تطوي الجزائر صفحة العام 2017 الحافلة بالأحداث على جميع الأصعدة، سنة سياسية بامتياز لتزامنها مع الانتخابات التشريعية والمحلية في طبعتها الخامسة في عهد التعددية السياسية، وتستعد لاستقبال سنة جديدة مهمة على اعتبار أنّها تسبق السنة التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية، التي تعد محور اهتمام الأحزاب السياسية عموما، وإن تصر قياداتها على أن الحديث عنها الآن سابق لأوانه، إلا أنها ستدخل مرحلة الاستعداد.دخلت الممارسة السياسية في الجزائر منعطفا جديدا، نظرا لتزامن الاقتراعين اللذين انبثقا عنهما ممثلو المجلس الشعبي الوطني، وكذا المنتخبون المحليون بالمجالس الشعبية البلدية والولائية، على مدار الأعوام الخمسة المقبلة، وإقرار دستور بصيغة معدلة مست العمل السياسي والتشريعي عموما. وتعكس النتائج المحققة مشهدا سياسيا يتميز بحضور مكثف للتشكيلات السياسية في كل المجالس المنتخبة وإن كان بنسب متفاوتة، وهو أمر مرتبط بوزن وحضور كل حزب في الميدان.
وشهدت بذلك السنة التي تستعد الجزائر لتوديعها، التأسيس لفترة تشريعية ثامنة في ظل دستور بصيغة جديدة نافذ منذ العام المنقضي، ولعهدة في التسيير المحلي تأتي على خلفية الحديث عن مراجعة قانوني البلدية والولاية، بما يوسع صلاحيات المنتخبين المحليين، ويفعل دور الجماعات المحلية في معركة التنمية التي يقوم على أساسها التنويع الاقتصادي.
كرّست «الأفلان» في الرّيادة وتراجع التيار الإسلامي
ماتزال نتائج المحطتين الانتخابيتين اللتين جرتا في العام الجاري، يتعلق الأمر بالاستحقاقات التشريعية للرابع ماي، وكذا المحلية التي جرت قبل أقل من شهر وتحديدا في 23 نوفمبر المنصرم، محل قراءات مختلفة، لكن الأمر الأكيد أنّها كرّست شبه استقرار في المشهد السياسي، والتغيير المسجّل كرّسه عودة أحزاب قوية في المعارضة على غرار «الأفافاس» و»الأرسيدي» مقابل تراجع حزب العمال، كما تكرّس تراجع الأحزاب المنتمية إلى التيار الإسلامي باستثناء «حمس».
حافظ حزب جبهة التحرير الوطني على المرتبة الريادية، متبوعا بمنافسه التجمع الوطني الديمقراطي، وتمكّنت حركة مجتمع السلم من العودة مجددا في صفوف المعارضة إلى جانب جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فيما عجز التشكيلات الأخرى المنتمية إلى التيار الإسلامي عن اجتياز العتبة التي تمكنها من التموقع في الصفوف الأمامية.
التّشريعيات والمحليات تكرّسان استقرارا في المشهد السياسي
الحزب العتيد تمكن من الحفاظ على المرتبة الريادية ليبقى متصدرا القافلة السياسية، رغم المحطّات التي مرّ بها، في مقدمتها انسحاب الأمين العام السابق عمار سعداني عشية التشريعيات لأسباب صحية، فاسحا المجال أمام عضو اللجنة المركزية الأكبر سنا، الوزير الأسبق عضو مجلس الأمة جمال ولد عباس، الذي تمكّن من حسم معركة رئاسة المجالس الشعبية البلدية والولائية المنتخبة لصالح حزبه في نهاية المطاف، إذ حاز على 33 مجلسا ولائيا. وتأتي هذه النتيجة لصالحه بعدما كان محل انتقاد في أعقاب الإعلان عن النتائج الأولية.
وفي انتظار انعقاد اللجنة المركزية ل «الأفلان»، التي قرّر ولد عباس تأجيلها للمرة الثانية على التوالي، إلى غاية شهر مارس من العام الداخل، بعدما كانت مقرّرة في غضون الشهر الجاري، فإن الأمر الأكيد أن الحزب تمكن من الحفاظ على موقعه في الساحة السياسية، رغم تراجع النتائج المحققة في الانتخابات التشريعية وتقلّص الفارق في المقاعد بينه وبين «الأرندي» بشكل كبير، كلف الأمين العام انتقادات كبيرة، إلاّ أن الأخير تمكن من استدراك الوضع في المحليات، بعدما تمكّنت التشكيلة من حيازة أغلبية المجالس الشعبية الولائية وكذلك البلدية.
