المحتج بالعمل في الشركات البترولية الوطنية، مثل الشركة الوطنية للتنقيب وحفر الآبار والشركة الوطنية للأشغال البترولية وغيرها، حتى يضمنوا لأنفسهم العمل بنظام 4 على 4 أي يعملون أربعة أسابيع ويأخذون عطلة بعمر 4 أسابيع أخرى، وهو مطلب للرد على استفزازات الوافدين من ولايات أخرى ممن يعرفون جيدا الشركات البترولية. وإلى ذلك، يثير عمال آخرون كانوا يشتغلون بشركة (أو آن آس بي)، ملابسات أخرى تتعلق بعدم قيام مفتشية العمل والوكالة الولائية للتشغيل بعملهما بحاسي مسعود وورفلة، ويقولون إن هناك مسؤولين في الهيئتين لهم أقارب في مؤسسات وطنية وكذا شركات مناولة، ما جعلهم يغضّون الطرف، في كل مرة، عن التجاوزات والخروقات بتلك
الشركات، ناهيك عن تجاوزات أخرى تتعلق بتقاضي هوامش أرباح عن عمال مقابل التغاضي عن التعدي على القانون. وتبعا لذلك، يقترح بعض أبناء حاسي مسعود تشكيل لجنة مستقلة من البطالين الحاملين لشهادات مهنية، لحضور الفحص الانتقائي داخل الشركات، الذي على أساسه يتم قبول أو رفض المترشح، ولو أنهم يقولون إن المسيرات ستتواصل طالما أن السلطات العمومية لم تلتفت من حولها بعد لاحتواء الوضع الآخذ في الانفلات منها، كفتح تحقيقات في كامل الشركات البترولية وشركات المناولة، ولاسيما أن العارفين بالمنطقة يقولون إن ستة أشهر كافية أمام السلطات العمومية للقضاء على البطالة.
شركات المناولة التي أصبحت تسمى شركات تقديم الخدمات، نتيجة التعديل الذي نصّت عليه تعليمة وزارية أصدرها أحمد أويحيى سنة ,2004 أعطت الأولوية في التشغيل لليد العاملة المحلية، وهي التعليمة التي تم بموجبها إنهاء نشاط شركات المناولة وإلزام كل المستخدمين الخاضعين للقانون العام والخاص بالتوظيف عن طريق الوكالة الوطنية للتشغيل. وأشار المسؤول نفسه إلى أن المؤسسات الوطنية البترولية نادرا ما ترتكب تجاوزات في التشغيل، لأن هناك من يراقبها من الداخل، لكنه رفض الإدلاء بأي تصريح يتعلق بالكيفية التي تلجأ إليها هذه الشركات في التوظيف ولا طريقة عمل مفتشية العمل هناك في مراقبة الشركات ولا حتى نشاط شركات المناولة، بحجة كونه غير مخوّل بالحديث عن هذه المسائل، وربما هو الخوف الذي دفعه إلى التحفظ، خاصة أن أربعة مدراء للتشغيل بورفلة، قد تم توقيفهم قبل بضعة أيام من زيارتنا لورفلة وحاسي مسعود.
فما لمسناه هناك، أن الصغير والكبير يضع وكالات التشغيل ومفتشيات العمل والشركات البترولية والمناولة موضع المشكوك فيه، ففيما كنا ننتظر مقابلة نائب مدير مفتشية العمل، دخل شخص يحمل كومة من الوثائق تبيّن بعد تعرفنا إليه أنه محضر قضائي، جاء للاستفسار عن أسماء شركات وهو يحمل خمسة قرارات تبليغ تخص خمسة منها للمثول أمام العدالة، كونها قدمت عناوين غير معروفة عن مكان نشاطها.
