التسمية
اختلف المؤرخون في اسم التوارق فمنهم من يرى انه مشتق من " ترك " و ذلك بان العرب المغاربة اعتنقوا الإسلام فترة من الزمن ثم ارتدوا عنه حينا اخذ عدة مرات و نتيجة لتكرار هذا الأمر سموا" التوارق " بمعنى الذين تركوا الإسلام .
و ذهب ابن خلدون أن سبب تسميتهم " التوارق " أنهم تركوا دينهم المسيحية معتنقين الإسلام . و أن صنهاجة هم الملثمون القاطنون بالصحراء الجنوبية و اتخذوا اللثام شعارا لهم
كما ذهب بعضهم إلى أن كلمة " التوارق " مكونة من مقطعين " توا " بمعنى شعب و " رق " اسم المكان ، فيكون " التوارق " بمعنى " شعب رق " .
و هناك تفسير آخر لكلمة " التوارق " ورد ت في رواية لعب فيها الخيال دوره نردها من باب الطرافة تقول : بان عربيا يدعى جاب الهلالي قتل عفريتا من الجن بالقرب من قرية تارقية فاراد سكان تلك القرية مكافأة على هذا الصنيع فسألوه عما يختاره هدية و كان معه أربعين من رجاله ، فطلب منهم أربعين بنتا بكرا مكافأة فقبلوا و أعطوه إياهن فوزعهن على رجاله فلم يمكث جاب و رجاله في تلك القرية إلا فترة وجيزة و رجعوا من حيث اتو فبقيت النساء بدون أزواجهن فسمين أولادهن " بالتوارق " لان آباءهم ذهبوا و تركوا أمهاتهم و نجد أن صاحب صورة الأرض هو أول من أشار أن كلمة " اوتدرج "
و يرد عبد القادر جامي أن كلمة التوارق جمع تارقي على أن العرب أطلقواعليهم .
لفظ التوارق نسبة لقبيلة من يرد أن تسمية التوارق جاءت من أنهم كانوا جل
سفرهم ليلا لأنهم يطرقون الليل و الصحراء فسمو بتوارق الليل و توارق الصحراء .
" تارغا " و تكتب تاركا أحدى القبائل السكان الأصليين الذين يسكنون الصحراء الممتدة من المحيط الأطلسي إلى عداحس كان ذلك في القرن 09 هـ ـ 15 م .
و هناك من يورد أن تسميتهم بالتوارق جاءت لأنهم ينتسبون إلى طارق بن زياد .
موطن التوارق :
ينتشر التوارق في الصحراء الكبرى ما بين حدود جمهورية مالي الشمالية الغربية مع موريتانيا إلى حدود السودان مرورا بشمال مالي و شمال النيجر و شمال تشاد و جنوب غرب ليبيا و جنوب شرق الجزائر . كما تنتشر مجموعات منهم ببوركينافاسو و نيجيريا و نستطيع أن نقول وسط الصحراء الكبرى من مدينة غدامس و درج في ليبيا و اوباري و غات إلى تمنغست بالجزائر و جانت و تيمياوين و برج المختار على حدود مالي و تينبكتو بمالي و إلى طاوة بالنيجر و اقيقمي على بحيرة تشاد و ابشه في شرق تشاد .
تتناثر قبائل التوارق في هذه الصحراء و تتفاوت بين الكثرة و القلة حسب تواجدها يجمعها الزي شبه الموحد للرجال و النساء و حتى الصغار . و يقول الأستاذ محمد عبد الرحمن عبد اللطيف و هو من مثقفي توارق النيجر " يتكون موطن التوارق من الواحات و الوديان التي تشق جبال الطاسيلي ( غات : جانت ) و الهقار ( تمنغست ) و أيير ( اقدز ) و اضغان ( لكيدال ) ألا أن الجزء الأكبر من
التوارق يعيشون في منطقة السهول و المراعي الفسيحة التي تسمى باسم ' ازواغ ' الممتدة من أعالي نهر السنغال إلى بحيرة تشاد شرقا و من أطراف المناطق الرملية إلى غابات السافانا جنوبا . (1)
و لم هذا موطن التوارق الأصلي ، فلقد تزحزح التوارق من الشمال إلى الجنوب
متوغلين في الصحراء إما هربا من الجيوش التي كانت تهاجم الشمال ( الرومان
الو ندال ، البرتغال ، الأسبان ، فرنسا ) و ذلك هروبا بحريتهم و إما اندفاعا نحو إفريقيا لنشر الإسلام و الاستيلاء على الممالك و السيطرة عليها .
