الجزائر

نحو تصور فلسفي جديد للكون



ما أصعب على المرء أن يخوض غياهب معركة معرفية قاسية خاضها فلاسفة ومفكرون عظماء من كل حدب وصوب، ومن كل زاوية ومنطلق، ومن كل جهة وتيار، ومن كل شيعة ومذهب. ما أصعب أن يغوص المرء في غمار مسألة باتت معقدة إلى درجة فاحشة على صعيد عدة مستويات، منها، إن الفكر نفسه أستهلك - معظم – الأمكانيات التي يمكن للدماغ / للعقل / للذهن / البشري - وهي عندنا المادة المدركة الواعية – أن تنفذ إليها بالعرض، أو التحليل، أوالنقد، أو الأبداع والتجاوز، أو حتى تصور فرضية جديدة يمكن أن تؤلف مدخلاُ إلى أطروحات جديدة تحتل المواقع الجامدة الجافة للآراء القديمة التي بزغت على خلفيات وضوء تصورات قد لاتكون صادقة في مجمل الطرح العام..ومن هنا تحديداُ أنوه منذ البداية إلى جملة أعتبارات لامناص من ذكرها ليس فقط لضرورتها التاريخية كمرحلة معينة محددة في ماهيتها وجوهرها، إنما للتخلص أيضاُ وبقدر الأمكان من الرواسب العالقة، أو التفسيرات التي تبدو منطقية ومتماسكة لكنها في جوهرها جزئية لاتلغي عمومية وشمولية المعضلة المفترضة..الإعتبار الأول : لقد أستخدمت – بضم الهمزة – مفردات ومصطلحات في اللغة العربية واللغة – الدولية – بمفاهيم أحياناً لاتفي بالغرض المطلوب الدقيق جداُ والحساس للغاية بما يتناسب تطور العلوم في هذه المرحلة، أو أنها قد أستهلكت – بضم الهمزة – في مجالات عديدة ومتنوعة ومابرحت تجنح نحو شيء ما ولاتجنح، أو أنها أصبحت متشابهة مع مفردات أخرى، أو أنها تتزاحم مع بعضها في حيز من الفهم دون وجه حق، أو، أو. أي أننا، في الفعل سوف لن نتمكن منذ البدايات أن نستخدم، على دفعة واحدة، تلك المفردات والمصطلحات التي قد تتجاوز الألف في الموقع الجوهري الذي، نحن، نبتغيه ونصبو إليه وبالمعنى الذي نرومه، لذلك سوف نخوض هذه التجربة المريرة بشيء من التعسف، لكن سنحاول كلما سنحت الفرصة والموقع أن نحدد المعنى والفهم الذي نحن نقصده بالتماهي دون أن نخدش المفهوم العام أو الخاص له لدى من أضفى عليه خاصيته، هو، كمؤلف، كباحث. ثم لامناص من التبيين إن فحوى أي مفردة أم مقولة سيتحقق في النهاية ليس على ضوء المعنى الحرفي لتلك المصطلحات، أو المعنى الذي نود أن نضفي إليها، إنما إلى النسق والتساوق والمنظوم العام لمجمل ما سيتم طرحه خلال الحلقات القادمة. أي أن جوهر المعنى هو خضوع الخاص للعام، وسيطرة الثاني على الأول بالمطلق، فالخاص لايختص إلا بخاصيته الأولية ليترك المجال مباشرة للوغوس العام والكامل..
الإعتبار الثاني : إن مشروعنا هذا، الذي يأتي بعد الأنتهاء من المشروع الأول الذي دام واحداُ وعشرين عاماُ وأنتج خمس مخطوطات منها نظرية جديدة في قواعد اللغة الكردية ورؤية جديدة في كيفية تصريف أفعال اللغة الكردية وأفعال حديثة ومصطنعة ومصطلحات جديدة، يتألف من 170 حلقة، وكل حلقة سوف يختص بموضوع قد لايعتقد القارىء بالأرتباط فيما بينها، لكنه في النهاية أو في نهاية بعض الحلقات سوف يكتشف الموضوع المتحرك والرابط الذي يجمع فيما بينها، فنحن لن نعالج أياُ من المواضيع إلا إذا تحقق شرطان. الأول هو علاقته بالغاية المنشودة في نهاية كل الحلقات أو مساهمته الأكيدة في منح دفق لروحها العامة. الثاني هو أمكانية النقد بالقطع، فالموضوع بالنسبة لنا لن يكون في حيز الطرح أو التفسير أو التعليق، إنما حصراُ نقده لبلوغ عتبة جديدة من أدراك حيثيات صيرورة العمل العام. أضف إلى ذلك إننا سوف ننتقل من جانب إلى آخر أو من موقع إلى آخر أو من مجال إلى آخر، دون أن نتقيد بمنطق معين أو خطة مبرمجة أولية، لأن المسألة هي أبعد من رؤية معينة..
الإعتبار الثالث : إن مشروعنا هذا ليس فلسفياُ بحتاُ، سوف تعاشقه معطيات في مجال الطبيعة الكونية، حركة الأجرام السماوية، روح الكيمياء، قوة الفيزياء. نفوذ الرياضيات، أشكالية المنطق، ومسائل عديدة متنوعة ستتضح أبعادها للقاريء حين اللحظة..
الإعتبار الرابع : كما أنه لن يكون أبداُ إلا فلسفياُ، يقتات من جميع الميادين ليتوحد حول ذاته، يهرع إليها يستنجد، ليس لفقر في طبعه وطبيعته أو كينونته، إنما ليمتص منها الرحيق ليدرك في النهاية كم هي متفرعة وصعبة إقامة تصور عن الكون أو عن الوجود أو عن التجربة البشرية أو عن المجهول..