منذ أحداث تيقنتورين لم نتلق أي عرض للعمل
وتتربع فوق المنطقة الصناعية لحاسي مسعود أزيد من 150 مؤسسة خدمات، بين هذه المؤسسات ''أوسكو، باط، فلاش للخدمات، تي آس، بي، سيبطال للإطعام والفندقة ميلتي كاثرينف، حماية+، فلاش للحراسة، مراد العربي'' وغيرها. اتصلنا بشركة المناولة التي تحمل اسم مراد العربي التي تقدم خدمات بترولية وكراء العتاد لشركة(بتروفاك) الأجنبية المتخصصة في البناء، للوقوف على الطريقة التي يتم بها تشغيل العمال. هذه الشركة، حسب السيد نصرالدين، أحد المسؤولين القائمين على تسييرها، يشتغل بها 240 عامل ولها مشاريع بمنطقة عين صالح، يقول''بدأنا تقديم الخدمات شهر سبتمبر من سنة ,2011 وعروض العمل تذهب مباشرة إلى عين صالح، مكان تواجد الوكالة الجهوية للتشغيل، على أن تقوم (بتروفاك) بتحديد الشروط الواجب توفرها في العمال المرغوب في توظيفهم، من بينها شرط السن للسائقين والخبرة واللغة الإنجليزية بالنسبة للمهندسين''. ويشتغل بشركة (بتروفاك) أمريكيون وهنود ولبنانيون، فلبينيون وأفارقة. وأجاب المسؤول نفسه، في معرض رده، على سؤالنا المتعلق بعروض الشغل المعلن عنها خلال سنة ,2013 قائلا: ''منذ بداية العام الجاري لم يصلنا أي عرض عمل بسبب حادثة تيفنتورين، والأجانب الذين استهدفوا عوّضوا بجزائريين''. ويتم توظيف العمال بعد إجراء فحص انتقائي تأهيلي من قبل الأجانب العاملين في الشركة ثم يعلنون بعدها عن النتائج. وأوضح المتحدث بشأن هوامش الأرباح التي تتقاضاها بعض الشركات عن عمال لا يتقاضون أجورهم القاعدية الحقيقية، بأن ''شركة (بتروفاك) اشترطت علينا تحديد أجور كل العمال منذ بداية العام، لكن هناك شركات مناولة في حاسي مسعود لا تشترط تحديد الأجور مثل شركات الحراسة''.
لا مكان ل''الأقربون أولى بالمعروف''
ويقسم المتحدث بالمصحف الشريف أن قاعدة ''الأقربون أولى بالمعروف'' لم يعد لها أي مكان، لأن ''الرقابة الشديدة أصبحت سيّدة الموقف بعين صالح، فهناك ضغوظ يومية من قبل الشعب ومن قبل السلطات المحلية في المنطقة بأن لا يوظف أي شخص من خارج المنطقة، فضلا عن رقابة مفتشية العمل. ومن شدة الضغط تم فرض عمال في اختصاص الإدارة والهندسة، رغم عدم توفرهم على الخبرة''. وبين الاختصاصات المهنية التي يصعب فيها توظيف عمال من خارج المنطقة، نجد مهنة عامل يدوي في البناء، سائقين وعمال الأمن الصناعي وغيرها، كما توجد اختصاصات أخرى يصعب على أبناء المنطقة أيضا ممارستها، مثل المشرفين على النقل أي منسقين بين مختلف الشرائح العمالية في الشركة، ما يحتم عليهم أن يكونوا على دراية باللغة الإنجليزية وأوعية الاتصال. ويخوّل القانون للوكالة الجهوية أو المحلية للشغل بأن تكون الجهة الوحيدة التي تتولى منح كشوفات الشغل لليد العاملة، على أن تنتظر الشركات سواء أكانت وطنية أو خاصة عرض العمل لمدة 21 يوما، وفي حال ما لم يكن هناك مرشحون للمناصب المعلن عنها بعد حلول اليوم ال,22 فمن حق شركة المناولة أو الشركة الوطنية تشغيل أو توظيف عمال تقوم هي باختيارهم أو اقتراحهم، ويصبح لديها الحق في حيازة كشوف التشغيل من الوكالة الولائية أو الجهوية للتشغيل. المتحدث لا يتردد في الحديث عن تجاوزات لشركات وطنية كسوناطراك التي قال عنها إنها لا تلتزم بالقانون، لأن بعض المسؤولين لا يترددون في استقدام عمال من قراهم ومداشرهم، والتجاوزات نفسها سقطت فيها عديد من شركات المناولة، وقال ''إن هناك طريقتين تلجأ إليهما الشركات لإدخال العمال عن طريق الحيلة، الأولى تتمثل في الحصول على بطاقة إقامة يتم بها الحصول على بطاقة التشغيل من الوكالة الولائية أو الجهوية للتشغيل، أماالطريقة الثانية فهي استعمال حيلة التباطؤ في إعلان نتائج الفحص التأهيلي إلى غاية مرور21 يوما، إلى جانب حيلة عدم إنجاح المرشحين في الفحص التأهيلي''. ويشتغل في شركة (بتروفاك) 128 عامل من عين صالح من أصل 240 عامل، يزاولون مهن منسقين في الأمن، سائقين، عمال نظافة، مشرفين على الأمن الصناعي، تقنيين في الكهرباء، ميكانيكيين وإداريين ومهندسين مدنيين، بينما نجد 112 عامل من خارج منطقة عين صالح، جاؤوا من سكيكدة، سوق اهراس، وهران، الأغواط، الوادي، المنيعة، الجزائر، تيزي وزو وغيرهم، ويشغل هؤلاء مناصب حساسة مثل منسقين في النقل، علاقات خارجية، بايب لاين، مهندسين في الطبوغرافيا ومسيرين لقاعدة الحياة للشركة وخبراء في المراقبة والنوعية.
