الجزائر

نموذج ناجح لسياسة الدولة في فرض التغيير والإصلاح بومعطي ... الوجه الآخر لمستقبل الحراش



نموذج ناجح لسياسة الدولة في فرض التغيير والإصلاح بومعطي ... الوجه الآخر لمستقبل الحراش
ستكون بومعطي الوجه الجديد للحراش وقبلته الأولى، إذ أن "نيو بومعطي" هي التسمية المستقبلية لهذه البقعة التي لطالما ارتبطت تسميتها بجميع معاني الفوضى والإهمال واللامبالاة كغيرها من أحياء البؤس التي خرجت عن سيطرة جميع المسؤولين ولم تفلح معها المخططات التنظيمية التي حاولت من خلالها الإدارة ضبط أمور هذه الأحياء والمناطق سواء من ناحية التجارة أوالنظافة أوالأمن أوالعمران ... وما هي إلا شهور قليلة حتى تخرج بومعطي بثوب جديد وحضاري بفضل المشاريع الجديدة والإمكانيات المالية التي تم ضخها ضمن سياسات جديدة لفرض التغيير.
ويكتشف المتجول بمنطقة بومعطي ملامح التغيير التي ارتسمت بفضل جملة المشاريع التي تم إقحامها بقلب هذا الحي الكبير الذي كان يشكل النقطة السوداء والصورة السلبية عن الحراش زادتها سلوكيات بعض المواطنين وتدهور الطبيعة عبر وادي الحراش سوءا وتأزما على الرغم من المحاولات الناجحة لتحسين باقي الأحياء والمناطق وإخراجها من محور البؤس والحرمان الذي كان يحاصرها منذ أعوام، وذلك بفضل الإمكانيات المالية التي تم صرفها والسياسات التي تم تبنيها لفرض التغيير والتي بدأت تعطي أكلها بحيث تشير جميع المعطيات ان المستقبل القريب لمنطقة بومعطي يعد بمفاجآت كثيرة وملامحه بدأت ترتسم منذ الآن.
ولم يكن بمقدور الجميع التجول بحرية عبر مسالك بومعطي وأسواقها اليومية والأسبوعية من دون أن يخرج منها بأقل خسارة بفقدانه لمبلغ مالي أوتمزيق جيوب ملابسه أوحقائب السيدات والأوانس وحليهن حتى ولوكانت من نحاس، فمنطق الاعتداءات والسرقات كان هوالسائد والغالب على منطقة بومعطي ..ورغم ذلك فإن شهرته ما فتئت تزداد يوما بعد يوم والإقبال عليه تضاعف أكثر خاصة في الآونة الأخيرة بفضل عودة الأمن وهو أحد أهم مؤشرات التغيير بالمنطقة.

