رغم أن منطوق الحكم الذي صدر في حق الرئيس المصري حسني مبارك أثار ردود فعل متباينة بين من أيده واعتبره القصاص الوافي الشافي لجراح أهالي ضحايا ثورة 25 يناير وبين من إستنكره ووجده مخيبا للآمال، ولا يوازي درجة الجرائم المرتكبة في حق الشعب المصري على طول العقود الثلاثة الماضية، فالمؤكد أن إدانة مبارك والحكم عليه بالسجن مدى الحياة سيضع نقطة النهاية لعهد الديكتاتور الذي جار واستبد وظلم، ويطوي مرحلة من الترقب واللاإستقرار والتوتر التي تعيشها أرض الكنانة منذ سنة ونصف، ويفتح صفحة جديدة لإستكمال بناء النظام المصري الجديد وإقامة ركائز مؤسسات الحكم للانطلاق نحو إصلاح ما أفسده دهر مبارك وعلاج ما خلفه من آفات وإخفاقات مست كل الأصعدة للتفرغ إلى دفع عجلة التنمية وقطف ثمار الثورة وتوزيعها على أسس من العدالة والنزاهة على كل أبناء الشعب المصري.
ورغم إصرار بعض الرافضين للحكم الصادر في حق مبارك ونجليه ومقربيه على النزول من جديد إلى ميدان التحرير وهز شوارع القاهرة بالمتظاهرين والمحتجين، فمن الضروري الاشارة إلى الجانب الإيجابي لهذه المحاكمة بغض النظر عن أحكامها، فالمصريون ومعهم الشباب الثائر ضد الأنظمة المستبدة وفي بعض البلدان العربية، لا يمكن إلا أن يحسوا بسعادة وغبطة كبيرين على اعتبار أن إدانة فرعون مصر والزج به بين أسوار السجن هو سابقة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، إذ لم يكن أحد يتصور قبل سنة ونصف أن تكون نهاية مبارك بمثل هذا الشكل المهين والدراماتيكي، بل ولم يكن أحد يتصور أنه بالإمكان إقتلاع الفرعون من منصبه، وهو الذي مد جذوره وهيأ خليفته.
على المصريين وشباب التغيير العربي أن ينظر إلى نصف الكأس الممتلئ من الماء، ويتمعن في نهاية مبارك، وقبله يسترجع صورة القذافي وهو «يرجم» حيا وعلي عبد الله صالح وهو يحرق قبل أن يُنحى، وزين العابدين بن علي وهو يفر مهزوما ذليلا، ليدرك بأن ثورته لم تكن حركة فوضوية أو مؤامرة خارجية، بل انتفاضة مدفوعة بسنوات من القهر والاستبداد، ومتوجةُ بانتصارات ونجاحات لا يمكن إلا لجاحد إنكارها، والنجاح الأكبر سيظهر جليا في المستقبل، حيث سيكون على كل مترشح متقدم لمنصب الرئيس في أي دولة عربية أن يحسب ألف حساب لطموحه ولتطلعه المستقبلي.
الحكم الصادر في حق مبارك أثار موجة إستنكار في الشارع المصري، وهذاشيء منطقي ومنتظر، لكن من الضروري أن لا يمتد إلى شل البلاد والعودة بها إلى حالة التوتر والفوضى، مما قد يعيد الحساب في مسألة حالة الطوارئ، التي تم رفعها نهاية الأسبوع الماضي، بل يجب طي صفحة الماضي والإلتفات إلى المستقبل ومواصلة بناء مؤسسات السلطة على أسس من النزاهة والديمقراطية والاختيار الحر.
ورغم مؤشرات التصعيد التي تحملها بعض المجموعات الشبانية والسياسية والتي نتمنى أن تكون مجرد حالة غضب يتم تجاوزها بتغليب المصلحة العليا للبلاد، يبقى من الضروري التنويه بالشعب المصري الذي تأكد فعلا بأنه سليل الفراعنة وبأنه ليس إنهزاميا أو خاضعا مثلما صوره النظام البائد، بل قوي بالشكل الذي مكنه من صنع واحدة من أنجع الثورات وأكثرها تحصرا وتمدنا، واستطاع بعيدا عن روح الانتقام والقصاص الوحشي مثلما فعله بعض الثوار بقائدهم أن ينحي مبارك ويقدمه للعدالة ويسجنه.
وتبقى إدانة مبارك نهاية مرحلة وبداية أخرى.
تاريخ الإضافة : 02/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فضيلة دفوس
المصدر : www.ech-chaab.net