شركات فوق القانون
2000 قرار للعدالة لم تنفذ
يشير بن حنيش إلى أن مفتشية العمل تقوم بتحرير مخالفات عن طريق محاضر التفتيش وتقدمها للعدالة، ولكن الأخيرة تصدر أحكامها وقراراتها ولكن لا يتم تنفيذها. وقال إن عدد قرارات العدالة غير المنفذة بلغت 2000 قرار إلى جانب غرامات بالملايير، آخرها قرار ب 700مليون سنتيم ضد إحدى الشركات، إلا أن ضعف العقوبات المنصوص عليها في القانون جعلها غير مجدية أمام الشركات البترولية، مثل غرامة التشغيل المباشر التي لا تتجاوز 30 ألف دينار، فضلا عن وجود ثغرات أخرى ناجمة عن ضعف القانون، مكّنت الشركات الأجنبية من الإفلات من تسديد أموال الخدمات الاجتماعية وهذا ناجم عن غياب فروع نقابية على مستوى هذه المؤسسات. فمن أصل 350 مؤسسة أجنبية لا تتجاوز 01بالمائة منها تلك التي نصبت بها فروع نقابية، ناهيك عن عدم مساهمة هذه الشركات في تأهيل اليد العاملة الجزائرية. وصرحت لنا مصادر حضرت ملتقى عقد بورفلة الأسبوع الماضي تحت عنوان''التهديدات الأمنية للدول المغاربية في ضوء التطورات الراهنة'' أن أحد الباحثين نبّه إلى وجود أعداد هائلة من اليد العاملة لدول الجوار يعملون بطرق غير شرعية في مؤسسات خاصة في الصحراء تحت غطاء السياحة، وهو ما فسره بوجود عدد من الإرهابيين ممن شاركوا في الهجوم على تيفنتورين. وإن اتخذ قرار بعد حادثة تيفنتورين يقضي بأن يتولى الجيش حراسة المنشآت النفطية، بدليل أن شركة (ليد) السورية الواقعة بحوض الحمراء، أصبح الجيش والدرك يتولى حراستها بدل مؤسسات الحراسة الخاصة، كما أن مصادر من حاسي مسعود تقول أن مؤسسات الحراسة لن تحل في غمرة بروز طروحات ترجح أن يتم تكوين أعوان هذه الشركات مستقبلا. وعلى العموم، فإن الجو العام في ورفلة، هو جوّ فقدان الثقة في كل المؤسسات وينتظر سكانها قرارا من الرئيس بوتفليقة لحل مشكل الشغل والتنمية.
