الجزائر

نحو تكثيف المشاريع الجوارية السياحية في بوسعادة إجماع على إعادة الاعتبار إلى جوهرة الصحراء



نحو تكثيف المشاريع الجوارية السياحية في بوسعادة                                    إجماع على إعادة الاعتبار إلى جوهرة الصحراء
تجمع فعاليات على ضرورة إعادة الاعتبار إلى مدينة بوسعادة الهادئة تبعا لمكانتها كإرث نفيس وقيمتها السياحية والبيئية، وتتجه دوائر القرار إلى إنعاش جوهرة الصحراء عبر تكثيف المشاريع الجوارية ذات العلاقة بالسياحة مثل الفنادق والمسابح والمقاهي، على نحو من شأنه إنهاء التهجين الذي تتعرض له ذاكرة المكان.
شعر الزائر لمدينة بوسعادة (422 كلم جنوب العاصمة) بالسكينة والطمأنينة وهو يعانق هذه المنطقة العريقة التي لُقبت قديما ب«بوابة السعادة”، وكلما يتوغل المرء في جنبات بوسعادة ويغوص في أعماقها يتلمس ينابيع التراث وشموخ الأصالة، ما جعل “جوهرة الصحراء” كما يحلو للكثيرين تسميتها، تتحول منذ زمن بعيد إلى قبلة للسياح ومحج للفنانين الذين انبهروا لثراء المنطقة وتقاليدها وما تختزنه من تميّز في في المعالم والأزياء من البرنوس والقندورة والحلي الفضية وصولا إلى الأواني النحاسية والفخارية والطوبية أيضا، ويدرك كل من يتشمم عبق جوهرة الصحراء، أنّ الأخيرة جزائرية خالصة، فقد أبت المدينة الانسلاخ وظلت مخلصة لشخصيتها الثقافية ورصيدها الحضاري الكبير، ولعلّ شواهدها الحالية تعكس ماضيها الثري الذي يشرح حاضرها ويضيء مستقبلها وانت تتأهب للدخول إلى مدينة السعادة، تلمح الجبل العتيق (كردادة) وهو يعتلي المدينة حتى يخيل للمرء أنّ هذه القمة الجبلية الشاهقة تسهر على حماية هذه الجوهرة من هول الزمن، وما يلبث الداخل إلى بوسعادة أن يشعر بهدوء الصحراء في هذا المكان، فأحياء ومسالك بوسعادة مكللة بالربوات والتلال والكثبان الرملية تزينها أشجار الصفصاف من جانب وتعطرها رائحة النباتات الطبيعية كالديس والشيح والعرعار من الضفة الأخرى، وتبرز هذه المدينة العتيقة لأول وهلة بخصوصية طابعها المعماري الأصيل والمميز، فحاراتها ذات اللون البني والأصفر لم تشيد سوى بالطوب والعرعار والخشب منذ قرون ومازالت تكافح الزمن لحد الساعة.
منطقة السعادة
بحسب معلومات توافرت ل«السلام”، فإنّ العلامة “سيدي تامر بن أحمد” هو من أسس مدينة بوسعادة عام 1120 ميلادي، ووصفها بالسعادة نظرا لغبطته بجمال الطبيعة قبل أن يتحول الاسم إلى “أبي السعادة” ثم إلى “بوسعادة”، وقد شيد سيدي تامر في البداية مسجدا حمل اسمه وما يزال موجودا إلى حد الساعة رغم أنه بُني بالطوب والحطب، دون أي مواد بناء فعالة. ويروي أبناء المدينة، أنّ المسجد المذكور بمجرد تشييده حتى انفجر بمحاذاته بئر مياهه دافئة شتاء وباردة صيفا، وشكّل مع مرور القرون حوضا مائيا تعيش فيه أسماك تسمى “النون” تقوم بتنظيف حوض المسجد من كل القاذورات والأوساخ ليل نهار وصباح مساء بفعالية كبيرة وكد غريب، ليكتسب مسجد سيدي تامر خواص المعلم الديني والحضاري والتاريخي الهام، وتخرجت منه قوافل من العلماء والأساتذة ورجال الفقه، كما شكّل مزارا دائما للسواح والكتاب والفنانين، ولا أدل على ذلك من تعلق الفنان التشكيلي الفرنسي الشهير “اتيان دينيه” (1861 1929م) الذي دخل الإسلام وغيّر اسمه إلى “نصر الدين دينيه” قبل أن يكرس حياته في خدمة بوسعادة. وحرص السكان المحليون عبر قرون على بناء أحياء بشكل متناسق مع مسجد سيدي تامر، وهو ما أنتج العرقوب والشرفاء والزقم وباب البويب والموامين والعرابة وكلها مجتمعة تشكل مدينة بوسعادة الأصيلة والأصلية .