و هكذا ترك التوارق موطنهم في الشمال متوغلين في الجنوب تاركين آثارهم و أسماءهم حتى الآن تطلق على عدة مناطق في الشمال بل و في أقصى الشمال ففي ليبيا لازلنا نجد الكثير من القرى تحمل أسماء تارقية مما يدل على أن التوارق كانوا يسكنون في هذه المناطق منذ زمن متفاوت في القدم .
موطنهم في الجزائر :
يتواجد التوارق في منطقة "تمنغست و إليزي " التي تقع في جنوب شرق الجزائر و شمال جبال الطاسيلي و يقطنها طوارق " الازقر " و كما هم في منطقة " توات " التي تقع في الجنوب الغربي من الصحراء الجزائرية و تبتعد عن العاصمة بحوالي 1500 كلم . و هي عبارة عن إقليم و اسع ينزل من جهة الجنوب مع " وادي المساورة " الذي يطلق عليه طريق النخيل حتى معبر بسخة المحترفين في وسط الصحراء ، و يأخذ اتساعه من جهة الشرق في مسافات واسعة و تصور أشهرها تيمي و تمنيطط و هي من أهم المدن التارقية و تعتبر مركزا من المراكز غالبا ما كان يقوم تجار السودان و تجار الساحل الشمالي و بعرض بضائعهم بها(1) كما يقطن الصحراء مدينتين تمنغست و جانت : تقع جانت في الجنوب الليبي المتاخم للجزائر و تقع في جنوب سلسلة جبال الطاسيلي و أدرار تقع على الحدود المالية و هي منطقة تضم قبائل التوارق . أما تمنغست فتقع في أقصى الجنوب الشرقي من الجزائر و تتربع على مساحة تقدر بـ 557906.25 كلم مربع أي تغطي ما نسبته 23 % من التراب الوطني تضم حوالي 7 دوائر و 10 بلديات تقع بين خط الطول 0°.15° و 10°.15° خط الطول شرقا و بين 18°.43 ° و 29 ° 3° خط العرض شمالا و يمر مدار السلطان جنوب مدينة أن أمقل تحدها من الشمال ولاية غرداية و من الشمال الشرقي ولاية ورقلة و من الشرق إليزي و من الغرب أدرار و من الجنوب الشرقي جمهورية النيجر و من الجنوب الغربي جمهورية مالي و تكون ولاية تمنغست من منطقة تيدكلت شمالا و الاهقار جنوبا . إذ تقع منطلقة التيدكلت شمال الولاية عاصمتها التاريخية عين صالح في وسط الصحراء الجزائرية بين توات ( أدرار ) غربا و هضبة تادميت شمالا و هضبة مويدر جنوبا . تبعد عن الجزائر العاصمة بـ 1278 كلم و عن تمنغست 650 كلم و تشمل المنطقة البلديات التالية : عين صالح ، فقارة الزوى و أن غار . أما منطقة الاهقار ـ و هي محل دراستنا هذه ـ فهي إقليم شامخ يغطي مساحة تقدر بـ 375.000 كلم مربع و هي عبارة عن شبكة جبلية يحدها من الشمال سهل تيدكلت و الهضاب الصحراوية و التينري في الجنوب و التنزرفت الغرب و تستقد في وسط جبال الاتاكور.
4/- أصولهم :
تجمع جل الدراسات التي اطلع عليها أن أصول تبادل التوارق ترجع إلى صنهاجة التي يصل عدد قبائلها إلى أزيد من سبعين قبيلة أشهرها جداله و لمثونة و مسوفة قدمت من اليمن و الجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا و منها إلى غرب إفريقيا عبر هجرات متتالية و قد أدت هذه القبائل دورا مهما في نشر الإسلام و الثقافة العربية بغرب إفريقيا بتأسيسهم لدولة المرابطين في الطرف الغربي من الصحراء الكبرى اعتمادا على الدور الفاعل لقبائل جداله و لمثونة و مسوفة بقيادة عبد الله بن ياسين إبراهيم ألجدالي عام 427 هـ / 1035 م .