مطالب الشباب تتحول إلى قضية جادة لدى المشايخ والأعيان
''الدولة في حاسي مسعود تتفرج''
من يطالبون بالانفصال ليسوا من المنطقة
ما كنا نعتقد ونحن في طريقنا إلى ولاية ورفلة، قادمين من حاسي مسعود، أن المطالب التي رفعها شباب ورفلة المتمثلة في توظيفهم بالشركات البترولية والحق في العيش الكريم سنة 2002 و2004 واعتبرت آنذاك أحداثا معزولة من قبل بعض عقال ولاية ورفلة، يعتبرها اليوم كل مشايخ وأعيان ولاية ورفلة وما جاورها مطالب مشروعة، بل وتبناها أعيان المنطقة ورجالاتها وتحولت إلى قضية التفّ حولها الجميع على نحو غير مسبوق، حتى أنك تحس أن منطقة ورفلة برمّتها لم تعد كما كانت من قبل. وتجلى هذا المعطى أكثر في حديث بعض مشايخ وأعيان المنطقة في مجلس عادي جمع عددا من أبناء المنطقة في الفاتح من شهر مارس الجاري، لأن هناك بعض المظاهر الجارحة التي تمس كرامة الإنسان، حسبهم، التي جعلتهم يصعدون للواجهة وكسر سنوات الصمت. بين هؤلاء الأعيان من له صيت ضمن مجلس مشايخ وأعيان الجنوب مثل السيد سليمان حكوم، إلى جانب أعيان آخرين ممثلين عن بلديات نقوسة، الرويسات، عين البيضاء، سيدي خويلد، حاسي بن عبد الله ومناطق أخرى من ورفلة. ويجمع هؤلاء على أن ''الدولة في حاسي مسعود تلعب دور المتفرج وتعمل بقاعدة انتظر واسمع إلى غاية أن يطلب منها التدخل''. ويقول الوازن محمد عبد القادر وهو مدير مدرسة متقاعد ''إننا نتأسف بشدة، فمنطقتنا هي منطقة تحتضن ثروات الجزائر، منطقة تعيش بها الجزائر ومع ذلك لا توجد فائدة لا للبلاد ولا للعباد، فالبطالة ضاربة أطنابها، بدليل أن أغلبية العائلات المقيمة على أطراف ورفلة لا يعمل بها ولا شخص واحد''، قبل أن يضيف ''أن تحرك الشباب هذه المرة هو أكبر دليل على ذلك''.
''الناس في ورفلة يشعرون بظلم تاريخي''
وعليه، فإن موجة الاحتجاجات وتداعياتها في المنطقة سببها الإقصاء والتهميش ولها مبرراتها تبعا لما يشير إليه سليمان حكوم ''بالنسبة لنا الناس أصبحوا يشعرون بظلم تاريخي وأساس هذا الظلم هو أن الشركات التي تقوم بالتشغيل على بعد أمتار منهم لا يوجد بين عمالها 1بالمائة من أبناء المنطقة، وإن وجدوا فإنهم لا يحتلون مناصب هامة، بل يشتغلون في قطاع الخدمات لدى شركات المناولة''. وهذا الوضع، يضيف ''موروث منذ الاستقلال ويترسخ الظلم كلما زادت الاحتجاجات والمطالب. فنحن نتساءل ما الذي وراء ترسيخ هذا الظلم، هل الهدف منه هو استفزاز أبناء المنطقة أو الخروج عن القانون''. فبالنسبة لهذا الرجل أن الوضعية ''أعطت الفرصة لمن يريد غرس الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وهيأت مناخا لتقبل الأفكار المتطرفة من طرف البعض وهم من سماهم الوزير الأول بشرذمة، بعض منها يطالب بالانفصال. وهؤلاء ليسوا أبناء المنطقة وهذه تدخل ضمن مؤامرة ضد الجزائر''. فأبناء المنطقة يضيف أخذوا قرارهم في 27فيفري سنة 1962 في المظاهرات العارمة التي قضت على مؤامرة فصل الصحراء، والمطالب الحقيقية التي يقدمها أبناء المنطقة اليوم هو العدل في التشغيل''. ففتيل الاحتجاجات في حاسي مسعود وورفلة هو التشغيل في المؤسسات البترولية وحل هذا المشكل يكون بقرار سياسي من الدولة الجزائرية وليس المسؤولين المحليين أو الوزارة بعينها. ويتضمن فتح الفرصة لأبناء المنطقة ليشتغلوا في القطاع البترولي مثلهم مثل غيرهم والثاني القضاء على مؤسسات المناولة''. فبالنسبة لهؤلاء الأعيان والمشايخ، فإن 99بالمائة من عمال القطاع البترولي لم يمروا على شركات المناولة وإنما على التشغيل المباشر، بينما يحتم على أبناء المنطقة المرور على شركات المناولة التي يصفونها بممثل العبودية الجديدة. ففي شهر نوفمبر الماضي انعقد مجلس وزراء مصغّر برئاسة عبد المالك سلال في ورفلة وقدّم مطلب حل شركات المناولة، إلا أن وزير العمل قال أن الأمر يحتاج إلى قرار سياسي.