60 بالمائة من سرقات الحراش كانت تتم في بومعطي

وقد ساهم التنظيم العمراني والتجاري بالمنطقة والذي ابرز ملامح المدينة العصرية والمتكاملة، في استتباب الأمن وعودته إلى المنطقة التي كانت معروفة بتجاوزاتها الخطيرة، حيث أن دخول أحد أسواق بومعطي خلال الأعوام الماضية كان ضربا من المغامرة أو"الهبال" فلا مجال هنا لدخول المرأة من دون زوجها أورفيق أودخول رجل دون أن يكون محصنا برفقة شديدة أوعتاد مضاد للاعتداء ورغم كل ما كان يثار ويقال عن تنوع المعروضات والأسعار إلا أن الكثيرين كانوا يترددون ويفكرون ألف مرة قبل ان يدخلوا المنطقة خاصة إذا علمنا أن 60 بالمائة من الاعتداءات والسرقات على مستوى كامل مقاطعة الحراش والتي تضم عدة مناطق أخرى وبلديات على غرار باش جراح، لاقلاسيار وادي السمار ..كانت تسجل بمنطقة بومعطي لوحدها والتي هي جزء من أكثر مناطق العاصمة وأولها من حيث ارتفاع نسبة الاعتداءات والسرقات قبل ان تتراجع خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ تاركة مكانها لمناطق أخرى ووجهات جديدة.
ولعل الغريب فيما كان يحصل ببومعطي هو أن العديد اكتسب حرفة السرقة التي يمارسها الرجال والأطفال وحتى النساء بحسب ما تؤكده مصادرنا الأمنية بالمنطقة والتي تؤكد ان النساء يمارسن أنواعا من السرقات والتي تقع ضحيتها نساء أخريات وغالبا ما يكون الباعة والتجار أنفسهم هم الضحايا أما شريحة الأطفال فهي الأكثر استغلالا في حالات السرقة لما يتميزون به من خفة في الأداء وسرعة في الهروب والتغلغل وسط المتسوقين.
وحتى لا يُظلَم الحراشيون فإن مصادرنا الأمنية تؤكد أن جل اللصوص الذين يتم القبض عليهم لا ينتمون إلى إقليم البلدية بل يأتون إليها من مناطق أخرى من شرق العاصمة لعلمهم أن المنطقة خصبة ومعطاءة بفضل التوافد الكبير للمواطنين عليها وعلى أسواقها مما يوفر فرص "العيش" والاستفادة للجميع علما أن المعدل اليومي للسرقات والاعتداءات من خلال الشكاوى المودعة تراجع اليوم إلى مستويات دنيا بعدما وصل إلى أقصاه حيث كان تسجل يوميا ما بين 100 حالة و200 حالة سرقة في الأيام غير العادية أوالمناسبات أوبالأسواق الأسبوعية "وما خفي أعظم" لتتراجع إلى ما بين 20 و30 شكوى في اليوم حول عدة حوادث متنوعة من بينها السرقات والاعتداءات.
ونستشهد بآراء سكان المنطقة من قاطني حوش جوانيدا الذين يؤكدون ان الأمور تغيرت من النقيض إلى النقيض، ففي السابق "كنا نسجل العديد من المداهمات الأمنية بحثا عن مشتبه فيهم أومطلوبين بتهمة الاعتداءات أوالسرقات فالحي كان معروفا، لأن كل اللصوص كانوا يفرون إلى الحي وإن كانوا ليسوا من أبنائه، لكن اليوم نادرا ما نلاحظ لذلك حتى ان الحي اخذ ملامح جديدة أبعدت عنه الشبهة بعد استفادته من أشغال تهيئة واسعة من تعبيد للطرق إلى إصلاح شبكات الصرف الصحي والتوصيل بالغاز الطبيعي.

