الجزائر

هدوء.. إنّه المونديال!



أعترف منذ البداية أنّني لست من عشّاق هذه الساحرة المستديرة التي سلبت قلوب عقول الصغار والكبار معا، وجعلتنا في حبّها واحدا. ولطالما كنت أقول ممازحا أترابي في "واد السبت"، القرية التي نشأت فيها، إنّني لن أشاهد أيّ مباراة حتّى وإن لُعبت أمام باب المنزل فكيف بالتنقّل إلى ملعب واحتمال صقيع ووهج الشمس من أجل مشاهدة مباراة فيها رابح وخاسر، فيما لا أربح أو أخسر فيها شيئا. وقد اكتشفت أن صديقي المشاكس مجيد أعدّ قائمة لفريق افتراضي يضمّ أسوأ اللاعبين في القرية. ولسوء حظّي، فقد ورد اسمي ضمن القائمة جنبا إلى جنب مع علي بدوي ومجموعة من الذين لم يسبق أن شاهدهم أحد يداعبون هذا الجلد المنفوخ الذي نسمّيه كرة قدم!.لكن غرائب الصدف شاءت أن أدخل الملعب، بل وأن أتنقّل آلاف الأميال لمشاهدة مباراة للفريق الوطني؛ كان ذلك في نوفمبر الماضي وكانت الوجهة هي أم درمان بالسودان التي احتضنت مباراة "الخضر" مع "الفراعنة". أيّ صدفة هذه؟ إنها أوّل مباراة أشاهدها من داخل الملعب، مباراة عشتها بكلّ جوارحي، عشت فرحة النصر والتأهّل إلى المونديال التي تستعصي على الوصف. لن أنسى أسماء وصديقتها الوهرانيتين اللتين قدمتا من دبي خصّيصا لتشجيع "الخضر"، ولن أنس مشهد صديقي الذي سقط أرضا وهو يبكي بعد أن هزّت قذيفة عنتر يحيى شباك الحارس المصري الذي بكى هو الآخر طويلا بعد أن أضاع حلم كأس العالم إلى الأبد.لن أنس شوارع الخرطوم التي خلتها أتت من الجزائر، لم تكن تختلف كثيرا عن باب الواد أو بلكور، الراية الوطنية غزت كلّ مكان تقريبا، ولم يكن شيء يعلو فوق أهازيج "وان تو ثري.. فيفا لالجيري". السودانيون استقبلونا استقبال الأبطال والنجوم، أوقعونا في حبّهم بحفاوتهم وصدقهم، اكتشفنا بلدا لم نكن نسمع به إلا قليلا، كما اكتشفوا شعبا أبهرهم كثيرا.. الزميل والصديق العزيز محمود أبو بكر سمى ذلك "الحبّ من أوّل ماتشّ".. يا إلهي، كم لهذه الجلدة المنفوخة من قوّة وتأثير في التقريب بين الشعوب والحضارات، وكم لها من القوّة في التفريق بينها كما فعلت أيضا بيننا وبين المصريين بسبب جوقة من سفلتهم ومهرّجيهم الذين لم يهضموا تلك النتيجة ففعلوا ما فعلوا؟نوفمبر2009.. جوان 2010.. مرّ الوقت سريعا، وها هي بلاد العم مانديلا تفتح ذراعيها لاستقبال اثنين وثلاثين فريقا.. اثنين وثلاثين بلدا مختلفة أجناسها وأعراقها وألوانها ودياناتها، اجتمعت في مكان واحد من أجل هدف واحد؛ تحقيق النصر، أو على الأقل الأداء الجيّد وإدخال المتعة والبهجة إلى قلوب الملايين من أنصارها وعشّاقها. كأنّه الحج!.هنا، لا شيء يشغلنا غير "الخضر".. قلوبنا في جنوب إفريقيا، وصلواتنا لهم. إننا نتوق لفرحة كتلك التي صنعوها بعد ملحمة أم درمان.بعد نهاية مباراة الجزائر - انجلترا، التقيت بالصديق عبد الرزاق بوكبة أمام قاعة سينما الجزائرية بشارع ديدوش الذي امتلأ عن آخره بالمناصرين الذين عاشوا ليلة بيضاء، وقد وجدنا نفسينا فجأة محاطين بمجموعة من الشبّان وهم يحملون دفوفهم وطبولهم. انسجمنا مع تلك اللحظة التي قفزت من مكان ما، إذ لم تكن إيقاعاتهم وأهازيجهم إلا لتخرجك إلى حالة من النشوة والطرب، حتّى "الفوفوزيلا" كانت حاضرة لدى هؤلاء الأنصار الذين هتفوا بحياة سعدان والفريق الوطني.. بحياة الجزائر وفلسطين.لا أخال ذلك الشاب الذي كان يهتف بملء صوته "نحبّك يا بلادي" إلا صادقا. ذكّرني بآخر ونحن في مطار الجزائر متّجهين إلى الخرطوم كان يهتف بتلك العبارة وهو يلثم العلم الوطني الذي كان يمسكه بحبّ وحنان غريبين كما تحمل الأمّ وليدها.. أقدام أشبال سعدان فعلت ما لم تفعله عقولنا، فكم جميل لو استُثمر في هذه الوطنية التي تفجّرت كينبوع جارف. سيكون من المحبط والمحزن جدّا لو ذهب كلّ هذا أدراج الريح.لكم يحزنني أيضا ما تفعله بعض أقلامنا وعناويننا الإعلامية، حين ترفع سعدان وأشباله إلى مصاف أنصاف الآلهة حين يحقّقون نتيجة طيّبة أو يؤدون مباراة جيّدة، ثمّ تعود لتنزلهم إلى تحت الأرض إن عاكسهم الحظّ فلم يظهروا بالمستوى المنتظر منهم، أو لم يحقّقوا النتيجة المطلوبة. لست ضدّ النقد البنّاء طبعا، ولكنّني ضدّ هذا النفاق الإعلامي والتخبّط الممزوج بقليل من الاحترافية وكثير من الغباء.لنترك رفاق عنتر يحيى يقومون بواجبهم في الميدان.. لنصلّ من أجل أن يفوزا في مباراتهم ضدّ أمريكا ليعيدوا إلينا تلك الفرحة العارمة، ولنهتف أبدا بهذا الشعار العبقري الأصيل: "معاك يا الخضرة.. رابحة ولا خاسرة".بقلم / علاوة حاجيقاص وإعلامي.alhadj@hotmail.com


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)