الجزائر

نانسي والشيخان



نانسي والشيخان
لم يكن ضيوف الجزائر يثيرون كل هذا اللغط بين معارض ومُوال، فكان للضيف حرمته التي تمنع من انتقاد ضيافته، خصوصا الضيوف من العالم العربي، سواء كانوا من العلماء، أو الدعاة، أو مثقفين وفنانين، فلم يكن الجزائريون يثيرون الغبار على ضيوفهم، إلا إذا كان حولهم شبهة التطبيع أو العلاقة مع إسرائيل، أو الأقدام السوداء من قدامى المستوطنين الفرنسيين، كمحاولات زيارة المغني الفرنسي أنريكو ماسياس، المولود في قسنطينة، بسبب ميوله الصهيونية، ورمزيته للاستيطان الفرنسي، التي أطاحت بحدوث زيارته حملة شعبية كبيرة، واصفين إياه بصديق إسرائيل، الممنوع عليه أرض الشهداء، أما ماعدا هذه الحالة فقد كان الضيوف وعلى رأسهم الضيوف العرب يجدون كل ذلك الترحيب، فمن الفنانين، غنى نجوم العرب ونجماته في مسارح الجزائر وساحاتها، مثلما حاضر آلاف الدعاة في مساجدها وقاعاتها، وشارك آلاف المثقفين في مناسباتها المختلفة.إن سنوات الإرهاب التي تركت آثارها على نفسيات الجزائريين، وحساسية اتجاه الخطاب الدعوي المشرقي، وشعور الجزائريين أن جزء من الإعلام العربي مارس رقصه على حساب الدم الجزائري، وتحريضه الفتنوي في أزمته، جعل الجزائريون يختلفون حول المصداقية لبعض النخب العربية، وفتح البلد لنوع من الضيوف لهم أجنداتهم ومشاريعهم المثيرة، كما أصبح للجزائريين حساسية اتجاه المال العام الموزّع على فنانين وفنانات يأخذون أرقاما خيالية لإحياء سهرة في بلد اجتماعي تقوم فيه الدولة على كل شيء، وله نمط اقتصادي غير ليبرالي، بما يجعل المواطن يعتقد أن تلك الأموال هي جزء من أمواله، في ظل حاجياته الحياتية من سكن و توظيف وقدرة شرائية يرى الدولة مسئولة عنها، فلا يتقبل بسهولة هذا العطاء الحاتمي للرقص كما يقول. جاءت سنوات الربيع العربي لتغطي بظلالها ذلك الاختلاف الإيديولوجي والسياسي بين قطاعات شعبية، فاختلفت الرؤى حول قضايا الربيع العربي، مع تدني أسعار البترول، فأصبحت تلك الحساسيات السياسية والاقتصادية عاملا في التعامل مع بعض الضيوف، كما أصبح للمواطن الجزائري مساحة غير محدودة للتعبير في الإعلام أو شبكة الأنترنت، فتحت آفاقا لقطاعات مختلفة خصوصا شبابية لقول كل شيء في كل شيء، بأسلوب لا خطوط حمراء فيه، بما جعله منتشرا، من النكتة إلى تركيب الصور، مساحة للإعلام الشعبي الموازي، يعبّر عن أمزجة وقناعات مختلفة، بغض النظر عن حجم كل منها. ومؤخرا تداول الإعلام الجزائري ومواقع التواصل الاجتماعي حملات مؤيدة ومعارضة لضيوف وصلوا أو من المتوقع وصولهم، حيث حلّ مفتي الجمهورية السورية الشيخ بدر الدين حسّون، في زيارة لمدة أسبوع، استُقبل خلالها من قيادات رفيعة في الدولة، واحتُفي به من طرف وزارة الأوقاف الجزائرية، فقامت قيامة جماعات دينية، لتشن حملتها واصفة إياه بمفتي البراميل المتفجرة، في مواجهة حملة مرحبة ترى الزيارة متأخرة وضرورية لمواجهة خطاب الإرهاب، وترى أن الجزائر وسورية في خندق واحد وكلاهما مستهدف بسبب مواقفه وتاريخه النضالي، واصفة الأصوات المعارضة للزيارة بالأصوات الداعشية، ومتسائلة بسخرية أن يكون المطلوب من السلطة الجزائرية استقبال أبي بكر البغدادي؟ الزيارات التي كانت قد أثارت كذلك الضجيج قبل وقوعها، أحدها للمغنية اللبنانية نانسي عجرم في ظل تداول الصحافة الخاصة عن أرقام أجرها مقابل حفلتها، كما استرجع بعضهم موقفها المنحاز للفريق المصري على حساب الفريق الجزائري، أيام أزمة كرة القدم، ليحرّض عليها الجماهير الرياضية، والأخرى للداعية السعودي محمد العريفي، الموصوف من معارضي زيارته بداعية جهاد النكاح، صاحب الباع الطويل في الترويج للأعمال الإرهابية في سورية، وصاحب نظرية تهشيم الجماجم وقطع الرؤوس تقربا للمولى عز وجل، مما جعل زيارته تثير حساسية آلاف الضحايا من العائلات المتضررة من الإرهاب، وآلاف النخب التي تعتبر الفكر الديني التحريضي يتحمل مسؤولية الأوضاع في البلاد العربية، ودخول داعية مثله مثير للاختلاف، إلى بلد لازال يُعاني من جروح ذاكرته حول سنوات الأعمال الإرهابية، والفتنة الداخلية التي أودت بأكثر من مائتي ألف ضحية، إلى جانب تداعياته الخطيرة على النسيج الاجتماعي.إن دعوة الحكومة إلى التقشف، ودعوة وزير الثقافة لترشيد المال المنفق في قطاعه، يجعل الحكومة أمام حرج المهرجانات الثقافية التي لم تعد أرقامها موقوفة في أدراج المكاتب، بل تتسرب عادة للصحافة التي تجد فيها مادة مثيرة للرأي العام الجزائري، وربما أحد أسباب إقالة وزيرة الثقافة السابقة قبل شهور بسبب الأداء المالي، كما أن استقبال الجزائر لضيوف مثيرين، قد يدفع أطرافا أخرى لتنظيم ضيافة مقابلة لدعاة محسوبين على أطراف مختلفة، فيصبح كل ضيف تقابله حملة تأييد أو معارضة، بما يعطي للزيارة زخما مضاعفا، في ظل حملات معارضة وتشويه، وهذه إحدى ضرائب الوضع العربي، والانفتاح الإعلامي، ولكن في المقابل فإن عدد الضيوف الذين يثيرون مثل هذه الحملات يعدّون على الأصابع بما يدل أن أبواب الجزائر لازالت حاتمية العنوان، والحملات ليست ضد الضيافة، وإنما تعبيرا عن مواقف مختلفة عن أفكار الضيوف ومواقفهم وأجورهم.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)