الجزائر

نظافة التوانسة هي التي غيرت المشهد السياسي



نظافة التوانسة هي التي غيرت المشهد السياسي
لعل النظافة هي السلوك الوحيد الذي جعل الشعب التونسي ينجح في قلب أوضاعه السياسية رأسا على عقب، ويأتي في نهاية المطاف برئيس منتخب بطريقة ديمقراطية لم يشهدها من قبل، ولولا هذه النظافة التي ميزته عن شعوب المنطقة، لما استطاع أن يخرج من أوحاله بهذه السهولة التي مكنته من الوصول إلى شاطئ الأمان من غير أن يسجل على نفسه أي خسارة، والتي ربما كانت تعكر عليه هذا المشهد السياسي الذي رسمه بعفويته وحسه الجمالي.يقال إن الشعب التونسي في مسيرته السياسية الطويلة تربى على النظافة، وهي التي أهلته فيما بعد لكي ينظف بيئته السياسية من الفساد والرشوة والبلطجية، وربما يكون الرئيس بورڤيبة هو الذي غرس فيه هذا السلوك الحضاري إلى درجة أنه جعله لا يبصق على الطريق، وقد اتخذ هذا الرجل من شعار النظافة آنذاك رسالة، فقد كان التونسيون يسمعونها كل صباح عبر أمواج الأثير، إنه شعار في غاية البساطة، لكنه جعل من شعب لا يملك من مقومات الاقتصاد غير رهافة حسه، قادرا على تطوير بلده الذي أصبح قبلة لهؤلاء السياح الذين كانوا يقصدونه طلبا للراحة والاستمتاع بمناظره الجميلة. لم تكن هذه المناظر جميلة بطبيعتها، لكن الشعب التونسي بطبيعته هو الذي أضفى عليها جمالا من نوع خاص، هذا الجمال هو الذي جعل بعض الجزائريين يحزمون أمتعتهم، ويشدون الرحال إلى هذه المنتجعات التي تركوها من ورائهم في سكيكدة وعنابة والقالة تقاسي وحدها ألم الوحدة والعزلة. لقد نسينا روعة مناظرنا في خضم هذا التسيب، ورحنا نسوق هذا الجمال التونسي في بلدنا بشيء من الجهل والتخلف، ونقف أمامه مبهورين، وكأننا فقدنا القدرة الكافية على صناعة مثل هذه الأشياء التي تبدو من الوهلة الأولى في متناول كل واحد منا، لو تسلحنا بقليل من الإرادة.لقد أصبح الجمال التونسي نمطا فريدا من نوعه، لأنه استطاع في الأخير أن يصنع ثورة الياسمين التي توّجها التونسيون الأحرار بهذا المشهد السياسي الرائع، مشهد رسمه بريشة هذا الفنان الذي كان يحرص على نظافة المكان قبل أن يشرع في رسم لوحاته وعرضها للبيع، لأنه لو بدأ في الرسم من غير أن ينظف أجواءه المحيطة به، لكانت لوحته نموذجا في الرداءة الفنية.لعله قبل أن نتخذ من الديمقراطية التونسية نموذجا يحتذى به في تغيير أوضاعنا المتعفنة بطريقة حضارية، فإنه يجب علينا أولا أن نشن حملة واسعة النطاق لنزيل هذه الأوساخ التي بدأت تنتشر في كل مكان نتواجد فيه. قد يكون من السخيف أن نتطلع إلى هذه الحياة التونسية الجميلة من غير أن نبذل جهدا في حمل هذه القمامة التي ظلت فترة طويلة تراوح مكانها بجانب المدرسة أو المسجد أو الحي الذي تعيش فيه، وفي الوقت ذاته نرجو تطهير محيطنا من التبذير والرشوة والفساد، ونحن الذين صنعنا هذا المناخ عندما تركنا البلد مفرغة لكل القاذورات، ولم نحاول تنظيفه على الأقل، كما فعل ذلك التونسيون الذين نظفوا بلدهم من كل شيء، لأنهم وبكل بساطة باتوا يحبون هذه النظافة التي أصبحت عندنا من اختصاص البلدية، وبالتالي لا يمكنك أن تقوم بها من تلقاء نفسك، وإلا اتهمت بجريمة المساس بالنظام العام الذي يقتضي منك أن تأكل وتشرب وتصفق للمفسدين فقط، ولا تحرك ساكنا.[email protected]




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)