تحركت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية في الأيام الأخيرة بشكل لافت من اجل نفض الغبار على الانتهاكات المفضوحة التي ما انفكت تقترفها قوات الأمن المغربية في حق المواطنين الصحراويين في المدن المحتلة.
وجاءت استفاقة هذه الجمعيات والمنظمات على خلفية مضمون القرار الأخير الذي بعث به الأمين العام للأمم المتحدة إلى أعضاء مجلس الأمن والذي عدد فيه ولأول مرة جملة الخروقات والانتهاكات التي يمارسها الاحتلال المغربي ضد المواطنين الصحراويين بعيدا عن أعين الملاحظين الدوليين ووسائل الإعلام العالمية ومطالبته بضرورة تمكين بعثة الامم المتحدة هناك من كامل صلاحياتها المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين المغرب وجبهة البوليزاريو منذ سنة .1991
وضمت المنظمة الحقوقية الأمريكية ''هيومن رايتس ووتش'' موقفها إلى موقف بان كي مون وطالبت هي الأخرى مجلس الأمن الدولي إلى توسيع مهام بعثة ''مينورسو'' لتشمل مراقبة حقوق الشعب الصحراوي قبل مناقشة أعضائه لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة الثلاثاء القادم.
وعززت المنظمة الحقوقية الأمريكية موقفها كون بعثة ''مينورسو'' ،تبقى البعثة الأممية الوحيدة في العالم ''مكلفة بحفظ السلم ولكنها لا تضطلع بمهمة مراقبة حقوق الإنسان'' مما حال دون قيامها بمهمتها وفق ما تقتضيه الأعراف الدولية في هذا المجال.
وترى ''هيومن رايتس ووتش'' انه إذا كانت اللائحة 1979 التي صادق عليها مجلس الأمن في أفريل من العام الماضي رحبت الإجراءات التي اتخذها المغرب لإنشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان والتزامه بضمان استفادته من كل الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان الأممي إلا أن مبادرته '' بقيت بعيدة كل البعد عن ضمان متابعة منتظمة ونزيهة للوضع الحالي لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية''.
وشددت المنظمة الأمريكية التأكيد على أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعد مؤسسة تابعة للمغرب ''الذي لا تعترف منظمة الأمم المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية''. كما انه ''لم يسمح حتى بتغيير الوضع في مجال حقوق الشعب الصحراوي الإنسانية''.
وأكدت أنه بدلا من ذلك واصلت ''السلطات المغربية اقتراف مختلف أشكال القمع في حق الصحراويين الذين يدافعون عن حق تقرير المصير أو أولئك الذين يتجرؤون على فضح انتهاكات حقوق الإنسان ''في آخر المستعمرات في القارة الإفريقية.
وشددت المنظمة الأمريكية على أن ''هدف ضمان مراقبة واسعة النطاق ومنتظمة لحقوق الإنسان لا يمكن أن يبلغ إلا بواسطة توسيع عهدة ''مينورسو'' بإدماج مراقبة حقوق الإنسان أو من خلال استحداث مقرر خاص للصحراء الغربية'' مهمته متابعة ومراقبة وضعية حقوق الإنسان في هذا الإقليم المحتل ومطابقتها بالتالي مع بعثات حفظ السلم الأممية الأخرى''.
وفي نفس السياق نظمت جمعية الجالية الصحراوية في فرنسا بدعم من أرضية التضامن مع الشعب الصحراوي التي تضم 27 جمعية أمس تجمعا احتجاجيا بالعاصمة باريس ضد القمع الممارس في حق السكان الصحراويين ومن أجل توسيع مهام بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.
وأدان المشاركون في هذه الوقفة التي نظمت بساحة حقوق الإنسان ساحة تروكاديرو في قلب باريس '' انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة وطالبوا الدول الأعضاء في مجلس الأمن الأممي بتضمين لائحتهم القادمة بندا يقضي بتوسيع عهدة ''مينورسو'' لتشمل مراقبة حقوق الإنسان لضمان حماية أفضل للسكان الصحراويين.
كما طالبت هذه الجمعيات بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين واحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير واستقلاله إلى جانب الإسراع في تنظيم استفتاء تقرير المصير طبقا للوائح الدولية.
