تونس هي الاستثناء العربي وتجربتها تغري وتزعج.
تغري المواطن العربي وتزعج أنظمته، فكلاهما مشدود إلى التجربة، ولكيفية الانتقال والتعايش الذي شكلته قوى سياسية وفكرية متباينة.
وتكمن قيمة التجربة التونسية، في تعالي النخبة عن أنانيات، كانت ستقحمها في خصومات وصراعات، مقدمة لنا النموذج الممكن للانتقال، والقائم على التنازلات المتبادلة، من أجل التعايش والتعاون.
ويمكن اعتبار إعلان المرزوفي رئيسا لجمهورية تونس، بمثابة بداية التقويم الجمهوري العربي الحديث والأصيل، ليس لأنه يساري يعمل مع أغلبية إسلامية، بل لتلك النغمة الثقافية التي يعبر من خلالها شعب تونس ومثقفوه عن طموحهم في إحداث قفزة حضارية وغلق قوس على نظرية تربص الأنظمة في ممارسة الديمقراطية .
ولن تكون مهمة الانتقال سهلة، ولا يستبعد أن تتخللها محاولات خارجية من الأصدقاء والأشقاء للتأثير على سمعة تجربة التعايش، وأيضا من أجل التمكين لفتنة الأنانيات الحزبية والشخصية، كي تعلو على المشروع الوطني ـ الحضاري.
إن الأنانية السياسية، بكل أشكالها، تعد من بين الصخور التي تتكسر عليها محاولات بناء مشروع سياسي وطني.
ففي حالة سوريا الآن، يستقوي نظام الأسد بعاملين: الأول ما توفره حماية روسيا، متفرغا لمهمة قتل المتظاهرين بشكل يومي. والثاني ما تقدمه المعارضة السورية من شروخ وخلاف. أو في حالة مصر بعد الثورة، حيث أصبحت الحسابات الحزبية تسبق حسابات بناء المستقبل المشترك. وتسعى قوى إسلامية ويسارية إلى ترتيب المواقف والمواقع على حسب جدولها السياسي الخاص بها. والنتيجة الأولية لهذه الانقسامات، بروز شقوق كبيرة، تمكن أطرافا عديدة من التسرب عبرها بهدف التأثير في عملية صياغة وتشكيل المشروع الوطني المصري المقبل.
لذا، تعد التجربة التونسية رائدة عربيا في هذا المجال وتشبه إلى حد ما تجربة تركيا، البلد الإسلامي الذي يقدم نموذجا ناجحا في بناء دولة متنوعة وقوية اقتصاديا. ففي وسط أمواج الأزمة العالمية، تعد تركيا البلد الأوروبي الوحيد الذي حقق بين جانفي وأكتوبر من هذا العام، نسبة نموّ تقارب 9 بالمائة. وتختلف تجربة تركيا بكثير عن تجربة إيران مثلا، حيث تعدّ المنافسة والتعايش من الثوابث الوطنية في تركيا، في حين أسست النخبة الحاكمة في طهران قوتها على استخدام الدين كورقة للحكم ولغلق المنافسة، وحصرها بين أجنحة مجموعة نظام واحد، لتتداول هي حصريا عليه.
فالأنانية والشك شكّلا ويشكلان العنصر المتحكم في عمليات الانتقال، إلى غاية تجربة تونس، لتحمل معها بشائر عن إمكانات التغيير السلمي، مهما كانت طبيعة النظام، شرط أن تتغلب النخبة على أنانيتها .
والمهمة ليست بالسهلة، لأن العادة سارت على تقديم الطموح الشخصي..
لقد عرفت الجزائر محاولات بناء قطب للديمقراطيين والجمهوريين.. باءت كلها بفشل صاعق وتكسرت موجاتها قبل بداية أشغالها، والسبب أن من أقطاب تلك المحاولات، من ليس له في الفكر والممارسة الديمقراطية ما يسمح له بتقبل فكرة التواضع ، مقابل مستقبل بلورة مشروع.. فشلوا في تجاوز امتحان التنازل عن الصراع حول الزعامات ، قبل بداية بحث كيفية وسبل صياغة المشروع المجتمعي.
والحلم الشائع الآن بين النخب والمجتمعات العربية، هو أن تنجح التجربة التونسية في تقوية مكاسب التغيير، بأن توفق في غرس ثقافة التعاون.. مقدمة البديل عن الحلقة المفرغة لتجارب التربص الديمقراطي في ممارسة الحكم الشمولي.. تجارب تعنى بكل ما يشبه الممارسة الديمقراطية، من حيث النصوص وليس السلوك.
hakimbelbati@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 24/12/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد الحكيم بلبطي
المصدر : www.elkhabar.com