و قد أفاد نوري الأمين بان أصل التوارق أو كيل تماشاق ، الكيل معناه أهل و تماشاق تعني اللغة ؛ أصل أولئك الملثمين الذين شملت دولتهم الكبرى في النصف الثاني من القرن الخامس للهجرة سائر أنحاء المغرب العربي الذي يعتبر المنطقة التي سمعت و استجابت لصرخة ملوك التوارق الذين استنجدوا بيوسف بن تاشفين ضد الفرنجة عبر الملثمين أو التوارق إلى شبه الجزيرة الاسبانية نصرة للإسلام و بنية الملثمين .
و يفيد آخر إلى أن التوارق أو أحفاد " التين هينان " () يرجعون في الأصل إلى هذه الشخصية التاريخية تعد التين هينان السلف الأموي لكل القبائل النبيلة و الملكة الأولى للمملكة التوارق حيث يقال " عندما جاءت " تين هينان " من التافلات إلى الهقار مصحوبة بخادمتها الأمينة " تاكمات " و مجموعة من العبيد كانت ممتطية ناقة بيضاء أخذت من بلاد البرابربي كمية من الثمار و الذرة البيضاء إلا أن الطريق إلى الهقار طويلة بحيث مرت أيام و لم تظهر نقطة الوصول . بدا الطعام يتناقص و اشتد الجوع حتى أصبحت حياة القافلة مهددة و من حسن حضهم شاهدوا كميات صغيرة من الحبوب التي اختزنتها النمل
بكل عناء و شقاء ، أسرعت " تاكمات " بمساعدة العبيد و جمعوا هذه الحبوب و قدمت ما التقطته إلى سيدتها التي لم تنزل من على ظهر ناقتها كما يليق بمكانتها و ما التقطوه سمح لهم بمواصلة الطريق إلى الاهقار و عند وصولهم إلى الاهقار تزوجت " تين هينان " و " تاكمات " و استقرتا في " ابلس " ( ولاية تمنغست " و يقال أن " تين هينان " أنجبت بنتا و انحدر منها التوارق ). و حسب الدراسات التي قامت بها البعثة الفرنسية الأمريكية سنة 1925 م تحت إشراف العالم الأمتروبولوجي " رقاس " : حيث تم القيام بحفر ضريح الملكة الموجودة بابلسه فوق تلة على ارتفاع 914 متر على بعد 80 كلم من تمنغست .
مقاسات الضريح :26.25 متر للمحور الكبير و 23.75 م للمحور الصغير .
الارتفاع : 4 م . عدد الغرف : 11 غرفة . الغرفة الجنائزية : الغرفة رقم 1 .
عند الاكتشافات : كان الهيكل المنسوب إلى " تين هينان " نائما على الظهر متجها نحو الشرق ، السيقان و الذراعين مطويتين موضوعتين على بقايا من الجلد الأحمر و برفقته مجموعة من الحلي أسورة ذهبية و فضية حبات من العقيق و الزجاج ؛ تمثال صغير، نواة التمر، حبوب وبعض القطع الثمينة .
و في سنة 1926 م نقل الأثاث الجنائزي و الهيكل إلى نيويورك لغاية العرض و في سنة 1934 م نقل إلى باريس ليعرض بمتحف الإنسان في إطار معرض حول الصحراء إلى أن استقر هيكل الملكة " تين هينان " و كنزها بمتحف البارادو بالجزائر العاصمة .