وذكرت الجمعيات أنه منذ ''الاعتداء الإجرامي'' للقوات المغربية على سكان مخيم اكديم ايزيك في 8 نوفمبر 2010 فان أساليب ''القمع لم تتوقف ضد السكان الصحراويين رغم إدانة واستنكار منظمة العفو الدولية ''امنيستي'' و''هيومن رايتس ووتش'' و''فرونت لاين'' تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية المحتلة''.
نشط صباح أمس، على هامش المعرض الوطني للكتاب في دورته الثامنة، الاستاذ العيد زغلامي محاضرة بعنوان ''الاعلام الثقافي بين الواقع والتطلعات''، وسلط الضوء من خلالها على واقع مفهوم الإعلام الثقافي ودوره في ترقية المجتمع وسط زخم الفضائيات والعولمة والوسائل الاتصالية المتسارعة في تضييق رقعة الأرض، وجعلها رهن إشارة أصابع وأرقام لاستحضار العالم بكل مشاهده.
استهل المحاضر تدخله بتوضيح مفهوم الإعلام ووظائفه ولغته، بإعطاء بعض النماذج الإعلامية، متسائلا في نفس الوقت عن وجود إعلام ثقافي من حيث الحضور، من خلال مبادرات متعددة الجوانب والألوان الثقافية؛ من اقتصاد، سياسة ورياضة، حيث تعددت هذه الأنواع في ظل العولمة التي أحدثت ثورة إعلامية.
أمّا من حيث تعريفه للإعلام الثقافي، فقد أكد العيد زغلامي أن الإعلام الثقافي هو دراسة الثقافة من وجهة إعلامية واتصالية، نظرا لاحتوائه على مضامين وأفكار متعلقة بثقافة المجتمع.
واستطرد المحاضر في تبيينه للإعلام الثقافي، أنه ذو وظائف روحية تعمل على ترسيخ القيم الجمالية والروحية من خلال الفنون، باعتبارها نوعا من الغذاء الفكري، كما أن للإعلام الثقافي يضيف -المحاضر- وظيفة اجتماعية، وذلك في إطار تقديم أساليب الترابط والتضامن بين أفراد المجتمع، وذلك من أجل بناء نسيج ووحدة اجتماعية متكاملة، قد تبرز من خلال الأغاني الوطنية، زيادة عن الوظيفة التربوية والرياضية التي من خلالها يتم تقديم معارف العلوم، الفنون والآداب، لأن الوظيفة العلمية المعرفية تعتمد على تبسيط العلوم وتوصيلها للقارئ والمتلقى، بالإضافة إلى الوظيفة الأدبية التي يروّج من خلالها للعمل الأدبي والفني، وكل هذه المضامين مشتملة تعمل على ترقية الإنسان ورفع ذوقه.
كما تطرق الأستاذ العيد زغلامي إلى عنصر اللغة الذي هو الرابط بين المرسل، والمتلقى وتكمل مطولا عن مرونة اللغة واختيار الأساليب التي تجذب القارئ، المستمع والمشاهد على حّد سواء، لأن اللغة السلسة السهلة الجميلة، تحدث وقعا في المتلقي وتعمل على إكتسابه وانضمامه إليها بكل تلقائية جمالية، لأن الإعلام الثقافي هو إبداع، ابتكار وأفكار.
أمّا عن العلاقة بين الإعلام والثقافة، فيرى المحاضر أن هناك تنوع وثورة في وسائل الإعلام من خلال الثورة التكنولوجية، وهذا ما أحدث شرخا وانفصالا بين الإعلام، الثقافة والمال، لأن الإعلام لم يصبح إعلاما بالوسائل التكنولوجية، بل إعلاما واتصالا، حيث لم تعد العلاقة واضحة وتكاملية بين الإعلام والثقافة، لأن الوسائل صارت غير حيادية.
وتساءل المحاضر عن الإعلام الثقافي، هل يتمثل في الحصص الترويجية الإشهارية، مؤكدا في نفس الوقت أن الإعلام الثقافي نتائجه لا تكون آنية، بل تبقى تدريجية نتيجة لهيمنة ظروف أخرى، وهذا، يضيف المحاضر، لا ينفي وجود الإعلام الثقافي من خلال الوسائل المتاحة، مثل الاذاعة الثقافية، التلفزيون، الصحف ومن خلال الملحقات، غير أن الإعلام يتطلب أموالا وكفاءات وحضورا مستمرا لترقية ذوق الأخرين.