والملاحظ أن صراع الأجيال الذي طفا إلى السطح بالمنطقة كان له دوره أيضا في تسريع هذا الحراك الاجتماعي، فالشيوخ والكهول لم يعودوا اليوم قادرين على إسكات أبنائهم ممن يطالبونهم بإيجاد حل لهم أمام مشكلة البطالة والمساهمة في تحسين ظروفهم الحياتية. ولأجل ذلك، فإن بعض المشايخ والأعيان يعلنونها صراحة، أن الاحتجاجات ستتواصل إذا لم يتم إيجاد حل لمشكل التشغيل. الطيب صديقي، أحد أعيان المنطقة يقول أن ابنه أجرى الفحص التأهيلي على أمل تشغيله في شركة مناولة، ولكن للعام الثالث على التوالي لم يتم استدعاؤه، بينما يشير شاب يسكن بالقرب من حي بني ثور ويشتغل بشركة ''الصحراء'' إلى أنه تحصل على عقد عمل مدته 56 يوما، ولم يستسغ بعد التمييز الحاصل بين عامل وآخر من نفس المستوى، فيما تجد عاملا يتقاضى 25 ألف دينار وزميله في نفس الشركة يحصل على 8 ملايين سنتيم.
دليل الفشل.. توقيف 4 مديري تشغيل في وقت واحد
ما هي الأسباب التي جعلت هذه الاحتجاجات تظهر بقوة في الوقت الحالي بالمنطقة؟يجيب قويدر بن حنيش ممثل الكنفدرالية الوطنية الاستشارية والتنسيقية للحركة الجمعوية بورفلة، أن سبب ظهورها بقوة في الوقت الحالي هو الالتفاتة الحقيقية للسلطات لهذه الاحتجاجات. والدليل على فشل الإدارة في معالجة ملف التشغيل هو توقيف أربعة مدراء للتشغيل في وقت واحد، مدير الوكالة الولائية، مدير الوكالة المحلية بالرويسات ومدير الوكالة المحلية لحاسي مسعود ومدير الوكالة المحلية لسيدي خويلد، إلا أن الشيء الذي دفع الشباب للتجمهر والاحتجاج، هو غياب الشفافية في توزيع عروض العمل والشغل. والدليل على ذلك أنه بتاريخ ال 27 فيفري وجّه المدير العام للمؤسسة الوطنية للأشغال البترولية رسالة إلى المفتش الولائي للعمل عن طريق والي ورفلة، يطلعه فيها أنه قدّم عرضا للوكالة الولائية للتشغيل بقائمة 30 منصب شغل منذ شهر ولكن لم يتلق أي رد عن تلبية هذا العرض، أي لم يمنحه أيد عاملة، مما يقود للتساؤل بالتالي عن أسباب عدم محاسبة هؤلاء المسؤولين عن سوء التسيير وتقديمهم للعدالة. وفضلا عن ذلك، فإن رئيس مكتب مفتشية العمل بحاسي مسعود توخة لخضر تجاوز مدة 15 عاما وهو على رأس المكتب ولم يتم تغييره. وتفيد معلومات قدّمها لنا أن عروض الشغل التي تلقتها الوكالة الولائية سنة 2012 قدرت ب 11181 عرض، وكل عرض يتراوح بين منصب إلى مائتي منصب. ومن أصل هذه المناصب تم تنصيب 1700 عامل حاز أغلبيتهم على عقود مؤقتة، فيما بلغ عدد طلبات الشغل خلال السنة المذكورة في الولاية بأزيد من 30 ألف طلب، بينما بلغ عدد عروض الشغل سنتي 2010 و2011 أزيد من 12 ألف عرض. وصرح المفتش الولائي للعمل أن الولاية استفادت من 53 ألف منصب شغل سنة .2007
أجانب بدل الجزائريين
كما أن ''هناك قضية لا تقل خطورة عن ألاعيب الإدارة وحيلها تتعلق بتشغيل الأجانب في مهن واختصاصات هي في متناول عمال محليين أو وطنيين مثل كهرباء صناعية، سائق رافعات، ميكانيك الآليات والسيارات، مثل ما هو معمول به في شركة (ليد) السورية، حيث يتولى مجموعة من السوريين القيام بهذه الاختصاصات والمهن''. كما تتعمد بعض الشركات الأجنبية عدم تنفيذ الاتفاقية الأولية التي تحدد فيها مناصب العمل الخاصة بالأجانب والجزائريين، لأن القانون ينص على توظيف أجنبي واحد مقابل 3 عمال جزائريين على الأقل. وهنا يبدأ دور مفتشية العمل التي لها الحق في مراقبة المؤسسات للتأكد من تطبيق الاتفاقية. إذ أن المعمول به في حاسي مسعود أنه كلما تعلق الأمر بالأجانب تطبق الاتفاقية بحذافيرها، في حين يتم تشغيل الجزائريين في شركات المناولة، مما يعد مخالفة وخرقا للقانون.
