لجنة برلمانية للبحث في حقيقة أحداث الزيت والسكر..
إننا ننتظر نتائج التحقيق في أحداث أكتوبر,.88 منذ .1988
عندما تقرّر السلطة التحقيق في خلفيات أزمة، تنتقل إلى تنفيذ القرار، تكون نفضت يديها من مسؤولية مساءلتها عن الأسباب التي تساهم وتسهّل تحريك الشباب للخروج مستخدمين العنف. كان يمكن للسائل الرسمي النظر للموضوع من زاوية ثـانية، والتساؤل: ماذا تفعل السلطة حتى تخفف من الاحتقان الاجتماعي؟
هذا المنطق في رؤية الأشياء لا ينتسب إلى أبجديات العمل السياسي في بلادنا. لقد تعوّدنا من مسؤولين تحميل الغير والغيب مسؤولية الفشل. وفق قاعدة هو، لست أنا .
وإن كنت اقتنعت (بعد شك خفيف)، بأن حدود ما يراد تغييره في السياسة والدستور لا يعدو أن يكون ترميما ، فأنا مرتاح لتكليف الداخلية بالمهمة. فهي ستفتح ملفا، وتعبّئه بالورق الناعم، ثـم ستتكفل بغلقه. ثـم ستستره في رفّ خزينة حديدية. أمّا ما سيكتب في الورق الناعم، فسيكون عبارة عن تراكيب مفردات تحمل معنى، ولا تحمل رسالة. كونها ستزيد من مخزون الوثـائق الممجدة للديمقراطية والتسامح، من دون الانتقال إلى بهو هذا العالم، الذي يبقى عالما افتراضيا مخصصا للحلم فقط.
عندما يستشهد الخطاب الرسمي بتعدّد الصحف ووجود صحافة خاصة، فهو لا يأتي بشيء غير موجود. إنها الحقيقة. نعم، هناك صحف متعدّدة، وعناوين مختلفة، تكتب وتنتقد وتعلّق، لكنها أسكنت درجات من التبعية والضعف. في الواقع المعيش، هناك صحف تطبع يوميا، وبالألوان، وبـ10 دج فقط. أغلبها مضطر إلى شحت الإشهار العمومي والخاص. فهناك منافسة تحت السّطح من أجل اقتطاع نصيب من الإشهار المحتكر من قبل السلطة، والتي تتصرف فيه كما تشاء، بحجة أنها تحافظ على المال العام، وبأنه من حقّها توزيعه على من يوافق خطّها السياسي. بمعنى من ينتقدها مقصى بقرار سياسي.
إلى جانب احتكار الإشهار وخوصصته من قبل الحكومة لصالح نفسها تعبث به وفيه، هناك المطابع واستيراد الورق، وهو سوق مالي ضخم. فهنا أيضا تعيش الصحف تحت رحمة الآلة . وقبل الإشهار والمطبعة، هناك مقص الرّقيب الذي يقرّر لمن يعطي الاعتماد وشهادة الحياة لجريدة، وعلى من يمنعها.
هذا هو جزء من عالم الإعلام في الجزائر. وعندما أستمع لكلام مسؤولين عن الحريات وما تم تحقيقه للصحف، أزداد قناعة بأن كلامهم هو مجرد كلام موجه لملء الخانات الفارغة، في شبكات تنشرها يوميا الجرائد.. هي للتسلية ولا تصلح لشيء آخر.
ووصلت الفوضى منذ سنوات (لأن هذا الوضع خلق فوضى) إلى ظهور جيل جديد من الإعلاميين، لا تتعدى رواتبهم 5000دج، باعتراف الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي لم يجد شيئا سوى التنديد.. والقانون، أين محله؟
من له مصلحة في تدجين الإعلام، وتهشيم عظمه؟ هو كل شخص يحاول إقناع الجزائريين بوجود إعلام حر ومتعدّد.
إن ما خلّفته سنوات الإرهاب، وتخلّفه سنوات القمع المادي والإداري، أو الخنق السياسي، أنها ركّبت في العقل مقصّا يسبق القلم. ومن يقامر ليدفع عنه المقص حفاظا على نزاهة قلمه وصفاء حبره، معرّض لأنواع من الانتقام باسم الخط السياسي، أو باسم مصلحة تجارية.. ولا يختلف في ذلك القطاعان العام أو الخاص.
كإعلاميين، نتحمل مسؤولية التراجع، والسلطة لعبت دورها، ونجحت في جعل الإعلام أداة دعاية. لكنها مجبرة لأن تنظر اليوم أو غدا في المرآة، وأن تتساءل: هل هي مستعدة حفاظا على مصالح عناصرها التفريط دوما في مصالح دولة؟ فهي بسلوكها وعملها وتدابيرها وقراراتها تحكم على الإعلام بالضعف، وبظهر مكسورة. إنه خشوع الضغط. وليس هو بخشوع الإيمان . بمجرد خروج بن علي من قصر قرطاج، انقلب عليه إعلام الدعاية. ومثـله كان مصير مبارك. وفي الجزائر، رأينا بأن معاملة الشاذلي، وهو رئيس، لم تكن نفسها خارج قصر المرادية. وهو نفس ما جرى مع بن بلة، ومع بومدين، وزروال، وغدا مع بوتفليقة. لأن كل سلطة تأتي تقوم بخوصصة الإعلام لصالح عناصرها، حماية لهم من عيون الحسد . وحين تتحدث السلطة عن الإصلاحات، وعن التعديلات، أو عن التغيير وتطبيق القانون، أقيس حديثـها بما تستعمله من مصطلحات عند حديثـها عن رسالة الإعلام، أو عن تعددية الإعلام، وجرأة الإعلام..
فتحسين حال الإعلام هو حدّوتة عن شيء نفتقده. فالقلم هو تحت رحمة مقص ذاتي، مصدره خوف من فقدان امتياز، أو خوف من زيادة الفقر، أو الخوف من قطع الرزق.. ومع ذلك، يوجد من يرفع صوته في وجه من يحتكر الصفوف الأمامية.. ليذكر بأن المسؤولية هي نموذج، وهي قدوة للشباب، كلّما تمدّدت في الزمان، سقط ضيوفها من قلوب المؤيدين والمناصرين. وما الحديث عن رفع الجرم عن الكتابة الصحفية إلا مناورة أخرى، لا تختلف في جوهرها عن تلك اللّجان المكلّفة بالبحث في حقائق أزمة ما.
فكيف يمكن تصور إصلاح سياسي ودستوري بإقصاء المعارضة؟ وكيف يمكن توقع تخلص الإعلام من الوصاية، ومبادرات الإعلاميين مهملة، بل هي محتقرة؟
الحلم جميل، لكنه يبقى مجرد حلم. ولا يؤهلنا للاحتفال باليوم العالمي لحرية التعبير. فبماذا نحتفل؟
rf.oohay@itablebmikah
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/04/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد الحكيم بلبطي
المصدر : www.elkhabar.com