الجزائر

نـظرة حادة زمن ''راوح مكانك''!



  خفتت الأصوات المطالبة بالتغيير، ومعها خفف النظام خرجاته الدعائية بالاستجابة لمطالب الشعب.. لا أحد يعرف أي وصفة سحرية تلك التي مزجتها السلطة لأولئك المغامرين كي يختبئوا في ظلالهم ويكفوا عن هذا الشغب المطالب بحياة أفضل للجزائريين؟
على كل حال، عرفنا أخيرا أن الحكومة تعمل بجد واجتهاد للالتفاف مرة أخرى على مطالب الشارع، وهي تدرس وتمحص كلمة كلمة تقارير لجنة الاستماع التي دبجها المغفور له بن صالح، وهو المتمرس في إعداد التقارير التي لا تقول لا . ودون شك، يتم حاليا التعامل بالجدية المعروفة على رئيس الجمهورية مع آراء المستجوَبين حول مطالب الجزائريين. وسيلخصها المستشارون المكلفون بالتلخيص (هكذا يسمون في أدبيات الإدارة الجزائرية، وهو اسم على مسمى) بتقديمها..
تقديمها لمن؟ هنا معقل البعير.
الحكومة، حسب تقارير صحفية، ستتقدم بمشاريع الالتفاف، عفوا مشاريع الإصلاح، للبرلمان في دورة الخريف.. لا نعرف أي برلمان تقصد هذه الحكومة إذا كان من المطالب الأساسية للشارع الجزائري هو حل هذا البرلمان الذي لا يمثـل الشعب.. أم أن هذا البرلمان من السذاجة، وهو ساذج فعلا، سيوافق على حل نفسه وتهجير النواب إلى قراهم، وإعادة انتخاب برلمان أكثـر كفاءة ونزاهة واستقلالية عن ريع النظام؟
ولكن، ما هي خلاصة هذه الإصلاحات التي تقترحها الحكومة؟ هي أولا ليست تغيير النظام كما يطالب به الشعب الجزائري، وإنما مجرد إصلاح على الطريقة الحمروشية، أي الحد من البطالة بالسماح للشباب ببيع التبغ على الطرقات أو حراسة مراكن السيارات، وبمعنى آخر كما يقول المثـل الشعبي هرب من القفة علق في ذراعها .
وللجزائريين تاريخ طويل ومعقد مع ما يسمى إصلاحات، سواء في السياسة أو العدالة أو التربية أو... وكلها إصلاحات أدت إلى تدهور تلك القطاعات بدلا من تجديدها وإعطائها بعدا تحديثـيا كما هو مطلوب من أي إصلاح جاد. لأن ترميم بيت قصديري لا يزيد البيت سوى قصدير. ولذلك، أعتقد أن عبارة مشاريع الإصلاحات في حد ذاتها لا تفي بالغرض ولا تحقق طموح الجزائريين في حياة أفضل. ومع ذلك، ما يتسرب من لجان إعداد هذه المشاريع، وهو شحيح ذكاء ولغة، لا يتجاوز إعادة النظر في قانون الأحزاب مثـلا، حيث بدل خمسة عشر إنسانا لربط حزب، أضافوا بضعة مئات، وكأن تأسيس حزب هو عدد وكمٌّ مهمل وليس برنامجا وفكرة متميزة.
وهناك لجنة إعادة النظر في بعض مواد الدستور، وليس الدستور ككل. فالدستور الحالي، كما هو معروف، مخاط حسب المقاس، وهو مقاس صغير الحجم بالنسبة لقامة الجزائر الجيو ـ استراتيجية. ونعتقد جازمين أن فكرة النظام البرلماني مستبعدة، لأن النظام الرئاسي وحده من يشبع طموح بعض الطامعين في الرئاسة، والذين يعدهم النظام خلف الستار، وربما بقدر من الله سيتم الاستماع هذه المرة لرأي مواطن في تخفيض السن القانوني للرئاسة إلى سن الخامسة والثـلاثـين، مع أن رأيي هو أن الرئيس كفاءة وبرنامج عمل وحب للجزائر، وليس سنا أو حزبا.
  صحيح أن النظام يعيش حالة خلل فادحة، إلى حد أن بين جلسات الاستماع التي يعقدها الرئيس مع وزرائه، ويعطي فيها توجيهات تتسم أحيانا بالانتقاد، يخرج وزيره الأول عن السرب ويقدم تقارير عن نشاط حكومته فيها الكثـير من الأرقام غير المقنعة. ومع ذلك، أمام مطالب التغيير التي يتنهدها الشارع بحرقة، تتوحد جهود رجال النظام للالتفاف عليها، مهما كانت التضحيات جساما.
من هنا يتأكد لنا يوما بعد يوم أن هذا النظام لم يخرج من ثـكنته، وهو مثـل جندي قديم تعوّد على الأمر راوح مكانك .. لم يعد قادرا، بحكم الشيخوخة، على وعي دروس الحياة حوله، وهو ماض في سياسته الصماء البكماء إلى أن يقوم الحساب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)