5/- لغتهم :
الشعب التارقي شعب مسلم من أصل سام احتفظ بهوية الحضارية الأصلية و " التماشاق " لغته الوطنية و حروف هذه اللغة تسمى "التيفناغ " تجعل منه احد الشعوب الإفريقية النادرة التي تملك أبجدية نظيفة يرجع وجودها إلى ثلاث آلاف سنة قبل الميلاد . كما تشهد على ذلك الكتابات و النقوش التي تمثل الصحراء و إفريقيا الشمالية. و يقول الأستاذ " عثمان السعدي " " و من المؤرخين اللغويين من يرد البربرية إلى أصول فينيقية مثل غوستاف لوبون الذي يقول : ' أن لغة البربر العريقة في القدم يحتمل أن تكون مشتقة من الفينيقية و من الغريب انه إذا حللنا الأبجدية التي تستعملها التوارق نكتشف الوجاهة في راي لوبون هذا ... فالرأي السائد لدى الكثير من الباحثين أن الأبجدية التي يسميها التوارق ( التيفناغ ) استعاروها من الأبجدية الفينيقية ' (1) فلغة التوارق التي يسمونها " تماهق " أو " تاماشاك " هي إحدى اللهجات العربية القديمة التي قضى عليها الإسلام عندما وحد لغة العرب بلغة قريش التي انزل الله بها القران و هي التي اللهجة الوحيدة في اللغات الإفريقية التي
توجد بها حرف الضاد . فسمة اللغة العربية و يقال انه عندما انزل الله القران كان العرب في الجزيرة العربية يتحدثون 12 لهجة و لقد وجدت في اليمن الجنوبية بمنطقة حضرموت في الماضي القريب قبيلة المهرة تتحدث اللغة التارقية . كما وجدت أيضا بعض القبائل العمانية في ظفار.
وفي أعالي الجبال يتحدثون لهجة هي اقرب إلى لغة التوارق . كما اكتشفت اليمنيون الجنوبيون آثارا و نقوشا في منطقة المكلا مكتوبة بالحروف نفسها التي يكتب بها التوارق حاليا ( التيفناغ ) . و معناها بالتارقية الحروف التي تنسب إلى
الفينيقيين و هم شاميون من العرب نزحوا الى شمال إفريقيا و لغة التوارق نجر بها الكثير من الكلمات العربية الفصحى .
و التيفناغ عموما من الحروف التارقية التي يكتب بها التوارق لغتهم و تحتوي هذه الأبجدية على اثنين و عشرين حرفا و لهذا يضطر التوارق بتركيب حرفين لإعطائهم حرفا آخر غير موجود في أبجديتهم و تلتقي أبجديتهم و حروفهم مع الحرف الحميري القديم ( المسند ) في الكثير من الحروف و هذا كله يدل على أن التوارق ، و حروف لغتهم من أصل عربي قديم سواء كان فينيقيا ( تيفناغ ) أو ( حميريا ) يمنيا قديما .
و حروف التيفناغ تكتب من اليمين إلى اليسار في العادة ، و تضع بعض التوارق حرف ( + ) التاء على رقاب الإبل تسمية لها و هي الحرف الذي تبدأ به كلمة " توارق " و " تماشاق " . و قد ذهب الكثيرون من كتاب الغرب إلى أن هذا الشكل هو الصليب يستعمله التوارق لأنهم كانوا قبل الإسلام نصارى .
و حروف التوارق لا يتقنها كل التوارق بل تتقنها النساء و الخدم و بعض الذين تعلموا من النساء ، و لكن بعد قدوم الاستعمار إلى المنطقة و محاولته تمزيق شعبها بدعاياته المعرضة شجع هذه الحروف محاولا أن يجعل لبربر شمال إفريقيا هوية أخرى غير هويتهم العربية الإسلامية محاولا أن يجد لهم أصولا غير أصولهم و قومية غير قوميتهم .
تطورات حياة قبائل ايموهاغ في الصحراء الجزائرية
1/- واقع التوارق في الصحراء الكبرى :
يعيش التوارق اليوم في صحرائهم عيشة ضنك ، اجتمع عليهم فيها الجفاف و ظلم الحكومات و احتقارها لهم وفقدهم لموارد رزقهم . و التمييز العنصري من السود ضدهم .