ويرى المحاضر أن المشهد الثقافي الحالي، يعد مشهدا فقيرا وغير مشجع، إذا ما نظرنا إلى المراكز الثقافية التي يغلب عليها التسيير الإداري ونشاطاتها ذات طابع مناسباتي.
كما أكد المحاضر في ختام مداخلته، تفاؤله بمستقبل الإعلام الثقافي، نظرا لوجود أكثر من 80 عنوانا صحافيا، وهذا ما يسمح لتنوع الإبداع والتبشير بمستقبل مضيئ بالنسبة للإعلام الثقافي، في إطار لغة ثقافية تتسلل لعواطف وأفكار المتلقي، وتعمل على ترقية مستوياته وتغذية وإثراء أفكاره.
قدّم الكاتب الجزائري حميد قرين وصفة خاصة للكتّاب الذين يرغبون في كتابة ''بورتري'' ناجح تضم المقادير الآتية: أن يكون عارفا بالكثير من خبايا علم النفس، أن يلّم بتقنيات الأسلوب المشوّق، وأخيرا أن يتوفّر على ما يطلق عليه بـ''معنى الصيّغ''، أي أن يدرك استعمال معاني المفردات والجمل الصريحة، الثاقبة التي تمسّ صميم المعنى المطلوب.
أضاف قرين في المحاضرة التي ألقاها أوّل أمس بمركز التسلية العلمية حول تقنيات كتابة البورتري، أنّ كاتب البورتري، يجب عليه أن يجذب القارئ من السطر الأوّل إلى آخره، وهذا عن طريق اعتماد أسلوب مشوّق، علاوة على تمكّنه من استعمال المعاني العميقة التي تترك أثرا خالدا في المتلقى.
كما أكّد قرين على ذاتية تأليف هذا النوع من الكتابة، مضيفا أنّ لا موضوعية في كتابة البورتري، بل هو عبارة عن صورة لحظة ما، أبعد من ذلك فقد يكون الكاتب ظالما للشخصية التي يكتب عنها، علاوة على إمكانية تلقيه الكثير من الإنتقادات من طرف القرّاء حول ما يكتبه عن الشخصيات، وهو ما يراه قرين عاديا، وحدث له أكثر من مرّة، مقدّما مثالا عن ذلك في كتابته لبورتري عن الرئيس الراحل أحمد بن بلة، حيث تلقى إيميلات نقدية في هذا الصدد.
واعتبر كاتب ''الصلاة الأخيرة'' أن هناك من انتقد مقاله حول بن بلة، بحجة أنّه كان لطيفا في كتابته هذه، مضيفا أنّنا نعيش في مجتمع محافظ يجبرنا أحيانا على أن نبتعد عن كلّ ضوضاء، بيد أنّه كتب بأسلوب لاذع حول عزوز بقاق (الوزير الأسبق الفرنسي)، بالمقابل اعتبر الكاتب أنّ تخصّصه في كتابة البورتري يعود أيضا إلى حياديته في هذا المجال من الكتابة، عكس بعض الأعمال التي يشعر أنّه يسبح في أعماقها.
وفي هذا الصدد، قال قرين أنّه توقّف عن كتابة عمل حول شخصية واقعية من منطقة بن طلحة منذ الخامس من شهر جويلية من السنة الفارطة، وهذا لشدّة وقع الأحداث عليه، مضيفا أنّه يدرك أحداث رواياته قبل أن يكتبها، رغم أنه أحيانا تهرب شخصيات أعماله من قدرها المحتوم، وتقرّر مسارها في الرواية، مثلما حدث مع شخصية حواس في رواية ''الصلاة الأخيرة''.
وعاد قرين إلى البورتري الذي كتبه عن اللاعب الشهير لخضر بلومي، والذي حقّق مبيعات تفوق عشرين ألف نسخة، وقال إنّ هذا العمل تطلّب منه الكثير من الجهود، بداية بمحاولة كسب رضا وثقة بلومي لكي يقبل بأن يخصّص كتاب عن حياته، ومن ثم البحث عن تفاصيل مشواره في الرياضة وميادين أخرى، وهذا من خلال إجراء حوار مطوّل معه، وكذا الاتصال والالتقاء بمحبيه ومعارفه.
