الجزائر

نعمة السيدا



نعمة السيدا
لا أريد بهذا العنوان استفزاز المشاعر أو التشفي في المصابين بهذا الداء الخطير ولكن أريد إبراز حقيقة هذا المرض الذي يعرف تطورا مذهلا في كل عام وحتى الدول والمجتمعات التي تنتمى للثقافة الإسلامية كالجزائر مثلا تسجل ارتفاعا ملحوظا لعدد المصابين وأمام رقم 8000 مصاب أو أزيد بقليل عندنا في هذه السنة يحق لنا أن نتساءل عن تبرير هذه الوضعية التي يبدو وأنها أصبحت عاجزة عن إثارة مشاعر الاستنفار والغضب لدى العديد من الجهات المسؤولة عن حماية المواطن...ولعل أكبر دليل على الاستهتار الذي تتعامل به بعض الذهنيات في محاربة هذا المرض هو إقامة حفلات (تحسيسية) ساهرة في بلادنا؟؟ بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة السيدا وبالتالي تكريس ثقافة التهريج والشطح والردح في الجزائر وهي بلاد مسلمة على حد علمي إلى حين إثبات العكس، أي بلاد مطالبة بتبني خطة (إسلامية) في الوقوف أمام هذا المرض (العقابي) الذي يعلم الجميع أنه لا ينتقل عن طريق الهواء أو الغذاء لأن فيروس ال (VIH) لا ينتقل إلا عن طريق الدم الملوث والناتج عن الممارسات غير الشرعية والشاذة ، التي تستعمل الغريزة الجنسية - كأقوى طاقة جسمية ونفسية أودعها الله في الكائنات الحية للحفاظ على النوع واستمراره بشكل منظم وسليم- وتستغلها في علاقات مشبوهة ومنحرفة تنبذها الفطرة السليمة ، وقد يعترض البعض على هذا التوصيف مُدّعين أن بعض حالات الإصابة بالسيدا تكون نتيجة التعرض لدماء ملوثة كما وقع في فرنسا التي استوردت دما ملوثا في الثمانينات وتسبب ذلك في وفاة العديد من المحقونين خطأ وبشكل غير متعمد ، إلا أن هذه الحالة وغيرها كانت سببا في اعتماد تدابير قانونية جديدة تلزم خضوع كل المتبرعين بالدماء لرقابة طبية وتحاليل صارمة ، ومع ذلك لم يتوقف زحف مرض السيدا لأنه لا ينتقل بالحقن ولكن بواسطة الانحراف والشذوذ . إن العديد من المتشبعين بالثقافة الغربية عندنا يجدون حرجا كبيرا في النظر إلى هذا المرض بمنظار المرجعية الثقافية التي تتميز بها شعوبهم باعتبارها تنتمي لديانة يؤمن أتباعها بأن الله الذي خلق الخلق وأودع فيهم الفطرة الضرورية للحفاظ على حياتهم وهو رحيم بهم عندما يضع لهم نظاما يحمي به البشرية من نفسها عندما تخرج عن جادة الطريق فيكون انتقامه عجيبا ورائعا يظهر في أدق مخلوقاته وهو هذا الفيروس الصغير الذي حيّر علماء البيولوجيا وأدهشهم بقدرته الكبيرة على التنكر واختراق كل خطوط الرقابة والمناعة المكتسبة وتدمير الجهاز اللمفاوي بحيث يصبح المريض عرضة للموت لأبسط الميكروبات . وهذا يعني أن مرض السيدا لا يصيب الناس ما لم يسعون هم إلى الإصابة به، وهذا ما شجع بعض المستلبين عندنا إلى نشر ثقافة نشر الإباحية والمجون عندما يقول أحدهم أن هذا المرض لا ينتقل عن طريق اللعاب وبالتالي لا خوف من التقبيل والمعانقة ويكفي ارتداء الواقي البلاستيكي لتجنب الإصابة به ، وهم بذلك لا يملكون أي شعور بالمسؤولية لأن الإسلام لا يحرّم الزنا فقط ولكن يحرم الاقتراب منه ، فهؤلاء المجرمين يشجعون الناس على سلوك الطريق المباشر نحو الإصابة بهذا المرض ، وبالتالي يخاطبون أبناءنا وبناتنا بنفس اللغة التي يخاطب بها المُربّون والأطباء في أوروبا وأمريكا أبناءهم وبناتهم لأنهم ينطلقون من ثقافة الحرية المطلقة والإباحية الممنهجة التي أفرزت قوانين سنتها برلمانات الغرب في اعتماد (الزواج المثلي) أو ما يسمى في فرنسا ب(الزواج للجميع) le mariage pour tous . وهذا يعني أن الغرب يرى في السيدا أكبر عائق أمام حريته ويعتبرون الانتصار عليه هو انتصار لثقافتهم ونمط حياتهم mode de vieالذي لا يملك أي مقاربة عقائدية في التعامل مع هذا المرض، أما نحن فنعتقد يقينا أنه عقاب رباني والقرآن الكريم يخبرنا عن أقوام دمّرها الله عندما جاهرت بمعصيته كقوم لوط وأقوام أخرى تشهد عليها الآثار والأطلال بأنها انقرضت عندما تجردت من قيم الأخلاق ومعاني الإنسانية الجميلة كما هو حال مدينة (بومبي) Pompéi الإيطالية التي باغتها بركان (فيزوف) Vésuve ليلا وهي نائمة ، فالجريمة واحدة ولكن العقاب يختلف باختلاف العصر، فهو يحمل معنى التحدي الإلهي الذي يؤكد للبشرية بأنها تخطئ عندما تراهن على العلم والتكنولوجيا وتطور الصناعة الطبية والصيدلانية في اللجوء لأسلوب المكابرة والعصيان وتعتقد أن معايير الحياة لا تخرج من الإطار المادي وبأن الدين خرافة ورجعية وتخلف ، وأن من يدعو إلى الرجوع للقيم متطرف ومتخلف. إن مرض السيدا في عصر فقد إحداثياته الأخلاقية وأصبح لا يشمئز من منظر رجل يعانق رجلا ويقبله داخل الكنيسة أو امرأة تبوح بحبها لامرأة أخرى وترغب فيها زوجة لها مدى الحياة تحت تصفيق وبكاء الفرح من الأحباب والأهل الذين يباركون هذا المشهد البهيمي ، إن هذا المرض يبقى آخر خط دفاعي عنيف يردع الثقافة الغربية عن غيها ويعيدها إلى صوابها بالقوة التي لا تفهم سواها إلا أنها هذه المرة قوة إلهية أودعها الله في أضعف مخلوقاته وهو فيروس السيدا الذي نسأل الله أن يطيل في عمره، وأن ينعم عليه بوافر الصحة والعافية ، فالأحرى بنا الا نحارب السيدا بل أن نحارب الانحراف. وبهذا أدعو إلى اعتماد نظام عالمي لمحاربة الرذيلة لا يكون في يوم واحد بل في كل الأيام . (*) جامعة الجلفة




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)