الجزائر

نظرة أقرب على حياة مالكولم إكس



لن أطيل الحديث بطريقة شاعرية عن موت المؤرخ مانينغ مارابل، أحد أبرز المفكرين الوطنيين السود في عصره، والذي رحل عنا في وقت سابق في أبريل الماضي وهو لم يتجاوز الستين من عمره، قبل أيام فقط من نشر آخر مؤلفاته وأهمها ”مالكولم إكس: حياة من التجديد”.أمضى مارابل، الذي صارع مشاكل صحية كبيرة تضمنت عمليتي زرع رئة، الجزء الأكبر من العقدين الأخيرين وهو يعمل على تأليف هذا الكتاب، الذي يحمل عنواناً مناسباً، ويلبي حاجة حقيقية لمعرفة المزيد عن شخص قدم ما لم يقدمه أحد غيره في القرن العشرين، لمسيرة النضال من أجل تكوين هوية وطنية جماعية للأميركيين الأفارقة.
ويأتي الكتاب ثمرة لاجتهاد مارابل ورغبته في البقاء بعيداً على دائرة الأضواء، لسنوات طويلة عمل فيها على إتمام تأليف كتابه. وخلال حياته، كان مالكولم أشبه بوعاء لمشاعر الغضب والإحباط المكبوتة، التي سيطرت على الأميركيين الأفارقة لدى مواجهتهم للحلم الأميركي وكل وعوده الأساسية. لقد استشعر مالكولم وجسد كل المظاهر التي تجلى بها ذلك الإحباط، من العدمية إلى كراهية الذات. لكن ربما الأهم من ذلك، أنه كرس قصة حياته كحكاية رمزية تجسد معاني الانعتاق والبعث الجديد، مقدماً بذلك طريقاً للخلاص.
ولقد رفعت تلك الحكاية الرمزية إلى مكانة أسطورية بنشر ”السيرة الذاتية لمالكولم إكس”، وإنتاج فيلم ”سبايك لي” عن حياة مالكولم. وعندما كنت شاباً، نادراً ما كنت أخرج إلى الشارع دون أن أحمل أو أتقمص رمزاً من رموز مالكولم، سواء كان ذلك حمالة مفاتيح أو شريط كاسيت أو قميص تي شيرت. فلقد نشأت وسط جيل من الأميركيين الأفارقة الواعين سياسياً، لا بل وسط شريحة من جيل الهيب-هوب شهدت إعادة إحياء مالكولم إكس في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
وبالنسبة لأولئك الذين نشؤوا في المدن الأميركية الداخلية الفقيرة، جسد مالكولم إكس الوعد بالسمو فوق الشارع. وبالنسبة لأولئك الذين كانوا الأولاد السود الوحيدين في صفوفهم المدرسية، جسدت طفولة مالكولم المليئة بالمشاكل مع التلاميذ البيض في صفه، مصدراً للمواساة والتشجيع. وبالنسبة لي، جسد مالكولم فكرة الفرد الذي يولد من جديد، من خلال التحامه بالجموع السوداء.
وفي كتابه، يبدو مارابل أقل اهتماماً بمالكولم الأسطوري، وأكثر اهتماماً بمالكولم الإنسان. ولذلك نراه يركز على طفولته، زواجه، حياته كمجرم، وعلاقته بحركة أمة الإسلام التي أسست في ديترويت في 1930. وتبرز هنا صورة رجل شديد الانفعال والحماس، شديد الفضول وشديد التركيز على هدفه.
ونرى أن مسيرة حياته مليئة بالعثرات، فهناك محاولات إجرامية من جانبه تبدو كوميدية أكثر منها احترافية. وهناك حس إنساني عريض تناقضه تعليقات معادية لليهود. وهناك شجب ناري لعاملي الحقوق المدنية، ثم لقاءات مشجوبة مع الجماعات العنصرية المتطرفة، التي تعادي السود وتؤمن بتفوق الجنس الأبيض. وهناك خلال أقل من سنة تصريحات باعتناق الاشتراكية ثم الرأسمالية.
ولقي الكتاب احتفاء كبيراً في الأوساط الأدبية والسياسية، باعتباره تصحيحاً لكتاب السيرة الذاتية، الذي يعاب عليه أنه كان سيرة ذاتية مكتوبة بجهد جماعي. لكن على اعتبار أن السيرة الذاتية يغلب عليها بطبيعة الحال الطابع الشخصاني، فإن ذلك الانتقاد لا يطال إسهام مارابل.
صحيح أن الكتاب الجديد يعري أسطورة مالكلوم، لكنه يعمقها أيضاً. وفي حين يصور فيلم سبايك لي، مالكوم كمحتال بارد الدم، يصوره كتاب مارابل كمجرم أخرق تنم تصرفاته عن الضياع وعدم النضج، لا الاختلال وعدم المسؤولية الأخلاقية. وذلك ما نستشفه من فكرة مالكولم (التي كرسها مالكولم) الذي يتحول من مجرم إلى زعيم ثوري.
وقراءة مالكولم بهذه الطريقة، لا تقلل من قوة الأسطورة، بل تعززها. حتى إنه كان بوسعي أن أتمثل نفسي في مكانه، وأتمثل أصدقائي في مكانه، وأتمثل والدي في مكانه.
ولا شك أن موت مارابل بعيد أيام قليلة من نشر كتابه، مأساة مريرة. لكنه ينضم إلى قائمة رجال عظماء، من أمثال يوليسيس إس وغرانت، قدمت أعمالهم الأخيرة للبلد جزءاً من تاريخه، بحاجة ماسة لمن يسرده على الناس.
وفي حين لم يبلغ عمل مارابل حد الكمال ولم يخل من النقائص، فإنه بلا شك قدم إسهاماً مهماً ومتوازناً لجهودنا المبذولة لفهم إحدى أكثر الحقب اضطراباً في التاريخ الأميركي.
تا- نيهيسي كوتز


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)