الجزائر

هذا الأسبوع ''الفساد.. من يحده وكيف؟''



 تسبح الكثير من المبادرات الجزائرية لمحاربة الفساد داخل دائرة الإعلان عن النوايا. وتميزت الإرادة السياسية بخصلة إنشاء وإرساء هياكل، مطلوب منها محاربة هذه الآفة. فهل وجود الهيكل يؤدي إلى أداء هذه المهمة؟ استفحال الظاهرة يتطلب تعبئة وطنية للكفاءات، ومعها الإمكانيات، ويتطلب أيضا رفع الاحتكار الذي هو الحليف الأول للفساد ولنموه.
إن الجو القانوني، وما هو موعود به في مجال قانون الإعلام، على سبيل المثال، يلغم طريق رصد نمو الفساد، من خلال الاعتماد على مبادئ عامة مجردة، والتي يتم مزجها بـ الحريات الشخصية ، أو بـ المساس بالمصلحة الوطنية . وإن كان الحديث عن الحريات الشخصية غير جدي، كون الموضوع لم يستوف بعد أشكال نضجه لدى السياسيين عند تناولهم الحقوق الفردية والعامة، فإن التستّر وراء هذا المبرر، وجعله قاعدة، يتناقض مع نوايا مكافحة الفساد. فهل سيكفي تعزيز هياكل الرقابة، مثل المفتشية العامة للمالية، أو مجلس المحاسبة.. بكفاءات ووسائل عمل، حتى تسترجع قوتها وتستعيد روح المبادرة؟
إن من عوائق عمل هذه الهياكل أنها تفتقد لـ المبادرة ، وتخضع للتوجيه. واحتكار المبادرة بين يدي السياسي يجعل من المؤسسات أدوات سياسية في يد السلطة، وليست أدوات مستقلة في خدمة القانون، وتعمل بالتوازي مع السياسي. وقد أدى، ويؤدي، احتكار السلطة لمحاربة الفساد، وعدم الاستقلالية، إلى تخلف الجهود. ويتسبب التضييق على مساهمات المجتمع المدني في مواجهة الظاهرة في تعفن الوضع، من خلال مضاعفة الشكوك حول خلفيات وأهداف التضييق على مبادرات مدنية، مثل مبادرات رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان. ولا تساعد في توضيح الصورة، عندما تجعل المهمة جزءا من نشاط هيئات تابعة، مثل اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان، أو المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، لتنشط حصريا جلسات وندوات وأيام دراسية، تكون خاتمتها من جزئين، شكر موجه للقيادة على جهودها، وجزء ثان يحذر من عواقب تنامي الفساد، وأيضا التحذير من نمو ظاهرة تبذير المال العام..
من أيام، اشتكت وزيرة الثقافة، خليدة تومي، للنواب من تقصير التلفزة في تغطية تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. وفعلا، فقد تمت ملاحظة عدم الإلمام بالتظاهرة من حيث الدعاية لها، بما كان سيبرر نفقات التظاهرة، والنقص سجّل أيضا من جهة الفضائيات. ولا يستدعي الأمر توجيه اللوم إلى قنوات الدول الإسلامية لإهمالها التظاهرة التي كانت موجهة أيضا لشعوبها، مادامت الأدوات المتوفرة بين أيدي الحكومة لم يتم توظيفها، حتى يتم تبرير النفقات والمشروع ككل. لا يكفي التهديد بمحاربة الفساد، أو مكافحة تبذير المال العام، حتى يتم احتواء الظاهرتين، في حين يكفي لاستمرار نمو الظاهرتين أن يتم تغليب منهج الاحتكار على ثقافة المنافسة.. في النشاط العمومي ذو منفعة اجتماعية، وفي الدعاية له، وأيضا تغليبه في التجارة والاستثمار.
لم تدخر السلطات جهدا لدفع اتهامها بالقصور في تعقب مصادر الفساد والتسيب. وفي المقابل، لا تزال أصوات مستقلة تحذر من آثار العجز في الحد من انتشار الوباء، مجددة مطلب رفع احتكار معالجة الفساد.

hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)