لا أعرف شخصيا ما هو برنامج وزير البريد وتكنولوجيا الاتصال، لكن تجربتي مع مصالحه خلال الثمانين يوما الماضية، أكدت لي أنه بلا برنامج أو على الأقل أنا كمواطن في جمهوريته لا مكان لي في برنامجه.
منذ أكثـر من سنة صرح للصحافة أن الجزائر لم تعد فيها مشكلة اتصالات وأن المواطن بإمكانه أن يذهب إلى أقرب وكالة بريدية كي ينعم بالهاتف والأنترنت وما إلى ذلك.. وبحكم أنني مواطن صالح أصدق منذ خمسين سنة كلام الحكومة، وبعد أن أعياني إيصال خط هاتفي إلى بيتي في دائرة حسين داي (ولاية الجزائر وليس برج باجي مختار) طيلة سنتين كاملتين.
قررت أن أحاول ربط مكتبي الشخصي في قلب حسين داي والذي لا يبعد سوى مائتي متر عن مقر البريد بخط هاتفي، لأنني كصحفي معروف وكاتب له على الأقل سبعة كتب في السوق، وناشط اجتماعي لدي متواصلون على الفايس بوك، وإنسان من القرن الواحد والعشرين بريده يأتيه على الايميل... قررت أن أتقدم بطلب ربطي بالشبكة كي أنعم بمزايا ورأفة التكنولوجيا الحديثة.
لا أعتقد أن الكلمات تكفي لوصف الركض الماراطوني بين مكاتب ذلك المبنى. إنه أشبه بالركض في أروقة الجحيم، في كل دورة لك مفاجأة تصفعك. وبغض النظر عن الاستقبال، والمماطلات، وأعطال الأجهزة التي يتحجج بها العاملون. فقد أخرجوا لي فاتورة قيل لي إن عمرها أكثـر من عشر سنوات غير مدفوعة. طلبت تفاصيل عنها، وبعد أسابيع من الذهاب والإياب، اكتشفت أن ليس لديهم معلومات كافية عنها، ولكن الكومبيوتر يرفض قبول ملفي وهم آسفون ـ هكذا ـ على عدم قبول طلبي قبل تسديد الفاتورة حتى ولو لا أعرف عنها شيئا.
رغم تحججاتي بأنني خلال هذه السنوات حصلت على أرقام هاتفية حسب تنقلاتي بين البيوت غير الآمنة ولم يرفض الكومبيوتر طلبي، إلا أنهم قرروا أن قرار الكومبيوتر لا رجعة فيه. أرغمت على تسديد ثمانين ألف دينار، إلى جانب ثلاثين ألف دينار أخرى تكاليف... فقط من أجل أن أجلس يوما في مكتبي متواصلا مع عالم القرن الواحد والعشرين، ناسيا مهزلة القرون الوسطى التي أرغمني السيد وزير البريد وتكنولوجيا الاتصال وشركاؤه على العيش فيها.
لكن بعد أسبوع من تسديد كل التكاليف واستكمال كافة الإجراءات. اكتشفت أن ليس لديهم سيارات ولا فرقة تقنية للتنقل مائتي متر إلى مكتبي، وفي كل مرة كنت أسمع كلمة أصبر حتى ظننت أنها أصبحت علامة دواء للميؤوس من حالتهم.
حينها لجأت مباشرة لمعارفي في الإدارة، وترجيت أربعة مسؤولين اعتقدت أنهم مهمون في القطاع، وطلبت وساطة بعض الزملاء من جريدة ''الخبر''. وبعد أسبوع تقريبا زارني شاب قال إنه مثقل بالأعمال، ربط الكوابل بعلبة خارجية وذهب. بعد ثلاثة أيام واتصالات صباح مساء بالرقم السحري 100 والحديث الممل مع من يسمونهم ''مستشار هاتفي''، اكتشفت أن الرقم الذي يظهر لديهم على شاشة الكومبيوتر ليس رقميا وإنما رقم سيدة أخرى، وأن رقمي الذي دفعت تكاليفه أكثـر من مائة ألف دينار غير موجود في الكومبيوتر وبالتالي لا يمكنهم فعل شيء لي وهم آسفون.
وككل جزائري مقهور من تلاعبات قطاع البريد، قررت الاتصال بنفس الرقم الذي أنا أتصل منه لأتأكد من هذه الحالة العبثية، وبالفعل أجابتني سيدة ظريفة وقالت بأن ليس لها مشكل مع خطها الهاتفي، فقلت لها إنني أحدثها من رقمها بالذات، فلم تفهم هذا الجنون وأغلقت الخط.
منذ ذلك اليوم وأنا أستعمل كل صداقاتي ومعارفي من داخل هذه المؤسسة وخارجها لحل هذه المشكلة المستعصية ولم يستطع أحد منهم مساعدتي. بالعكس أشعر الآن أنني أسأت لبعض أصدقائي في المؤسسة، لأنني رأيت مسؤولين في مركز البريد و''لاكتال'' بحسين داي يتوسلون لموظفين صغارا لحل هذه المشكلة التي تبدو بلا حل.
اليوم، اكتشفت أنني بالنسبة لهم على الكومبيوتر أنا متصل بالأنترنت، وبالنسبة للقسم التجاري أنا مشترك، وبالتالي لدي فاتورة ستصلني.. ولكن بالنسبة لي أنا غير متصل ولا أزال أذهب صباح مساء لمقهى الأنترنت لتفقد بريدي والرد على أصدقائي في الفايس بوك. وبعد ثمانين يوما (وهي فترة كافية للدوران حول الأرض بمنطاد) لم تصل الانترنت من مركز البريد بحسين داي إلى شارع بارني على بعد مائتي متر تقريبا.
دعوني أؤكد لكم ـ أخيرا ـ أنني لست مؤسس مذهب العبث في الأدب ولا أنا مؤلف مسرحيات من نوع ''الكراسي'' و''في انتظار غودو''... ولكنني مجرد مواطن في جمهورية العبث هذه...
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/04/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد العزيز غرمول
المصدر : www.elkhabar.com