شهد شاهد من أهلها
25 مليونا على الورق و10 ملايين في الواقع
شهادات أحد المسؤولين، ترجّانا بأن لا نكشف اسمه، بحكم صلته بتسيير شركة ''أوراست'' للخدمات، التي تعكف على تقديم خدمة الفندقة والإطعام لشركة ''باسب'' بموجب عقد أبرم بين الشركتين، تكشف عمق المأساة داخل شركات المناولة، إذ يقرّ صراحة، عند لقائنا به بمقر الشركة، بأن ''الدولة مسؤولة عما يحدث في هذه الشركات، لأن حقوق العامل ضائعة، فما أعرفه أن شركة المناولة ''أوراست'' هي التي تحدد الأجر القاعدي المضمون والأجر الشهري للعمال''، قبل أن يضيف ''والمشاكل تكمن في كون الأجر القاعدي الحقيقي هو 25 مليون سنتيم، ولكن العامل لا يتقاضى إلا 10 ملايين سنتيم''، وعلى هذا الأساس يطالب هذا المسؤول ب ''تدخل الدولة لتحديد سقف الأجر القاعدي المضمون في هذه الشركات، حتى يصعب على أي كان أن يخترق هذا الحد في شركات المناولة التي تستفيد من هوامش هذه الأرباح وهذا المشكل يعم كافة شركات المناولة. وفي ظل حالة الوعي التي أصبح عليها الشباب والناس بشكل عام، فإن الأمر قد يتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجه السماسرة المهندسين للشر، لأن المشكل استنادا لعديد الروايات أعمق بكثير وخطير، خاصة أن هناك من يقول إنه قضى 15 عاما تحت وصاية شركة المناولة، خرج منها دون أن يحصل على حق التقاعد. بل وترسخت في المخيال الجماعي للناس هناك، صورة تضع جزائرية القائمين على تسيير تلك الشركات موضع شك.
مؤسسات وطنية في اللعبة ''الحقيرة''
ولا تقتصر المأساة والملهاة التي كانت وراء تنامي بقع الإحساس بالغبن والتهميش، على شركات المناولة فقط، بل ''انخرطت في اللعبة شركات وطنية أيضا تعمل دون شفافية، بدليل أن الشباب المحتج في حاسي مسعود والقادمين من مختلف بلديات ولاية ورفلة، قاموا بغلق أبواب مؤسسات كبرى مثل المؤسسة الوطنية لخدمات الآبار والمؤسسة الوطنية للتنقيب في الآبار ومؤسسة بي.جي. آس. بي'' يضيف المسؤول. كما ''انخرطت في التحايل على طالبي الشغل الوكالة الولائية للتشغيل، من جانب كونها لا تشطب أحيانا بطاقات طالبي الشغل، مثلما هناك تلاعبات تخص الفحص الخاص بانتقاء اليد العاملة، وهذا المشكل قد يشكّل مصدر زحف شباب بلديات الولاية إلى حاسي مسعود الذي لم يعد آمنا مثلما كان سابقا''.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/03/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : '''' نوار سوكو
المصدر : www.elkhabar.com