التجمع بقيادة أحمد أويحيى سجل عودة قوية في الاستحقاقين الانتخابيين، محدثا المفاجأة إلى حد ما، ليس من حيث التموقع، على اعتبار أنه حافظ على المرتبة الثانية مباشرة بعد منافسه في الانتخابات وحليفه في الحكومة، لكن من حيث تقليص المسافة الفاصلة بينه وبين «الأفلان» بشكل كبير لأول مرة بعد سنوات، نقطة سبّبت لقيادة الأخير انتقادات، ردّ عليها ولد عباس بالأرقام بتأكيده ارتفاع الوعاء الانتخابي للحزب إلى مليون و700 ألف صوت بزيادة قدرها 500 ألف صوت، في انتخابات نواب الشعب بالمجلس الشعبي الوطني، فيما برر نتائج المحليات بتوزع الوعاء الانتخابي على 53 تشكيلة مشاركة.
ورغم أن النتائج التي حققها التجمع في العام 2017 تجعل القيادة في أريحية، لاسيما بعد حصد عدد أكبر بالغرفة السفلى للبرلمان، تعززت بمضاعفة عدد المجالس الشعبية البلدية التي حصدها في الانتخابات الأخيرة، إلا أن هاجس الحزب العتيد يبقى يلاحقه، لاسيما وأنه حسم معركة المجالس الشعبية المنتخبة عموما والولائية تحديدا لصالحه، وذلك في الكواليس لتبقى معركة التنافس مستمرة، بترجيح الكفة مجددا لصالح الحزب العتيد.
تراجع «العمال» وعودة «الأفافاس» و»الأرسيدي»
لم تنجح الأحزاب المحسوبة على الموالاة، الفتية منها وكذلك الأقدم في الممارسة السياسية، في الحفاظ على التقدم المسجل في الانتخابات التشريعية، مسجلة تراجعا كبيرا في المحليات، وكان حزب جبهة المستقبل صانع المفاجأة باحتلاله المرتبة الثالثة في المحليات بعد «الأفلان» و»الأرندي»، مزحزحا «حمس» من المرتبة الثالثة التي افتكتها في التشريعيات، والتغيير الذي يمكن التوقف عنده يخص أحزاب المعارضة، ذلك أن حزب العمال بقيادة أمينته العامة لويزة حنون فاجأ لكن بتراجعه الكبير، مقابل ذلك سجلت العودة القوية «للأفافاس» و»الأرسيدي»، إلى جانب الأحرار الذين شكلوا عنصر المفاجأة.
من جهتها، لم تسلم قيادات التشكيلات المنتمية إلى التيار الإسلامي من الانتقادات، التي أعابت عليها تراجعا، هو في الأصل لأمر واقع كرسته المحطات الانتخابية على مدار سنوات متتالية، إذا ما تم استثناء «حمس» كونها استعادت المرتبة الثالثة في اقتراع الرابع ماي، الأمر الذي مكنها من تبوإ المرتبة الأولى ضمن أحزاب المعارضة بالمجلس الشعبي الوطني؛ طرح رفضته جملة وتفصيلا.
5 قوانين تطبيقية تكريسا لأحكام دستور 2016
بعيدا عن نتائج الانتخابات وما أفرزته، تزامنت السنة المنقضية ومرور أزيد من سنة كاملة على إقرار دستور أصبح نافذا في شهر مارس من العام 2016، وشهدت الإفراج عن 5 قوانين تطبيقية تأتي تطبيقا لأحكامه الجديدة، لعل أبرزها المتعلق باستحداث مجلس وطني لحقوق الإنسان وتحديد تشكيلته، في انتظار قوانين منتظرة في السنة الجديدة، أهمها القانون المكرس لآلية الدفع بعدم الدستورية، الذي سيحال على البرلمان في غضون شهر مارس المقبل، وفق تصريحات وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، وذلك تحسّبا لدخوله حيز التنفيذ المقرر في 2019، كما يسجّل قانونين هامين يكرس أحدهما تغيير السياسة العقابية في الجزائر، بإقرار السوار الالكتروني الذي يمكّن السّجين من قضاء عقوبته خارج السجن، ويخص الثاني تعزيز الصلاحيات الاستشارية لمجلس الدولة.
لعل الأمر الأكيد، أنّ الممارسة التشريعية دخلت مرحلة جديدة، بعدما تم تفعيل دور المعارضة، التي مُكِّنت من حق الإخطار ما يعزز موقعها. إلى ذلك، شهد النصف الثاني من الدورة التشريعية الأخيرة في الفترة السابعة، والدورة الثانية الواحدة في عهد دستور 2016 المنطلقة يوم 3 سبتمبر الأخير، عديد القوانين الهامة تحسّبا للظرف الاقتصادي، يأتي في مقدمتها تعديل قانون النقد والقرض ممّا مكّن من اعتماد صيغة التمويل غير التقليدي، إلى جانب قانون المالية لسنة 2018 الذي صادق عليه البرلمان بغرفتيه.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/12/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فريال بوشوية
المصدر : www.ech-chaab.net