الجزائر

هذا الأسبوع ''الحجر''



الفتور واللامبالاة ميزتا مرحلة ما قبل التشريعات. ربما تتطور الوضعية مع بداية الحملة الانتخابية بشكل رسمي، لكن توقع ارتفاع نسبة الاهتمام بـ الحدث إلى مستويات عالية، أمر صعب توقعه، لعدد من الاعتبارات.
أولها، تاريخي، مستمد من التجربة. وخلاصته أن الحكومات تعاقبت على وعود إجراء ما يشبه انتخابات الإنقاذ الوطني ، لتكافئ المصوتين بتزوير بعد آخر.
ثانيا أن أداء المؤسسة التشريعية وصل إلى أدنى المستويات، إلى درجة التساؤل عن جدوى وجود مؤسسة معطلة.
ثالثا أنها تحوّلت إلى منبر، رسخ في أذهان المواطن فكرة الرداءة والانتهازية.
رابعا، العجز في تقديم خطاب بديل عن التشاؤم، بعيدا عن تسويق التخويف .
لا يمكن إغفال جهود بعض الأحزاب، وبوجه خاص تلك التي تقتسم الحكومة والأغلبية البرلمانية، في سعيها من أجل تغيير صورتها لدى الرأي العام، حيث عمدت إلى تزيين قوائمها بوجوه بريئة . لكن افتقر مسعاها إلى سعة أفق التغيير، وأيضا إلى محرك باستطاعته إقناع الناخب بصدق النوايا، والإخلاص للوعود. وأول من استهدف مصداقية إعداد قوائم تلك الأحزاب، مناضلون وقياديون، ذرف بعضهم دموع الحسرة على وقف طموحهم الشخصي .
وفي المقابل، يجب تسجيل حدوث أمر استثنائي هذه المرة، ويتعلق بـ اللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات . وبعكس اللجان السابقة (والتي قدمت شهادات يتبرأ اليوم منها الحكم)، تلبس ثوب الاستقلالية عن المؤثـرات المحيطة بها، ولا تريد أن تكون شاهد زور. فهل للجنة المستقلة القدرة والإمكانيات المعنوية لمواجهة ضغط الظروف والمحيط؟
يقترح المتفائلون الصبر ومرافقة عمل تلك الهيئة، للحكم فيما بعد على أدائها، وعلى صدق نواياها . وفي المقابل، يحذر المشككون من تلاعب جديد، مصدره السلطة التي تريد البروز بمظهر الحياد .
بالفعل،إن وجود شكل الأشياء لا يعني وجودها. ففي الإعلام مثلا، لا تعبّر التعددية في العناوين عن وجود حرية تعبير، كما لا يعني تعدّد الأحزاب وجود تعدّدية. ومشكلة الإعلام من مشكلة جمعيات المجتمع المدني والمنظمات، حيث تضرّرت الحركية المجتمعية التي يغلب عليها طابع التبعية بشكل كبير. وتظل، في معظمها، بعيدة عن مواقع المبادرة.
تعتمد الديمقراطيات على المجتمع المدني عند تنظيم انتخابات، أو إجراء تغييرات دستورية مهمة. فهي، وعلى الرغم من تاريخها في بناء الصرح الديمقراطي، تعاني نفسيا من عزوف المواطنين عن صناديق الانتخاب. وتعيش بعضها أزمة سياسية، مظاهرها اهتزاز الثقة بين المواطن وسياسييه، لأسباب تتعلق بالفساد، والإفلات من التزامات البرامج الانتخابية.
وإن تكن المقارنة مضرّة بالمعنويات، فهي مفيدة للعبرة. فماذا باستطاعة ذلك المجتمع النوعي القيام به في حالة الجزائر؟ محدودية وجوده ـ من حيث التأثير وليس العدد ـ يعبر عن أزمة المجتمع ككل، المتضرّر من صيغة تطبيقات فهم مبدأي الوفاء والإخلاص .
لقد تربينا على التبعية، عموديا وأفقيا، وضبطنا قاموسا لقيم تحاكي تجارب لا تطبق في واقعنا. ففي كل عام، ومع افتتاح كل موسم جامعي، يرد في خطاب الرؤساء ما يعد ببدء الاعتناء بالعلم وبأهله. وفي كل عام، ومع افتتاح السنة القضائية، يرد في خطاب الرؤساء ما يعد بإرساء دولة القانون، وتعويض عدم توازن الكفتين عدلا. وكل عام، تبنى الوعود على قيم لا تطبق، إلى درجة اختلط فيه الأمر علينا في تقدير وتقييم معنى الديمقراطية التعددية .. هل هي سلوك ومنهاج، أم هي ورقة توت ؟
نعرف على الأقل، كيف يؤدي الحجر على مواقف المجتمع المدني، إلى تحجير ثقافة المجتمع.

hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)