يحتفظ الجزائريون بصورة نمطية عن الهند، ساهمت في تشكيلها الأفلام الهندية. وربما أكثـر ما يشد الجزائريين هو الرقص الهندي سريع الإيقاع والصوت الأنثوي الرقيق. ومن بين الصور النمطية الأخرى عن الهند، أن سكانها من عباد البقر. لكن ما لا يعرفه الجزائريون عن أهل الهند أنهم يعبدون العمل أيضا، وهم اليوم بذلك ينافسون أقوى الدول في العالم. وستصبح الهند، بحلول العام 2020، عاشر أكبر دولة تجارية في العالم.
عندما تنتقل من الجزائر إلى الهند شرقا، فإنك تخسر أربع ساعات ونصف من الوقت، فإذا كانت الساعة تشير في الجزائر إلى الثامنة صباحا فهي في الهند منتصف النهار. وهناك بعض السلوكيات في المجتمع الهندي لا تستطيع فهمها إلا وأنت في الهند، فالنقطة الحمراء التي تضعها النسوة بين العينين مثلا، تعني أن المرأة متزوجة وتعني أيضا أنها عين الله (لكل شخص في الهند إله طبعا) التي تراقب وتحمي العبد. وكم كان غريبا لي رؤية بطون النسوة عارية، حيث تظهر السرة من تحت لباس الساري الشائع لدى نساء الهند. وعندما سألت عن سر إظهار البطن والسرة، قال لي أحد الهنود إن فلسفة ذلك مستمدة من كون البطن مقدسا في ثقافة الهنود، لأنه مصنع الأطفال، وبالتالي لا يوجد عيب في إظهاره بل بالعكس هو مفخرة.
أما عبادة البقر، فيبدو أن أسعد حيوان في الهند هو البقرة، حيث لا أحد يزعجه وإذا ما صادفك ووجدت بقرة في طريقك، فيستحسن أن تنزاح أنت وليس البقرة. ولدى الهنود تفسيرهم لتقديس البقرة، حيث قال لي أحدهم وهو مسلم بالمناسبة واسمه شاهنواز: يعتقد الهنود أن البقرة هي مصدر الحليب كما هي الأم مصدر الحليب للطفل الصغير، وبالنتيجة هناك تماثل بين البقرة والأم. وفي المحصلة كما أن الرجل لا يستطيع ذبح أمه فهو لا يستطيع ذبح البقرة ولا أكل لحمها .
وفي الهند ما تزال ظاهرة وأد النبات موجودة حتى اليوم، كما يجري التخلص من كل جنين أنثى رغم جهود الحكومة لوقف هذه الظاهرة. وبالنتيجة، فقد أدى الأمر مع مرور السنين إلى تناقص ملفت للانتباه في عدد الإناث مقابل الذكور. وتتحدث آخر إحصائية صدرت مطلع الشهر الجاري عن تسجيل ولادة 914 فتاة فقط لكل ألف صبي دون سن السادسة، مقارنة بـ927 لكل ألف قبل عقد من الزمن. وتواجه النساء المتزوجات في الهند ضغوطاً كبيرة لإنجاب الذكور الذين ينظر إليهم على أنهم معيلون وأرباب أسر، بإمكانهم الاهتمام بذويهم عندما يشيخون. أما البنات فغالباً ما يعتبرن عبئاً على العائلة لأن تزويجهن يتطلب مهراً كبيراً. ووفقاً لدراسة أعدتها المجلة الطبية البريطانية ذا لانسيت العام 2006، فإنه يتم إجهاض نصف مليون جنين أنثى في الهند كل سنة.
عدد سكان الهند يعادل سكان 6 دول كبرى
ومن اللافت للانتباه لكل زائر للهند، أن سكانها لا يهتمون كثيرا بمظهرهم، فملابسهم بسيطة جدا، ولا يبحثون عن الرفاهية في المنازل ووسائل النقل أو ربما لا يجدونها. فعدد السكان بلغ في آخر إحصائية رسمية صدرت مطلع أفريل الجاري مليار و210 مليون. ويمثل هذا الرقم المخيف مجموع شعوب كل من الولايات المتحدة وأندونيسيا والبرازيل وباكستان وبنغلاديش واليابان (!).
والهند بهذا، هي القوة البشرية الثانية بعد الصين التي تحصي أكثر من مليار و341 مليون نسمة، ويمثل سكانها 5,17 بالمائة من سكان المعمورة. ومن التناقضات الواضحة أن الهند التي تنافس جارتها الصين على ريادة القارة الآسيوية، وتنافسها على فرص الاستثمار في كل مكان، خصوصا القارة الإفريقية، منحت مشروع إنجاز مطار نيودلهي الجديد الذي تم استلامه قبل عام لشركة صينية.
ويسهل عليك في الهند اكتشاف كم يرتبط أهلها بالحياة الروحية، ويظهر هذا الارتباط من خلال انتشار المعابد في المدن والقرى النائية، وفي السيارات وفي تذكارات السياحة. فالكل يحمل خصوصيته الدينية معه، وخلال تواجدنا بالعاصمة نيودلهي لاحظنا مثلا أفواجا كثيرة لمسلمين تجوب المدينة، وعندما سألنا قيل لنا إن أحد المشايخ زار العاصمة لإلقاء محاضرة. وسألنا مواطنا هنديا عن تمثال كان يضعه قبالته داخل السيارة، فأخبرنا أنه الإله كريشنا . وبالأرقام يطغى الهندوس (قرابة 80 بالمائة من تعداد السكان) على كامل الديانات والمعتقدات الأخرى كالبوذية مثلا أو طائفة السيخ، التي ينتمي إليها رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ. وهي بالمناسبة طائفة نافذة جدا في البلد رغم عددها القليل، ويتميز أتباعها بوضع لحية وعمامة فوق الرأس، وهي ديانة تقوم على نقل التعاليم من المعلم للتلميذ. بينما تبلغ نسبة المسلمين في الهند 18 بالمائة (150 مليون نسمة) من مجموع السكان، أما المسيحيون فتبلغ نسبتهم اثنين بالمائة.
