الجزائر

نتائج البكالوريا.. الظاهرة الصحية



نتائج البكالوريا.. الظاهرة الصحية
لأول مرة منذ تطبيق برنامج إصلاح المنظومة التربوية، تتراجع نسبة النجاح في شهادة البكالوريا، بحيث سجلت 58٪ مقابل أزيد من 62٪ السنة الفارطة وأكثر منها السنة التي من قبل.
هذا التراجع صحي، خاصة وأن أساتذة التعليم الثانوي في شعبة العلوم أجمعوا على أن امتحان هذه السنة كان نموذجيا، وكان الأصعب والأطول، حيث جرب فيه مدى نجاح الإصلاحات، وبالتالي جاءت النتيجة صعبة من حيث العدد، ومن حيث المعدلات أيضا.
صحي، لأن هذا سيعيد للبكالوريا الجزائرية مكانتها التي كانت عليها سنوات السبعينيات والثمانينيات، وأيضا ستتخلص من اللعبة السياسية، حيث صارت في السنوات الفارطة رهينة عملية ليّ الذراع بين السلطة ونقابات التعليم وأولياء التلاميذ. فعندما تهدد النقابات بسنة مدرسية بيضاء، ترفع الحكومة من جهة أخرى نسبة النجاح والمعدلات، لتكسر "عجرفة" النقابات، فصار النجاح حليف حتى من لم يكن مستواه التعليمي مقبولا، مما أثر سلبا على أداء الجامعة، خاصة في كليات معينة مثل كلية الطب التي صارت تسجل سنويا عشرات الآلاف من الطلبة الجدد، فتدنى مستوى التعليم في فرع الطب، بعد أن كانت شهادة دكتوراه في الطب في الجزائر تتفوق ليس فقط على نظيرتها عند الجيران حتى أن تونس كانت ترسل وفودا من أبنائها للدراسة في الجامعات الجزائرية، بل أيضا كانت أحسن حتى من الشهادات الفرنسية نفسها. أما اليوم فصارت شهادة دكتوراه الطب في الجزائر في آخر ترتيب نظيراتها في العالم، ونفس الشيء ينطبق على شهادات جامعة نموذجية مثل جامعة هواري بومدين، ومثل معاهد الحقوق التي تخرج سنويا الآلاف من الجاهلين لأبجديات القانون.
وقد تتضح الصورة أكثر بهذه القصة الحديثة لطالب من جامعة هواري بومدين تحصل على شهادة البكالوريا سنة 2006 ثم التحق بكلية الإعلام الآلي بهذه الجامعة، وبعد سنتين لم ينجح نهائيا في الامتحانات وكان مهددا بالطرد النهائي، لكن للصدف أيضا نصيبها في الحياة، فكان أن أجرى مسابقة لجامعة أمريكية عن طريق الأنترنت فنجح بتفوق، واتصلت به هذه الجامعة عن طريق السفارة التي منحته نصف منحة وفرصة للعمل في الحي الجامعي، وها هو يتخرج منذ سنتين الأول في دفعته، بل أكثر من هذا تلقى عروض عمل في أهم الشركات الأمريكية، وها هو اليوم يجوب العالم في إطار عمله وتتسابق الشركات العالمية لتوظيفه، بينما لا يزال زملاؤه في باب الزوار يعانون الأمرين، فلا هم حصلوا العلم ولا هم تخرجوا وحتى من تخرجوا ما زالوا يعانون البطالة. ومع هذا نشتكي هجرة الأدمغة، وتسرب المادة الرمادية الجزائرية، ونرى في هذا مخططا لضرب الجزائر وقوتها، في حين أنه ما ضر بالجزائر غير هذه السياسات العرجاء، والجامعة التي ولّينا عليها أميين وتجار شهادات.
امتحانات هذه السنة قد تكون نقطة تحول في حياة المنظومة التربوية والجامعية، شرط أن نباشر عملية تطهير حقيقية في الجامعة في البرامج والأساتذة والإطارات، لتعود للجامعة الجزائرية هيبتها، فلا إصلاحات تنجح، ولا تنمية تتحقق ولا استقلال يكتمل إذا لم نعد للعلم مكانته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)