الجزائر

نقاشات سطحية تطفو على الساحة الثقافية في الجزائر



نقاشات سطحية تطفو على الساحة الثقافية في الجزائر
يبدو أنّ معركة مكرّرة التفاصيل تلوح في الأفق الثقافي الجزائري، وقودها هذه المرة تلك التصريحات التي أدلى بها الروائي كمال داوود بخصوص اللغة العربية وأهلها في الجزائر، وهي التصريحات التي سارع الروائي بشير مفتي إلى الرد عليها. وللإشارة فإنّ بشير مفتي لم يكن الاسم الوحيد الذي لم تعجبه تلك التصريحات..ولئلا تكون الصورة مبتورة التفاصيل في ذهن القارئ، نذكّر بأنّ كمال داوود صاحب رواية ”مورسو.. تحقيق مضاد” التي قذفت به في أتون الشهرة والمجد الأدبي، حيث فاز بها بجائزة الكونغور لأول رواية سنة 2015، كما تُوّجت بجائزة القارات الخمس للفرانكفونية، كان قد صرّح على القناة الفرنسية ”فرنسا 5”، بأنّ ”اللغة العربية ليست لغتنا في المغرب العربي، وإنها لغة السلطة ورجال الدين في المغرب العربي”...وطبعا، فإنّ تلك التصريحات لم تنل رضى جمهور المثقفين المعرّبين، ومنهم بشير مفتي، فراحوا يُدافعون عن اللُّغة العربية، ويتّهمون كمال داوود بالإجحاف في حقّهم، حيث أكّد هؤلاء أنّ ذلك الكلام يُعدُّ نسفا لجهودهم كمعرّبين في نقد السلطة ونقد استعمالها للُّغة العربية وللدين في ممارساتها.تُذكّرنا هذه الحادثة التي يبدو أنّها ”عرضية”، إذا أخذنا في الاعتبار الحالة المرضية المزمنة التي يعيشها الوسط الثقافي الذي يعيش على قشور القضايا، ويشتغل بالتفاهات بدل الجوهر بسبب عزلته عن القضايا الجوهرية للشعب والأمة، بحادثة أخرى تقوم بعض وسائل الإعلام بالنفخ في رمادها، وهي قضية حذف البسملة من المقرّرات الدراسية. ويظهر بجلاء أنّ القضيتين تخرجان من مشكاة واحدة، وهي مشكاة الاشتغال بالتافه من الأمور، فلا ”نكبة” المنظومة التربوية تعود إلى حذف البسملة أو تركها، ولا ”وباء” الساحة الثقافية يرجع إلى ذلك الصراع اللُّغوي المعشّش في عقول المرضى من المثقفين والكتّاب المعرّبين والمفرنسين على حد سواء..ولا يحتاج الأمر إلى كثير تفكير لمعرفة أنّ كلا الفريقين يتّخذ من مثل هذه القضايا والأطروحات ”سجلا تجاريا”، فالذين يرفعون لواء الدين الإسلامي على مستوى الإعلام وغيره، إنما يُرافعون لكسب قارئ مفترض يؤمن بمثل هذه القيم، كما أنّ الذين يرفعون لواء اللُّغة العربية، وحتى أولئك الذين يرفعون الفرنسية لواءً، إنّما يُدافعون عن مصالح سقفها الأعلى قارئٌ مفترضٌ وجوائز وحظوة وهلمّ جرا من الامتيازات، ولو كان هدف هؤلاء وأولئك أمورٌ تتعلّق بالاهتمامات الحقيقية لمجتمعاتهم لوجدوا مئات القضايا التي تستحقُّ النظر والمعالجة. ونحن على بعد أسابيع فقط من تظاهرة الصالون الدولي للكتاب، سيلاحظ القارئ، من دون شك، أنّ الموضوع الذي دأب الإعلام على تسليط الضوء عليه طيلة السنوات الفارطة هو ذلك المتعلّق بالعناوين الممنوعة من دخول الصالون، وهذا، من دون شك، لا يُشكّل أهمّ قضية تطرحها هذه التظاهرة الدولية؛ لأنّ أهمّ منها ضرورة الإجابة عن سؤال ماذا أضاف الصالون الدولي لصناعة الكتاب في الجزائر، وهذا سؤال قلّما يُطرح، وإذا طرحه البعض، فإنّهم يطرحونه بسطحية لا مثيل لها، ما يعني أنّ الإجابة لا تهمُّ في النهاية..عندنا في الجزائر مصطلحاتٌ تتردّد بكثرة عن السلع، حين نقول إنّ هذه سلعة ”تايوان”للدلالة على قلّة جودتها ورداءتها، هذا الأمر ينطبق بالحرف والفاصلة على تلك القضايا والنقاشات التي تُطرح بين الفينة والأخرى على الساحتين الثقافية والإعلامية، فهي فعلا قضايا ونقاشات ”تايوان”، لأنّها دون أن ترقى إلى مستوى النقاش المجتمعيّ الحقيقيّ البنّاء..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)