أحياء ومبان جديدة لتغيير وجه العمران

وشهدت منطقة بومعطي خلال السنوات الأخيرة انجاز عدة أحياء جديدة غيّرت بشكل كبير المنظر الجمالي للمنطقة التي كانت تتخذ من البناءات الفوضوية ديكورا لها، غير أن بروز عمارات من شاكلة "عدل" و"كناب" غير كثيرا النمط العمراني الذي يتجه نحو التنظيم والاهتمام أكثر بالجانب الجمالي، وقد جاءت هذه المشاريع السكنية لتعوض البناءات القصديرية التي قدر عددها بالمئات والتي تم التخلص منها بصعوبة كبيرة، ولعل هذا النجاح يعكس مدى قوة الدولة وتمكنها من فرض معادلة التغيير والإصلاح في أماكن أعجزت من يداويها.
وقد تمكنت السلطات من كبح "لعنة القصدير" أوالبرارك التي لطالما ارتبطت بالمنطقة التي تخلصت كليا منها ليظفر قاطنوها بحياة كريمة بعد معاناة استمرت لعقود طويلة عانى من خلالها السكان من معيشة القصدير ومن عار الإقامة في المنطقة التي اكتسبت سمعة سيئة انعكست سلبا على جميع المقيمين فكانوا شبه منبوذين ومحتقرين حتى وإن كانوا خيّرين وصالحين لا لشيء إلا لأنهم ولدوا فوجدوا أنفسهم في هذه البقعة أوغيرها من الأماكن المشبوهة.
وقد أضفت سكنات حي "عدل" الجديد التي سلمت مؤخرا للمستفيدين ديكورا خاصا على المنطقة بألوانها البرتقالية والبيضاء على الرغم من توسطها السوق الفوضوي لبومعطي الذي لم يتم إزالته بعد ما لم يتم إعادة إدماج الباعة -الذين تم إحصاؤهم- في أماكن أخرى أكثر ملاءمة وفي إطار رسمي ومشروع يجري التحضير لها.
وإلى جانب سكنات "عدل" استفادت بومعطي من سكنات تابعة لصندوق التوفير والاحتياط وأخرى بصيغة السكن التساهمي بتعداد يفوق ال500 وحدة سكنية تضاف إلى أزيد من 200 وحدة سكنية التابعة ل "عدل" إلى جانب نحو 100 مسكن بحي القرية الذي أنجز في إطار تدعيم البناء الذاتي والذي استفاد مؤخرا من عملية تهيئة واسعة.
وبشكل إجمالي استفاد حي بومعطي من ميزانية ضخمة خصصت لإعادة تهيئة المجمعات السكنية والأحياء والطرقات قدرت بنحو عشرة ملايير سنتيم دون احتساب أشغال التهيئة التي مست وادي الحراش والذي تكفلت به مديرية الري بغلاف مالي يفوق الأربعة ملايير دج.

أسواق تجارية راقية... وداعا للفوضى

ما هي إلا شهور قلائل وسيودع الحراشيون اكبر سوق فوضوي بالعاصمة، سوق لا يحمل من مفهوم التجارة إلا فعل البيع والشراء في جو مفعم بالفوضى ولا يحتكم لأي من الأعراف والقوانين التي تضبط النشاط التجاري لتشكل هذه البقعة تهديدا فعليا لجميع الأنشطة الشرعية، وبالتالي فإن انعكاسها يكون سلبيا على الاقتصاد الوطني.
وقد تم فتح أربعة أسواق تجارية عند مدخلي منطقة بومعطي الشرقي والغربي في خطوة جادة لمحاصرة الأسواق الفوضوية التي لم يبق منها سوى سوق "الدي 15" الأسبوعي وسوقين يوميين احدهما للخردة والآخر لمختلف المنتجات والسلع التي تعرض للبيع وسط هتافات الباعة البالغ عددهم نحو 50 بائعا تم إحصاؤهم وتصنيفهم ضمن قائمة خاصة خضعت للتحقيق في هوية المسجلين وأماكن إقامتهم قبل ان يستفيدوا من محلات تجارية وطاولات وهو المشروع الذي برمجته السلطات المحلية في شكل سوق كبير على غرار سوق "زوج عيون" بساحة الشهداء.
وبتخلصها من السوق الفوضوي ستكون منطقة بومعطي قد تخلصت من آخر آثار الفوضى لتتحول إلى القبلة التجارية ومستقبل الحراش الاقتصادي والجمالي بحسب تأكيد رئيس بلدية الحراش السيد عبد الكريم أبزار وهي مهمة ليست بالمستحيلة خاصة أمام التغيرات التي أجريت على المنطقة والتي كانت في وقت سابق ضربا من الخيال، فالتخلص من البيوت القصديرية ومن الروائح المنبعثة من وادي الحراش وغيرها كانت من المهام الصعبة والتحديات التي رفعتها السلطات المحلية.
ولعل ما يحصل بمنطقة بومعطي ما هو إلا نموذج عن إرادة التغيير التي استفادت منها العديد من المناطق والأحياء التي ظن الكثيرون أن الفوضى والتهميش هي قدرها المحتوم، وكما كانت الأقلام الصحفية تكتب عن مساوئ هذه المناطق وعيوبها فستكتب قريبا عن محاسنها وعن التغيير الذي طالها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)