وأضاف قرين أنّ كتابة بورتري عن بلومي لم يكن بالأمر السهل، خاصة أنّ هذا اللاعب معروف بصمته وانزوائه عن الآخرين، إلاّ أنّ مؤلّف ''كامو في النرجيلة'' صمّم على كتابة مؤلّف حول هذا اللاعب، هذا الأخير الذي مدحه مخلوفي، وقال إنّه خليفته، فكانت البداية من المكتبة الوطنية، حيث مكث ستة أشهر في البحث عن المعلومات اللازمة.
وتمكّن قرين من إنشاء هيكل عظمي للبورتري المنشود، ليقوم بعدها بوضع اللحم عليه، أي شحنه بما يجب، وهكذا تنقّل إلى معسكر ووهران والتقى بأقارب الرياضي، ومن بينهم جدته وزوجته، ليجد نفسه بعدها وجها لوجه مع بلومي، وتتضاعف الصعوبات، فبلومي لا يحبّ الحديث وذاكرته ضعيفة، ويقدّم في الكثير من الأحيان أجوبة متناقضة، إلاّ أنّ نتيجة هذا العمل كانت مؤلّفا حقّق مبيعات باهرة.
للإشارة، سيصدر لقرين كتاب يضم بورتريهات كتبها في جريدة ''ليبرتي''، وهذا شهر سبتمبر المقبل، كما صدر للكاتب العديد من المؤلّفات التي لقيت نجاحا جماهيريا، ومن بينها ''ليلة حناء'' و''مقهى جيد''، ''كامو في النرجيلة'' و''الحياة على رؤوس الأصابع''، علاوة على بورتريهات كثيرة كتبها في مؤلفات ومقالات صحفية.
رشيد بليل باحث جزائري مختص في علم الاجتماع ومتحصل على دكتوراه عن بحثه ''التغيّر الاجتماعي''، كتب العديد من المؤلفات من بينها '' تحوّلات التوارق''، ''نصوص زناتية من القورارة'' و''قصور قورارة وأولياؤها الصالحون في المأثور الشفاهي والمناقب والأخبار المحلية''، حاليا يعمل كباحث دائم في المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، كما تخصّص في تراث أهل القورارة الذي صنّف في قائمة التراث الثقافي غير المادي باليونسكو...''المساء'' التقت الدكتور بليل بتمنراست وطرحت عليه جملة من الأسئلة حول التراث غير المادي بصفة عامة وذلك الذي يتعلق بالتوارق بصفة أدق.
- أعلنت على هامش الدورة الثانية لمهرجان فنون الاهقار (تمنراست) السنة الماضية عن ميلاد مشروع يتعلّق بعملية جرد التراث غير المادي عبر أرجاء الوطن، إلى أين وصل هذا المشروع؟
* حسب علمي أوكلت مهمة جرد التراث غير المادي للمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، وقيل لي أنّ العملية انطلقت السنة الماضية، أمّا عني، ففعلا تحدّثت عن هذا الموضوع في الدورة الثانية لمهرجان فنون الأهقار، إلاّ أنّني لست مسؤولا عن هذا المشروع بيد أنّه يمكن لي أن أشارك فيه بصدر رحب.
بالمقابل، سيهتم الديوان الوطني لحظيرة الأهقار بتجسيد هذه العملية على أرض الواقع بتمنراست بحيث يضمّ موظفين موزّعين على بقاع الولاية رغم وجود صعوبات حالت في الوقت الراهن دون تحقيق عملية الجرد، من أهمّها تكوين أشخاص يقومون بجمع المعلومات حول التراث غير المادي، وأرجو أن يتم حلّ هذا المشكل قريبا، فمن الضروري مثلا تنظيم اجتماعات هذه السنة لشرح عملية الجرد وكيفية تطبيقها وأعتقد أيضا أنّ الديوان الوطني لحظيرة الأهقار سيتعاون مع الجمعيات وأطراف أخرى من المجتمع لتجسيد هذا المشروع ولكن لغاية اللحظة لم يحدث شيء في تمنراست.