زاوية الهامل وقوافل العلماء
يقول أعيان بوسعادة أنّ زاوية الهامل التي لا تبعد سوى بحوالي 14 كيلومتر عن وسط المدينة، زادت المنطقة شهرة كونها منارة للعلم والدين والفقه، فقد شيدت سنة 1845 على يد العلامة الراحل “سيدي محمد بن بلقاسم القاسمي”، وعُرفت هذه الزاوية بالدعوة الدائمة إلى تحصيل العلوم والدين والفقه، فتخرجت منها أجيال من المثقفين وعلماء الدين والإطارات والأئمة ورجال الفقه، وعملت هذه الزاوية التي تتبع الطريقة الرحمانية على نصرة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة “الأمير عبد القادر” ودعمته في الحرب على المحتل الفرنسي، مثلما أيدت وساندت فرسان المقاومة على غرار الشيخ المقراني والشيخ الحداد وغيرهما.
سوق الحرفيين واستثمار الزرابي
لا يمكن لزائر بوسعادة أن يتعامى عن سوقها الحرفي الشهير، فهنا تصادفك محلات بيع الزرابي بمختلف الأشكال والأحجام والمزركشة بشتى الألوان والرسومات والتي تباع بأثمان معقولة، وهي زرابي تنسج في البيوت بالطرق التقليدية العتيقة، كما تؤكده الحاجة فاطمة (72 عاما) التي تمارس هذه الحرفة في منزلها منذ ستين سنة كاملة، حيث بدأت تكوينها وهي طفلة لم تكد تتجاوز 12 سنة، ومازالت لحد الآن تمارس الحرفة بشغف وعشق كبيرين على غرار معظم نساء بوسعادة .
وفي هذه السوق أيضا تبرز محلات بيع البرانيس التي تنسج معظمها من طرف عائلات متخصصة منذ عشرات السنين، ما جعل الحرفة متوارثة أبا عن جد حسب أقوال الحاج معمر (80 عاما) المختص في نسج وبيع البرنوس البوسعادي القح، وهو لباس تقليدي ذائع الصيت في الجزائر، ويشدّد الحاج معمر على أنّ صناعة البرنوس رصيد يعبر عن أصالة وخصوصية وهوية المنطقة، لذا يجب صيانته والمحافظة عليه ونقله بكل أمانة للأجيال الصاعدة، لذا فان مدينة السعادة تحتفل كل عام ب«عيد البرنوس” الذي يستقطب الزوار من كل صوب وحدب. وما يزيد في إبهار السياح وجعلهم يتشبثون ببوسعادة، تلك المناظر الفاتنة والأخاذة كبساتين النخيل الممتدة على ضفتي الوادي الرقراق التي تتعانق فيها أشجار البلوط بأشجار الرمان وأشجار المشمش بالخروب واللوز، وهو سحر جعل كبار الكتاب والفنانين يزورون بوسعادة باستمرار، وشجّع تنوعها كبار المخرجين العالميين على القدوم إلى المدينة الهادئة لتصوير أعمال اشتهرت دوليا، على غرار فيلم “دليلة وسمسون” الذي مثل فيه “هيدي لامار” و«أنجيلا لانسبوري” وأخرجه “سيسيل بلونت دو ميل” (1948)، وكذا فيلم “بائع العبيد “ للمخرج الايطالي الشهير “أنطوني داوسون”، علاوة على أفلام جزائرية كان لها صداها ك«عطلة المفتش الطاهر” للمخرج موسى حداد، و”وقائع سنوات الجمر” للمخرج محمد الأخضر حمينة (1975) الذي افتك السعفة الذهبية لمهرجان كان، إضافة إلى الفيلم الهزلي” الطاكسي المخفي” للمخرج بن عمر بختي (1989). ولا يمكن أن تكتمل جولتك عبر جوهرة الصحراء دون زيارة طاحونة” فيريرو” التي لا تبعد عن بوسعادة سوى بثلاثة كيلومترات، وأصبحت بمثابة معلم تاريخي يلجا إليه كل الزوار، تبعا لمجاورتها شلالات رائعة كانت في الماضي تشكل الطاقة المحركة للطاحونة، فيما تحول منزل “ فيريرو” اليوم إلى أطلال بديعة خلابة تسبح وسط مياه الوادي المحاط بحدائق عائمة وبساتين خصبة خضراء .