الدراجة.. وسيلة نقل عائلية في الهند
وفي حياة الناس، يطغى استعمال الدراجة بنوعيها الهوائية والنارية كوسيلة نقل فردية وحتى عائلية، فلا تتفاجأ أبدا إذا رأيت رب عائلة يحمل معه زوجته واثنين من أبنائه على متن دراجة نارية كالموجودة عندنا. أما التكتك والمعروف محليا في الهند باسم ريكشا فهو وسيلة النقل المفضلة لجميع المواطنين لسهولة التوغل بها في الزحام وسط أمواج من ملايين البشر. وبجانب سيارة الريكشا العتيقة هناك مترو دلهي العصري، الذي يربط مختلف جهات العاصمة دلهي بما فيها المطار الدولي. وتحصي العاصمة السياسية نيودلهي وحدها قرابة 20 مليون نسمة، بينما يعيش في مومباي العاصمة الاقتصادية للبلاد حوالي 19 مليون نسمة.
وعكس ما يظهر في الأفلام، يعيش الهنود حياة هادئة دون صدامات أو مشاحنات، كما لا يخشى الزائر والمقيم على نفسه ولا على هاتفه النقال وباقي أغراضه من السرقة، فهم متشبعون بمعاني القناعة ويرون في المهاتما غاندي الأب الروحي في كل شيء. وما إن تشرق الشمس حتى تدب الحياة في أوصال المدن والقرى. وفي سبيل تحصيل لقمة العيش يقوم الهنود بكل الأعمال البسيطة منها والشاقة. وكم كان قاسيا علينا رؤية أحدهم وهو يتعذب بجسده النحيف في إدارة عجلة دراجته الهوائية الموصلة بعربة، كنت أنا وزميلي من جريدة الوطن على متنها، في جولة سياحية قصيرة بوسط نيودلهي. وصعب علينا طلب تغييره خوفا من أن يفقد مصدر رزقه الوحيد. ورغم حركة المرور الكثيفة والسياقة على الطريقة الهندية التي لا تحترم قوانين المرور، إلا أن حوادث المرور تكاد تكون معدومة. وإذا كان الهندي فعلا لا يهتم لمظهره فهو لا يفرط بمحيطه، فحيثما تولي وجهك تمتع ناظريك بالحدائق الجميلة والورود الزكية. وتقوم حكومة الهند على مشروع ضخم يسمى الهند الخضراء العام 2047، تشرف عليه مؤسسة تيري للطاقات المتجددة.
مومباي.. تعايش بين بوليوود وأكبر حي قصديري في العالم
أما في مومباي المدينة الساحلية الحالمة، التي تبعد عن العاصمة نيودلهي إلى الجنوب الشرقي بمسافة ساعتين بالطائرة، فبالإمكان أيضا الوقوف على تناقضات بلد العجائب، حيث يتعايش أغنى الناس مع أفقرهم، وحيث تزاحم البنايات الشاهقة أحياء قصديرية بلغت شهرتها العالم، ولعل أشهرها الحي القصديري الواقع غرب مدينة مومباي وتعيش فيه 600 ألف نسمة. ويفتخر سكان مومباي باحتضان مدينتهم لمدينة الإنتاج التلفزيوني الفريدة من نوعها في آسيا، المعروفة باسم بوليوود قياسا على هوليوود الأمريكية. ولولا أنني كنت موجودا في الهند لما صدقت ما أراه، فالطريق المؤدي إلى بوليوود يعج بأحياء الصفيح، بل توجد بيوت قصديرية في داخل مدينة بوليوود نفسها، ولما سألنا عن ذلك قيل لنا إن الناس تفضل الحياة على طبيعتها ولا تريد تغيير نمط معيشتها . وتقع بوليوود وسط محمية غابية تضم أنواعا كثيرة من الأشجار. وبوليوود عبارة عن مدرسة لتدريس الطلاب فنون التصوير والتلفزيون والسينما. وتنتج بوليوود حوالي 1000 فيلم سنويا، تلقى رواجا هائلا لدى الجمهور الهندي وحتى في شتى دول العالم. ويعترف المسؤولون في الهند بأن بوليوود هي التي فتحت أبواب الاستثمار وسوّقت صورة مشرقة عن الهند.
ولا يخطر ببال الزائر للهند ألا يحط الرحال بمدينة أغرا ، حيث توجد إحدى عجائب الدنيا السبع، تاج محل. هذه التحفة المعمارية التي استغرق بناؤها 22 سنة (1631ـ1653 م) واشتغل عليها 22 ألف عامل، ليست سوى نتاج حب عاصف بين الامبراطور المغولي المسلم شاه جاهان وزوجته ممتاز محل . فبعد مماتها لم يجد شيئا يعبر به عن حبه الكبير لقاء وفائها وإنجابها له 16 ولدا، سوى بناء هذه التحفة البيضاء المصنوعة من الرخام الأبيض الخالص. وكان شاه جاهان يستعد لبناء تحفة أخرى بالرخام الأسود لولا اعتراض أحد أبنائه بحجة التبذير، فأدخله السجن وهناك مات. اليوم تاج محل هو مزار للعشاق وللسياح من كل أصقاع الدنيا، حيث يزوره يوميا 20 ألف سائح وحوالي 8 ملايين زائر سنويا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/04/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : نيودلهي: مبعوث ''الخبر'' رمضان بلعمري
المصدر : www.elkhabar.com