و لقد شهدت الصحراء الكبرى منذ 1972 إلى 1981 م المجاعة كيف تبطش بهذه القبائل البائسة . و لقد منعت الحكومة آنذاك وصول الإمدادات و الغوث لهؤلاء المساكين كما منعت دخول الصحفيين لمنطقة مخيمات التوارق الجوعى ، وقد كتبت إحدى الصحف الفرنسية عام 1973 م أن احد صحفييها وصل إلى هذه المخيمات و قال " انه ما بين خمسة و عشرين رجلا و ثلاثين يموتون في مخيمات التوارق من المرض و الجوع . و تكدست عائلاتهم في مخيمات على الحدود المالية الجزائرية في تمنغست و في تيمياوين و برج المختار و غيرها يزحفون كالأشباح في محاولة للوصول إلى العيش أما مجموعات التوارق في الصحراء الكبرى الجزائرية فهم مجلبة للسياح يشاهدون بالعشرات و ينشرون صورهم بأزيائهم التقليدية . وحدث نتيجة للمأساة أن تمزقت الأسر و العائلات و هرب الشباب القادرون على الفرار نحو البلدان المجاورة و تهدمت البنية الاجتماعية ، و انهارت الطبقات و نشط بعض تجار الرقيق لبيع صغار التوارق في أماكن مختلقة و دخلت الكنائس هي الأخرى في السياق و بدأت تشتري أولاد التوارق بعنزة أو عنزتين للولد الواحد أو بنت تعطى لولي الأمر لحلبها نظير أن يسلم ابنه للكنيسة لتعليمه و العناية به و بعد ثلاثة أو أربعة أعوام يأتي الوالد ليستلم ابنه فيرفض الولد مصاحبته و يصبح الصغير مسيحيا . و لأول مرة في تاريخ المنطقة تشيد الكنيسة كنيسة لها في منطقة التوارق فتشتت نساء التوارق و فقدت نبلها و تقاليدها و أصبحت مع الأسف تبحث عن قوتها بكل شيء . و وصل بعضهم إلى فرنسا في
سيرة للبحث عن الرزق و تفرقن في عواصم الدول الإفريقية المجاورة . و هكذا تخلى هؤلاء القوم عن كثير من مزاياهم الجيدة والممتازة و نسي العرب و المسلمون كفاحهم و جهادهم المستمر و حملهم راية الحضارة الإسلامية لعدة قرون من الزمن في إفريقيا و أمام هذا الوضع السيئ الذي آل إليه حال قبائل الصحراء الكبرى قامت ثورة في ليبيا الجماهيرية شعورا منها بمسؤوليتها تجاه الضعفاء و المضطهدين و إحساسا منها بوحدة الدين و العرف بيننا و بين هؤلاء الناس قامت بتبنيهم و انتشالهم من ماساتهم المبكية حيث ألقى العقيد معمر ألقذافي قائد الثورة خطابا بهذا الخصوص في بلدة اوباري بالجنوب الليبي في 16 أكتوبر 1980 م شرح فيه الاضطهاد الذي يلاقيه التوارق و أعلن أن الجماهيرية مفتوحة الأبواب لهم ليعيشوا مع إخوانهم الليبيين . و منذ ذلك التاريخ اندفع آلاف التوارق إلى ليبيا للعيش بسلام و هدوء مع أولئك الذين دفعتهم الظروف القاسية للتوجه إلى أوربا و خاصة فرنسا فإنهم يعيشون عيشة الضياع و قد مسحت شخصيتهم و أصبحوا بقايا أناس لا يمتون بصلة لقبائل الصحراء الكبرى و كان هذا قبل الثمانينيات من القرن العشرين . إلا أن آلاف الأسر رغم الظروف القاسية السابقة الذكر اختاروا و فضلوا العيش في الصحراء و الموت تحت خيامهم على الانتقال من مربعهم في الصبا و آبار أجدادهم يتأملون بصماتهم على صخور الطاسيلي و الهقار يغذون في أولادهم الحقد المقدس على الاستعمار الذي أوصلهم إلى هاته الحالة كما عملوا على تحسين و تطوير حياتهم لتصبح أكثر استقرارا و عملوا على توفير حاجياتهم من غذاء و لباس من الطبيعة أو باستيرادها من دول السودان المجاورة و هذا ما تحقق فعلا و هو ما نلمسه في واقع قبائل الصحراء الكبرى في الوقت الحالي في حياة كريمة ، أمنة و مستقرة .
2/-التغيرات التي طرأت على مجتمعالتوارق :
إن كل ما ذكر سابقا حول الأنظمة في مجتمع التوارق . هو عبارة عن شكل تقليدي . تغير تدريجيا مع التغيرات التي حصلت في هذا المجتمع ؛ و خاصة أثناء دخول الاستعمار الفرنسي إلى المنظمة في 1911 م حيث مست هذه التغيرات جميع المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .
ابتداء من 1962 م تم وضع حد للنظام الإداري الخاص و الذي يتمثل في سلطة الامنوكال و قد كانت تدار به منطقتي الهقار و الازجر و قد أصبحت تشكلان جزءا من الوطن الجزائري . لقد سار المجتمع البدوي بخطى سريعة نحو تغيير نمط حياته التقليدية فعلى المستوى السياسي يمثل الامنوكال بدو التوارق في الإدارة التارقية في الإدارة الجزائرية و اختفت وظيفته كسلطان تقليدي ليصبح شيخا للبلدية ، فمنذ الاستقلال لم تعد التوارق تدفع الجزية " ألتيوسي " للامنوكال الذي أصبح يتمتع بمرتب شهري مقابل وظيفته الجديدة أما بالنسبة للنظام الاقتصادي فقد تخلى التوارق على نشاط الإغارة و السلب الذي كانوا يلجئون إليه في سنوات القحط و الجفاف في معظم المناطق الرعوية كما أن معظم الرعاة أصبحوا يعتمدون على الزراعة و ذلك بعد استقرارهم في المدن نتيجة اتصال معظم الشعوب و القبائل بالحضارة الغربية و اكتسبوا كثيرا من ملامح النظام الاقتصادي و خاصة في أنماط التبادل التقليدية و تجارة القوافل .
كما شهد مجتمع التوارق تغيرات مست النظام الاجتماعي مثله مثل باقي الأنظمة الأخرى السياسية و الاقتصادية فقد تحول النظام الاجتماعي من نظام قبلي تقليدي إلى نظام يستمد مهامه الاجتماعية من الإدارة الحكومية لقد زالت مختلف الطبقات الاجتماعية التي أصبحت تشكل مجتمعا واحدا لا تظهر فيه فروق اجتماعية إلا نادرة عند فئات قليلة من المجتمع أما بالنسبة للتنشئة الاجتماعية فقد
ظهرت عدة مؤسسات تعليمية حديثة و متخصصة في تعليم الأطفال بعد أن كان هذا الدور تقوم به الأسرة بصفة عامة و المرأة بصفة خاصة إذ كانت هي التي تعلم أبناءها اللغة " تماهق "و الرموز من شعر و قراءة و العزف على آلة أمزاد و غيرها . هذا بالإضافة إلى زوال مختلف مراحل التنشئة الطفل العمرية و الذي تزامن مع زوال مختلف الأنشطة و خاصة نشاط الرعي الذي عوض النظام التعليمي .
الطبقات الإجتماعية عند قبائل ايموهاغ ودورها في التنشئة الإجتماعية
التشكيلة التقليدية لمجتمع توارق الهقار :
يتألف مجتمع توارق الكيل أهقار من ثلاث قبائل نبيلة ، و كل قبيلة لها نطاقها الجغرافي و لها عشائر تابعة لها .
*قبيلة الكيل غلا :يهيمنون على اكبر مساحة لأراضي الاهقار ( الاتاكور ) .
* قبيلة تايطوق :يرتحلون في الاهنت و الجنوب الغربي للأهقار .
* قبيلة التجهي ملت : و هي الأقل عددا يتمركزون في الجهة الشرقية للأهقار .
تتشكل القبائل النبيلة من ثلاث طبقات :
* الاهقار ( النبلاء ) في أعلى الهرم .
* الامغاد ( أتباع القبائل النبيلة ) .
* الآكلان ( العبيد أو الخدم ) و هم بمثابة اليد العاملة الضرورية لكل النشاطات الاقتصادية للنبلاء.
بينما تضاف الى التشكيلة الاجتماعية لتوارق الساحل طبقتين اثنين :
1- إناضن ( الحرفيين ، لَمْعَلْمِينْ) يحترفون صناعة الخشب و الجلود .
2- إنسلمن ( رجال الدين )
1-إناضن : و تؤكد الدراسات الميدانية التي قام بها أهل الاختصاص أن طبقة إناضن دخلت إلى الاهقار في حدود سنة 1850 م (إثر غزوة من الغزوات التي كانت بين القبائل ) فسلبوا مجموعة من الحرفيين على أساس أنهم عبيد من بينهم ألامين الذي يعد عميد الحرفيين بالأهقار و أب كل الحرفيين بالأهقار .
