النظام الرئاسي هو المناسب للجزائر.
النظام البرلماني يناسب المجتمعات المثقفة.
هذا ليس كلامي ولا أؤمن به وأستحي من ذكره، فلا يعقل أن أشتم شعبا بـ لا ثقافته ولا يعقل أن أجعل منه قاصرا عن استيعاب ممارسة الحكم بالبرلمان.
ماذا لو عاد النظام إلى القانون، وفتح المجال أمام ممارسة التعددية الحزبية الأصيلة؟ بكل تأكيد ستتغير الخريطة السياسية، أولا على مستوى غربلة الوصولي من المناضل. وثانيا، في بعث منافسة فعلية بين الأفكار. فورثة ثقافة الحزب الواحد، وأقصد المجموعة المشكلة للسلطة، غير قادرين على رفع تحدي تجديد الأسلوب ولا تجديد الأفكار. فقد ورثوا مع الفكر ما يتم بواسطته تحنيط كل هذه الأمور .
واليوم مثل أمس، تغترف السلطة أدبياتها من مقررات هذه المدرسة، فهي دائمة الاتهام لـ العناصر التي تعمل في الخفاء ولـ المجموعات المحتكرة للمواد الغذائية.. وهي نفس التهم التي نعثـر عليها في بيانات المكتب السياسي للحزب الواحد، عقب أحداث أكتوبر 1988، حين اتهم أصحاب المال والمحتكرين للمواد الغذائية بتدبير الأحداث.
شخصيا لا أرى غرابة في تدبير الأحداث أو في توجيهها، لأنه يفترض أنه مع كل سياسة، ومع كل قرار هناك رد فعل يقابله. وشعبية الحكومة هي التي تتأثر، صعودا أو هبوطا. وإذا كانت الحكومة في تقاليد الحكم بالجزائر، في الغالب لا تخضع إلى هذه القاعدة، فإن جماعات الضغط الخفية، مالية كانت أو غذائية أو سياسية هي في تكيف مستمر ومتواصل مع تطورات المحيط المحلي والدولي. ولها من الإمكانات لبعث الشك حتى في قدرة الحكومة على تسيير وفرة السيولة النقدية عبر مكاتب البريد والبنوك. لقد وقع النظام في فخ نصبه لـ أعدائه في الداخل وفي الخارج. وقع في فخ تكرار ما يعتبره انفتاحا اقتصاديا للتحكم أكثـر في الحكم، مبعدا القادرين على المساهمة في صياغة مستقبل الجزائر، ومقصيا لعدد أكبر من الملتزمين بأفكار الدفاع عن الجمهورية. وفي رحلة التيه هذه، أصبح يقذف شعبه بعدم أهليته لممارسة الحكم البرلماني لـ علة ثقافية . ومنهم من كان رحيما ، وقال بأن الأمر ليس إلا فترة يتم خلالها تأهيل الشعب على هذه الثقافة.. وسيتمكن بعدها من ممارسة الحكم البرلماني.
كان دوما صدر السلطة ضيقا، لا يحتمل النقد. وتكره الرأي الآخر الذي يذكرها بعيوبها وبعوراتها. لكن يجب الاعتراف لها بالإبداع في فرض الأمر الواقع والدهاء في الالتفاف على مطالب الآخر ، لتعود بـ العربة إلى حيث كانت راكنة. ألم ترفع قانون حالة الطوارئ؟ فماذا أنجب إلغاؤه؟
لقد أنجب فكرة تسييج ساحة الشهداء. فمن كان يفكر قبل ذلك في إمكانية تسييج ساحة (ساحات) منعا للتظاهر والاعتصامات؟ ولا عجب أن تقرر إلغاء كل الساحات العمومية، عبر كامل تراب الجمهورية، وأن يتم تعميرها بمحلات موجهة لموجة مشاريع الشباب.. كما أنها قد تهتدي إلى فكرة جعل كل القاعات أو أغلبها، عبارة عن ورشة مفتوحة، حتى لا يجد أي حزب من الأحزاب المزعجة مكانا لائقا يجتمعون به.
كان دوما صدر السلطة ضيقا، لا يحتمل النقد. وتكره الرأي الآخر الذي يذكرها بوجود من يعتصم ومن يسير ومن يتظاهر ضدها أو طالبا إصلاحا أو طالبا وسائل حياة أفضل. يضيق صدرها من الحقيقة التي تذكرها بأنها محدودة الحيلة والحلول. تنفي وجود مشكلة في الجامعة وتقسم بهدوء الحرم. وما كان من النفي والقسم إلا أن جعل غضب الطلبة يتحول إلى اعتصام ثم إلى مسيرة.. ألم يصب الطلبة عندما هتفوا .. الحكومة تشعل النار . فمع كل تصريح لعضو من أعضائها إلا ولمسنا، بل وسمعنا منه الاستعلاء . ربما ضعف الأداء ومحدودية بعضهم في طمس الحقيقة، يجعل منهم عدوانيين من حيث لا يشعرون.. وربما هم يشعرون. لكن شعورنا نحن من يطالب بالتغيير والتحسين ليس هو نفس الشعور. إننا نستحي من تكرار التذكير بتأخر المشاريع التي تبني عليها السلطة نجاحها. فبعد سنوات تواصل الافتخار بإنجازات لم تكتمل بعد. كان يفترض أن يركب الجزائري المولود العام 90 من القرن الماضي في حجر والده عربة من عربات المترو. وحملت الأقدار أمرا آخر. فالجزائري الذي ولد في 1990، يعتصم ويسير الميسرات فوق ورشة المترو..
وربما هو من سيحمل ابنه على حجره في عربة من عربات هذا المترو الممتنع عن الجزائريين. اللهم إلا إذا صدق رافاران رئيس حكومة فرنسا الأسبق، والمكلف من قبل الرئيس ساركوزي بملف العلاقات الاقتصادية مع الجزائر. فقد وعد بحل القضية عاجلا. قالها ولم نسمع تعليقا من الطرف الرسمي الجزائري، مؤكدا أو مستغربا طبيعة هذا الكلام. كان ذلك في آخر زيارة له إلى الجزائر، منذ أقل من ثلاثة أشهر.
من أيام توجهت مجموعة من المثقفين برسالة إلى رئيس الجمهورية عبر الصحافة، تطالب فيها بالتغيير وبالتداول. ونص الرسالة بما يحمله من مضامين، يجعلنا نتوقف أمام بعض المواقف. أهمها أن البلد يتمتع بإمكانات بشرية ومادية، ويحوز على قدرات تؤهله لإنجاز أعمال كبيرة في الصناعة والزراعة وفي السياحة وفي البحث العلمي. فماذا ينقصنا حتى نتجاوز عقد الضعف؟
ما ينقصنا، هو أن نتخلص من مخلفات ثقافة قاعة سينما ماجستيك ، التي أنجبت دستور1963، والذي سيبرر كل الانقلابات وكل التقلبات التي ستجعل من الاستقرار هو الحلقة الأضعف، تتداولها الأيادي من أجل الضغط. فتلك الثقافة، أنجبت تداولا في استعمال المساومة و التناوب على الاستفادة من ريع ممارسة الحكم.
hakimbelbati@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/04/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد الحكيم بلبطي
المصدر : www.elkhabar.com