الإعتبار الخامس : إن هذا المشروع لايعتمد على – الثوابت – ولا يعترف بخاصيتها إلا في المجال البسيط الأولي، أما في المجال المشترك العام، أنه لايقر بوجود ثابت على الأطلاق. لأن هذا المشترك في الأساس قد يكون من المستحيل التعريف به أو التعرف عليه وفقاُ لمنطقنا العام الحالي..
الإعتبار السادس : إن هذا المشروع لن يلغي تطوره الخاص، ولا تفاعله مع شروطه الموضوعية. فا لغاية التي تبدو لي الآن أنني سوف أخصص لها 170 حلقة، لن تكون ربما هي الغاية التي سوف نصل إليها معاُ، وربما تفاجؤنا غاية مضمرة، مستترة، كامنة في ثنايا قضية خاصة جداُ. وذلك لأننا إن ألغينا هذه الخاصية، فأننا نلغي أمكانيات عديدة ومتنوعة في المخ البشري، في المساهمة العلمية، في النقد المعرفي..
الإعتبار السابع : إن هذا المشروع لن ينجز قبل تمام السنة التاسعة من الآن، وهذا الأحتياج الزمني ليس لكتابةهذا المشروع ( هذا أمر بسيط للغاية )، إنما هو يدخل كعامل جوهري في أس تطور بنيوية المشروع نفسه، فهو ليس عاملاُ خارجياُ كما يعتقد البعض، بل هو يشكل إحدى مكوناته في الماهية، أي أنه بعداُ من أبعاده الفعلية..
الإعتبار الثامن : إن هذا المشروع أعتمد في قيامه على تفنيد ودحض عناصر أو مقولات عديدة أو بالضبط على قضايا متنوعة، نذكر منها، أولاُ : إن القضية الفلسفية الكبرى التي قصمت ظهر الفلسفة، والتي خلصت نفسها مابين المادية والمثالية ضمن فحوى أيهما سبق الآخر الروح والوعي والفكر من جهة، أم الطبيعة والمادة، والتي على ضوئها أنفرزت الفلسفة ما بين المادية والمثالية، ستكون عديمة القيمة إذا ما أكتشفنا إن هاتين المقولتين، غير دقيقتان، وليستا في النهاية إلا مقولة واحدة، أو ذات طبيعة مشتركة. إنما أختلفت الأشكال وأعتقد الأنسان في البداية إنهما من طبيعتين متناقضتين. ثانياُ : إن نظرية آينشتاين التي سنتناولها بالنقد والتحليل، أعتمدت من جملة ما أعتمدت، على مفهوم ثبات سرعة الضوء 300 ألف كم /ثا. وقبل شهرين من الآن زعمت تجربة أطلقت النيوترينو، وهي جسيمات أصغر من الذرة، من معمل في سويسرا إلى معمل في إيطاليا، إن سرعة هذه الجسيمات أكبر من سرعة الضوء. إن هذا الأفتراض لو دعم بتجربة أكيدة وتثبت الأمر فأن رؤيتنا ستكون أصلب وأمتن..
الإعتبار التاسع : عندما أعتقد الأنسان إن الأرض مركز الكون، فهو لم يقلها جزافاُ بل كان ذلك نفسياُ وفلسفياُ، ولم يدرك حقيقة الأمر إلا جغرافياُ. والآن هل التجربة البشرية هي مركز – الكون – ومركز المنطق الكوني، وسيدة الأفكار والمبادىء وتفسير التاريخ. أم أننا سنكتشف خطل ذلك بعد بضع مئات من السنين !! وسنكتشف، على أثرها، إن ما نسميه تاريخ التجربة البشرية ليس إلا تاريخنا بصورة جزئية، وأما تاريخ تجربة الكون أو الوجود هو تاريخ آخر، هو مبادىء ونظريات آخرى تستهزىء من نظريات تاريخنا، وتباغضها..
الإعتبار العاشر : ماذا لو، على صعيد التجربة البشرية، لم يوجد الأنسان أصلاُ. فماذا كان بعد !! ثم ماذا لو، على الصعيد الفلسفي، لم يوجد هذا الأنسان !! وهذا بالمطلق صحيح فلسفياُ، لأن الوجود إما واجب الوجود أو ممكن الوجود، فإذا كان الأنسان من واجب الوجود كان في منزلة الخالق – عز و جل – وهذا خلف، فالأنسان إذن هو من الممكن الوجود، والممكن الوجود معدوم في وجوده في ذاته، وبالتالي تتعادل أسباب السلب والإيجاب من حيث المنطلق العام، فماذا كان بعد!
الإعتبار الحادي عشر : نحن قسمنا الكائنات الحية إلى – الأنسان، والحيوان والنبات – فماذا لو لبثنا أرقى أنواع الحيوانات، كما كانوا أجدادنا وأسلافنا القدامى، أي مكثنا نعيش مثل الفهد والنمر والهر والديك والفيل نعيش في الطبيعة، ونقتات منها !! وهل هناك ضرورة ألا نكون كذلك، فإذا ما وجدت هذه الضرورة فما هي !
من البين أننا نستطيع أن نحصي آلاف من هكذا فرضيات، لكن نكتفي بهذا القدر، لأن القصد هو توضيح وتبيين خريطة – فكرنا – الآن. أما وإلى أين سيتجه فهذا ما سنتحقق منه في الحلقات 170 القادمة فإلى اللقاء في الحلقة الثانية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)