2- الانسلمن ( الشرفة أو رجال الدين ) : قد ظهرت هذه الفئة بالأهقار في حدود القرن VII م(السابع الميلادي) أو VIII م (الثامن الميلادي) حيث حل أول المسلمين القادمين من جنوب المغرب من مهامهم نشر الإسلام و القيام بدور الأساتذة و المستشارين و القضاة فيما يخص تطبيق الشريعة و تعاليم الدين الإسلامي و إلى غاية القرن (التاسع عشر الميلادي) كان عددهم قليلا جدا . و في محاضرة ألقاها المؤرخ الجزائري " عبد الرحمن الجيلالي " بمناسبة انعقاد المؤتمر 13 للفكر الإسلامي بتمنغست سنة 1979 م أن هناك عدة روايات فيما يخص تاريخ زمن الإسلام التوارق و لكن أكثر المؤرخين يتفقون بشان ازدهار الإسلام في هذه المنطقة الصحراوية النائية هو منذ حل بها الفقيه المالكي " عبد الله بن ياسين الجزولي " صحبة زعيم قبيلة (جدالة ) الأمير يحيى بن إبراهيم ( 430 هـ ـ 1039 م ) فمنذ هذا التاريخ أخذت الدعوة الإسلامية تنشر بتلك البقاع من الصحراء إفريقيا و عمها الإسلام و كان للتوارق الملثمين فضل تعميمة و نشره بجنوب الصحراء إلى جانب جلب معه إليهم أساليب جديدة في رعاية الماشية و تكاثرها و في صنع الاسرجة و فنون العمارة والبناء و الألبسة و الإدارة و التنظيم و ظهر اثر الإسلام في كل مناحي الحياة وصار الانتساب إلى الأدب هو القاعدة بعدما كانت الأم هي المرجع في نسب الأسرة . يعني أن الإسلام قام بدور كبير في تغيير الأنظمة السياسية و الاجتماعية .
ظاهرة تنظيم الاسرة عند ايموهاغ ( التوارق ) :
يرى بعض الباحثين أن قلة عدد السكان سواء في مجتمع أو امة يؤدي الى رفع مستوى المعيشة لان ذلك يحدث توازنا في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية على مستوى الدخل الفردي و الجماعي القومي كما ينتج نصيبا أوفر للإفراد مما يمتلكون و ما ينتجون ... ، كما أن الناحية النظرية فالأسرة صغيرة الحجم تتمتع بمستوى معيشة أعلى من الأسرة الكبيرة يحمي مستوى المعيشة الذي وصلت إليه.
هنا تبرز حركية الجماعة و مدى نفوذ سلطتها على الفرد لان قرارات تنظيم الأسرة في المجتمع التقليدي عادة ما تعود الى قرارات الجماعة و طبيعة القيادة و العلاقات الاجتماعية السائدة فيها .
لقد عرف مجتمع التوارق التقليدي عدة أنماط لتقييد عدد المواليد ، ذلك أن رئيس القبيلة بإمكانه ياسر أفراد قبيلته بتحديد عدد المواليد و يكون الإصر بزيادتها وذلك تبعا لتناقص أو تزايد الموارد الطبيعية و توقعاتهم للمستقبل خصوصا في الفترات التي تنذر بالقحط ، و يرى البعض انه بإمكان رئيس القبيلة أن يأمر بإيقاف الإنجاب تماما .
و يبدو أن هذه العملية ضرورية في المناطق التي يقطنها التوارق و ذلك نظرا لطابعها المناخي الصحراوي الذي يتميز بقسوة و ضآلة التهاطل المطري ، وإنتاجها الذي لا يكاد يكفي سكانها لإشباع حاجاتهم من الغذاء و على هذا الأساس توصل التوارق في أطار التوازن الايكولوجي الى إيجاد العدد الأمثل من السكان الذين يمكن توفير الغذاء لهم أي أنهم عرفوا تنظيم الأسرة .
- [1] شادى اللالة : التوارق عبر العصور ـ مخطوط ـ ورقة 15 .
- (1) التوارق شعب الصحراء الكبرى – محمد عبد الرحمن عبد اللطيف – ص4 -
مخطوط مكتبة المؤلف .
-[2]التوارق شعب الصحراء الكبرى – محمد عبد الرحمن عبد اللطيف – ص4 -
مخطوط مكتبة المؤلف .
-[3] ولاية تمنراست عمق و ثراء – الثقافة – ولاية تمنغست 2007
تاريخ الإضافة : 20/09/2016
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : الأستاذ محمد بوقليلة
المصدر : www.ansabcom.com