هاجس الخوف من شريعة الاسلام ....لِمَا...؟؟؟
في ظل الحراك الفكري والصراع الايديولوجي الواقع على الساحة الوطنية بل وفي العالم الاسلامي وخاصة بعد ما سمي بالربيع العربي... وبروز التيار الاسلامي بمختلف أطيافه...أصبح هاجس الخوف عند الجميع من تحكيم شريعة الاسلام، ولعل هذا الخوف والهاجس له ما يبرره خاصة بعد التجربة الجزائرية والتجربة الطالبانية وغيرها من التجارب التي حاولت اعطاء النموذج للحكم الاسلامي.... إلا أن الواقع والموضوعية تقتضي أن يفكر الجميع حتى الآخر في حقيقة شريعة الإسلام.....؟؟؟؟
إنَّ المسلمين بحكمِ شريعتِهم ونصوصِها الناصعَة الصريحة لَمطالبون عند الله بالتمسُّك بها والعَضِّ عليها بالنواجذ وحمايةِ جنابها عن أن يُخدَشَ أو يُثلَم، أو أن تتسَلَّل إليها أيدي العابثين لِواذًا، يقلِّبون نصوصَها وثوابتَها، ويتلاعبون بأحكامها ومسلَّماتها كيفَ شاؤوا، على حين غفلةٍ عن استشعار هيبَة القرآنِ في النفوس، وإبّانِ غيابٍ غيرِ قليل لما يَزرعُه الله بالسّلطان من القوّة والتأديب؛ لأنّ مَن أمنِ العقوبةَ أساء الأدَب، ومَن عَدِم النورَ والهداية تخبَّط في دياجير الظّلَم، ولا عاصمَ حينئذٍ من أمر الانزلاق بعدَ الله إلا بالتمسُّك بوصيّة المصطفَى صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((عليكم بسنّتي وسنّةِ الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي، تمسَّكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإن كلّ محدثةٍ بدعة)) رواه أحمد.
وإنّ مما رسَخ في نفوس المسلمين أنَّ في الإيمان بالله وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه الانقياد والتسليم كفالةً لسعادة الدارين، وأنّ من حُرِم ذلك التمسُّكَ والانقياد فقد حُرِم التوفيقَ والسعادة، ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((ذاقَ طعم الإيمان، من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً)) رواه مسلم. إنه لا طعمَ بلا إيمان، ولا إيمانَ بلا رضًا بشريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبلا عملٍ بها في جميع شؤونِ الحياة بلا استثناء.
إنّ المدلهمَّاتِ الحثيثةَ والخطوبَ التي اعترَت حِياضَ المسلمين في الجزائر وقوَّضت روابطَهم خاصة بعد تجربة مريرة غامر بها المقامرون استطاعت أن تكوِّن في أنفسهم شيئًا من الذُّعر والفَرَق اللَّذين أفرزَا في نفوس بعضِ المسلمين إحساسًا بالانهيار وتردُّدًا في القناعات ببعض الجوانب في الشريعة واستحياءً في التمسُّك بالدِّين والاعتزاز بالشريعة الحيَّة، بل لقد تعدّى الأمر إلى أكثرَ من ذلك حيث نبتت نابتةٌ تريد عزوَ أسبابِ الانهيار والضعفِ لدى المسلمين إلى ما يحملون في أنفسِهم من تطبيقٍ لشريعةِ الإسلام في عصرِ العَولمة وتصارُع الحضارات، فأخذوا يُلفِّقون التُّهمَ لعقيدة الأمّة ولأصالتها وعالمية رسالتها، ورأوا أنَّ في تطبيق الشريعة على ما عهِده المسلمون في القديم والحديث مانعًا من تعانُق الحضاراتِ ونوعَ تخلُّفٍ ورَجعية لا تُرضي شعوبَ الكفر ودُوَله، والتي لن ترضَى عن أمَّتنا حتى تتَّبع مِلّتهم، فلا تسألوا حينئذٍ عن البدء في النَّقضِ للعُرى والتشكيك في المسلَّمات والأصول، فبدعوى حماية حقوق الانسان جُمد قانون عقوبة الاعدام ضد المجرمين والذين يسعون في الارض فسادا....
لقد اختلطت مصادر التلقي عند الناس حتى تحوّل الصَّحفيُّ فقيهًا ومرجعيةً دينية تضَع المعايير للمصيب والمخطئ كيفما اتّفق، وانقلَب السياسيّ مشرِّعًا والعامِّي ناقِدًا، وفُقِدت المرجعيّة الدينية الشرعيّة بعد تهميشها بين أوساطِ الناس، وذلك كلُّه بسببِ تهميش العلماء الربانيين العاملين وغياب قُوّةِ السلطان وترفُّع الوُضَعاء والجهّال والمتفيهقين؛ ليُبرِزَ لنا الواقعُ المرير صورةً جليّةً من الوصف النبويّ الكريم لِما يكون في آخر الزَّمان على حدِّ قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ الله لا ينزع العلمَ من الناس انتزاعًا، ولكن يقبض العلماء، فيُرفَع العلمُ معهم، ويبقى في الناس رؤساء جهّال، يفتونهم بغير علم، فيَضلّون ويُضلّون)) خرّجاه في الصحيحين وهذا لفظ مسلم، وعلى حدِّ قول النبي في الحديث الآخر: ((إنها ستأتي على الناس سِنون خدّاعة، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذّب الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطِق فيها الرُّويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((السفيه يتكلَّم في أمر العامّة)) رواه أحمد.
ورحِم الله ابنَ القيم وهو يصفُ مثلَ هذه الحال بقوله: "فلو رأيتَ ما يُحرِّف إليه المحرِّفون أحسنَ الكلام وأبينَه وأفصحَه وأحقَّه بكلِّ هدًى وبيان وعلم مِن المعاني الباطلة والتأويلات الفاسِدة لكِدتَ تقضي من ذلك عجبًا وتتَّخذ في الأرض سَربًا، فتارةً تعجَب، وتارة تَغضب، وتارة تبكِي، وتارة تضحَك، وتارةً تتوجَّع بما نزل بالإسلام وحلّ بساحةِ الوحي" انتهى كلامه رحمه الله.
وعليه فإنّ الواجبَ على الحكام أولياء الأمور أصحاب القرار والعلماء والدّعاة أن يكونوا دعاة لتحكيم شريعة الاسلام الحقة بدون عقدة ولا خوف ولا انهزامية...
فالواجبُ على كلِّ مسلم كمالُ التسليم لشريعةِ الله والانقياد لما فيها وتلقِّي ذلك بالقبولِ والتصديق دونَ معارَضتها بخيالٍ باطلٍ ولو سمّاه الناس معقولاً أو مصلحةً أو ضغطًا حضاريًّا. كما لا يجوز لأحدٍ أن يحمِّل الشريعةَ شبهةً أو شكًّا أو يقدِّم عليها آراءَ الرجال وزُبالةَ أذهانهم، فلا يصحّ إلاّ التحكيم والانقياد والتسليم والإذعان للشريعة، قال الله تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا [الأحزاب:36].
فاللهم وفقنا لما تحب وترضى وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزّ فيه أهل الطاعة ويعافى فيه أهل المعصية ويؤمر فيها بالمعروف ويُنهى فيها عن المنكر، إنّه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/07/2012
مضاف من طرف : yasmine27
صاحب المقال : يوسف مشرية
المصدر : مجلة اذاعة القران الكريم الجزائر