كيف نقرأ انتشال السمعي البصري من قائمة الممنوعات، المحظورة على المجتمع؟ هل هو إعلانا عن بداية توجه جديد، أم هو مسايرة لوضع؟
تحتمل قراءة ما في الكأس تأويلين. الأول ايجابي، وينظر إليها على أنها مملوءة وعودا. ويحمل التأويل الثاني، ما يذكرنا بجدب سماء الدولة ، وهزال السقي. ويحذرنا من الخلط بين الماء وبين السراب.
والتأويل الثاني أقرب إلى الواقع. لأن ما جاء هو معلقا بشروط تجعل من فتح قطاع السمعي البصري مجرد نسمة عابرة، مصدرها برّاد آلي ، وليس لتطور في أحوال الطقس.
أن ما أقرأه في نص الفتح ، هو إعلانا مسبقا من قبل السلطة مفاده أنها لا تثق بلجنة الضبط القادمة. وأنها قرّرت ضبط مداولاتها، من خلال إخضاعها إلى موافقة السلطة السياسية. فهي ستسير القطاع عن طريق المناولة ولا تفتحه بالمعنى الطبيعي.
لماذا الخشية من لجنة نصف أعضائها يتم تعيينهم من قبل الرئيس والبرلمان؟
هذه مشكلة الجزائر..فالثقة عملة نادرة. قوانين تضبط نحو اليمين، وقرارات تنظم في اتجاه اليسار.
في الإعلام، هناك نصوص ما شاء الله عليها، عمرها من عمر التعددية. لكن لنشر صحيفة، يجب الحصول على ما شاء الله من تدخلات.
في عهد سابق كانت الأوضاع أوضح. لم تكن صحيحة لكنها أوضح. وأقصد عندما قرّرت السلطات تأميم كل شيء، وأي شيء. أمّمت قاعات السينما، ومحلات الخبز. أمّمت التجارة الخارجية، لتتحكم في التجارة الداخلية.آنذاك، كان هناك ما يشفع لقراراتها. أخذت طريق الاشتراكية، لم تستشر الناس ، إلا أنها حاولت، تغيير بؤسهم بحياة أفضل. رأسمال النظام كانت حسن نواياه. لكن أثبتت التجربة أن حسن النوايا وصدق التصوّر غير كافيين لتوفير شروط نجاح الانتقال. حيث أنجبت التجربة رجال مال ، قليل منهم تحوّل إلى رجال أعمال. فالريع باستطاعته تفريخ آلاف من رجال المال. لكن رجال الأعمال هم موهبة أولا مهمتهم إنتاج الثروة، سلع وخدمات ومال. وبدلا من ضبط السوق هربت الأخيرة منها، بحكم واقع نمو السوق الموازية، التي وجدت في القوانين الضابطة والمناخ السياسي، حليفين لضمان تطورها. وهي اليوم اقتصاد قائم بذاته على الاستيراد.
ومعالجة عاهة اللاثقة، ليست بالأمر الهين. وتتطلب شجاعة سياسية تعترف بشرعية الكفاءات، وعدم تجريم رأس المال الخاص بالحكم عليه مسبقا بأنه مفسد، أو مهدّم. وأن أصحابه هم مجموعة أشرار تتربص بمصالح البلد. في حين أن انتشار الفساد وتفشي الرشوى المالية-السياسية مرجعها غياب الشفافية وانعدام المنافسة.وباسم احتكار مبهم، لا يستند إلى عقيدة أو إلى إيديولوجية، تتم عملية سن القوانين يمينا وقرارات يسارا.
إن التخوف من رفع الاحتكار عن الإعلام، أو عن الأعمال، بمبرر حماية مصالح البلد لا يستند إلى الحقيقة. فالواقع يبرز آثار الخراب الذي لحق بقيمة العمل، نتيجة احتكار حرية المبادرة.
إن هذه المبرّرات تكشف لنا عن تناقضات في تقدير دور المواطن. فالأخير هو جزء من شعب عظيم في مناسبات. وفي مناسبات أخرى، هو جزء من مجتمع قاصر ، غير مستعد لتقبل التعددية، أو للتعامل مع التنوع.
وعندما يتم ترديد موال بأن تعددية القنوات تحمل معها خطر التهجم على كرامة الناس، فإن الرسالة موجهة إلى مواطن قاصر ، لتخوفه من أشياء يمكن معالجتها بالقانون.
ليكن القانون هو الضابط وفوق إرادة السياسي، وفوق رغباته ومصالحه. وبعيدا نوعا ما عن حساباته الظرفية المتقلبة دوما، حسب ظروف التوازنات والتكتلات داخل النظام.
إن استمرار الضبابية حول الخيارات السياسية والاقتصادية أو الثقافية، مع ما أفرزته فشل التجربة الاشتراكية، يفسّر إلى حد بعيد عجز المال في تحسين صورة واقع، أو تغيير مضمونه.
hakimbelbati@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/09/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد الحكيم بلبطي
المصدر : www.elkhabar.com