إلى ذلك، يشكّل وادي السعادة موقعا حالما ومرفئا رومانسيا تتجلى فيه آيات الحنين والأنين والآهات، ما أهلّه إلى تجاوز دوره الآبد كمغذي لواحة بوسعادة الجميلة، لتصبح مناظره الساحرة ملهمة المبدعين وملتقى الأحبة. وعلى طول منخفضات جبل كردادة العتيق الذي يعتلي مدينة بوسعادة الآسرة، يمتد وادي السعادة على عدة كيلومترات إلى غاية زاوية الهامل الشهيرة، ويختزن هذا الوادي بين دفقاته حكايا متناثرة يرويها السكان المحليون دون كلل، ويحتفي أبناء الوادي برمزية المكان وهالة شلالات (فيريرو)، ويقول محمد (37 سنة) بافتخار أنّ الوادي يحتضن القريب والبعيد، ويضيف متباهيا:«إذا ما حدث وأن زار شخص غريب وادينا، فإنّه يدرك لأول وهلة أنه كلما اقترب من المنطقة، كلما زاد الوادي جمالا ورونقا وتألقا، ويؤيد أحمد نظرة صديقه بتوكيده على أن
وادي السعادة يجلب النظر ويمنح المتعة ويعزز الرغبة في المكوث لأجل معايشة أجواء خلابة جادت بها الطبيعة. ولكون الوادي عابرا لبوسعادة القديمة، يروي مخضرمون أنّه بقي مصدرا هاما للزراعة والبستنة، حيث عمد سكانه الأوائل إلى إنجاز الحدائق وغرس الأشجار المثمرة من رمان وتين وزيتون ونخيل، كما كانوا يعتمدون عليه في الاستهلاك اليومي للخضروات بل ومن بين السكان من يجعل بعض المساحات المحاذية لضفتي الوادي مرعى للغنم. وعلى منوال مواقع كثيرة في بوسعادة اجتذبت السينمائيين، ظل وادي السعادة هو الآخر مسرحا محبذا لكثير من المنتجين السينمائيين حيث تم تصوير ما يفوق العشرين عملا سينمائيا هناك بينها دراما “أشواك المدينة” للمخرج علي عيساوي، ولعلّ انفراد الوادي بطبيعة جبلية تجوبها شلالات وسط مناخ جبلي وصحراوي وشبه صحراوي، حفزت ممارسي الفن السابع على الحج باستمرار إلى موقع يتميز بديكور طبيعي مميز، إذ أنّ تموقع جبل كردادة الصخري الأحمر المحاذي للوادي من الجهة الجنوبية، يمكّن من التقاط مشاهد ممزوجة بين واقعين: أخضر في الواحة وأحمر كما في الصحراء.
واتخذ الفنان التشكيلي الفرنسي الشهير “إتيان دينيه” (1861 1929م) الذي دخل الإسلام وغيّر اسمه إلى “نصر الدين ديني)، من إحدى ضفتي الوادي موقعا لورشته التي مكنته من الاطلاع عما يجري آنذاك في بعض المواقع الحساسة من الوادي، حيث تمكن أن يصور الحياة التي تعيشها المرأة آنذاك خصوصا الشابات اللواتي يتخذن من الوادي موقعا لتنظيف الملابس والاستحمام والترفيه عن النفس، وتلك خلفية محاولة أهالي المنطقة قتل دينيه، حينما علموا أنه يتخذ من ضفة الوادي موقعا للتجسس عن الشابات وتصويرهن بالآلة الفوتوغرافية ليتسنى له إعادة رسمهن بالريشة فيما بعد. ولا يزال غالبية التشكيليين محافظين على نمط “دينيه” فهم لا يهملون في لوحاتهم أي تدقيق في ما يحتويه الوادي من ميزات لا يراها عامة الناس بل ويغوصون في أعماق محتويات الوادي ويجعلون منها في بعض الأحيان موضوعا رئيسيا للوحاتهم كما الحال بالنسبة لبعض المواقع الحجرية للوادي.
اللافت حاليا أنّ وادي السعادة تحوّل تدريجيا إلى موقع للبناء ومرمى للنفايات، لكنّ الغيورين عليه يصرون على تأمينه ضدّ محاولات المسخ، ما جعل الوادي محافظا على تلك العلاقة التي تربط الواحة بالسكان فالبعض من شبابه كثيرا ما حوّلوا “رحى فريرو” إلى موقع للسباحة والاستجمام صيفا، والجلوس والمسامرة أثناء بقية فصول السنة، وبعدما كان الوادي قبلة لفرق الفولكلور، بات الحضور النخبوي في الوقت الراهن محصورا في كوكبة من الفنانين الشعبيين والشعراء الذين يجدون فيه موقعا ملائما للإلهام والإلقاء.
ويروى أن وادي السعادة عندما “يغضب” تؤدي سيوله إلى جر كل ما تلاقيه في طريقها، لكن ذلك لم يقلل من حماسة السكان للإقامة بجوار الوادي، بيد أنّ الخطر الآنف الذكر جعل السلطات تكبح جماح جميع أشكال البناء الفوضوي وتقدم على إعادة تفعيل شبكة الصرف الصحي حفاظا على التنوّع البيئي للوادي، إثر الأضرار التي طالت الأخير جرّاء استخدامه من لدن البعض كمفرغة للقاذورات ومصب للمياه المستعملة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)