ما يمكن قوله أيضا هو وجود تسجيلات على مستوى الإذاعة المحلية حول التراث غير المادي، إلاّ أنّني أكرّر أنّ المشكل الأوّل يتمثّل في جمع المعلومات ووضعها في فضاء واحد وأرى أنّ الديوان هو أحسن فضاء يمكن أن يحتضن كل ما يتعلّق بالتراث غير المادي للمنطقة وأضيف أنّه يجب أيضا تصنيف كلّ ما يمكن جمعه حول التراث غير المادي وإلاّ لما استفدنا من شيء، وأؤكّد مرة أخرى ضرورة التكوين في هذا المجال حتى نجسّد هذا المشروع فنحن نعرف تماما الأشخاص الذين يحملون في ذاكرتهم القصص والأشعار إلا أنه غيرها فما علينا إلا أن نستغل ذلك.
- هل يمكن أن نعتبر أنّ التراث الثقافي غير المادي للتوارق هو الأكثر عرضة للزوال في البلد؟
* لا يمكن أن نقول ذلك، صحيح أنّ من بين ما يميّز ثقافة التوارق، كونها في أغلبها عبارة عن ثقافة الرّحل التي تعاني من اضمحلال كبير إلاّ أنّ ذلك لا يعنيها بصفة خاصة، بل يمسّ كلّ ثقافات الرحل في كل البلد أمام طغيان التمدّن والتطوّر السريع للاقتصاد، فأغلبية التوارق تخلوا عن هذا الأسلوب في العيش إلاّ أنّه ومع ذلك يدركون أهمية تراثهم غير المادي والدليل أنّهم يسجّلونه ويبرزونه أمام الآخرين.
- ولكن كيف نحافظ على هذا التراث المهدد بالزوال؟
* الحفاظ على التراث المهدّد بالزوال معضلة حقيقية، لنتكلمّ عن آلة الإمزاد (أداة أحادية الوتر تعزف عليها نساء التوارق فقط)، التي يعتبرها التوارق روحهم وربما أحسن ما يمثّلهم، وفي هذا السياق اقترحت وزارة الثقافة تسجيله في اليونسكو وعندما نحاول تسجيل عنصر مهدّد بالزوال تتبعه دائما عملية حفظ، إلا أنّه حسب علمي لم تتّخذ إجراءات لحفظ الامزاد، بالمقابل هناك جمعية إمزاد ترأسها السيّدة سلال التي أنشأت ''دار الإمزاد'' وعليها أن تحافظ على هذه الآلة فبالنسبة لليونسكو لا توكل مهمة الحفظ وحماية التراث للدولة فقط بل هي أيضا مهمة الجمعيات والأفراد والمجتمع.
- حسنا لماذا تحتاج الدولة الجزائرية لليونسكو لحفظ وحماية تراثها؟ هل يعود ذلك لحاجتها لاعتراف الغير بكنوزها أم للحصول على مساعدات مالية؟
* اليونسكو مهمتها حماية التراث الثقافي المادي وأدرج ومنذ سنة 2003 غير المادي أيضا وهذا على المستوى الدولي والدول جميعها أدركت ضرورة المرور عبر اليونسكو للتعريف بتراثها ومع الأسف تحتل الدول الإفريقية ذيل الترتيب في تصنيف تراثها باليونسكو رغم توفّرها على كنوز تراثية كبيرة، أيضا يطالب الخبراء باليونسكو من الدول، القيام بعملية جرد للتراث غير المادي على المستوى الوطني حتى يتمّ التعرّف على كلّ عناصر التراث ومن ثم تصنيفه فمثلا آلة الإمزاد يجب أن تحمل ملصقة تعرّف بها، وفي هذا السياق قامت وزارة الثقافة بأوّل خطوة في هذا المجال من خلال برمجة عملية جرد للتراث الثقافي غير المادي، هذه العملية التي لا يعرف لها نهاية وحدود أي يمكننا كشف عناصر جديدة فيما يتعلّق بالتراث.
هناك أيضا عامل آخر في غاية الأهمية وهو استغلال كل المعرفة التي يحملها أشخاص معيّنون وأقصد بذلك الذين يحملون في ذاكرتهم التراث غير المادي المحلي والمعروفون من طرف السلطات المحلية والمجتمع بصفة عامة ولهذا فدور الديوان الوطني لحظيرة الأهقار مهم جدا فهو يتوفّر على موظّفين في كلّ أرجاء تمنراست ينتمون إلى هذه المنطقة ويعرفون كل سكانها.
- ولكن في الكثير من الأحيان نهتم بتراثنا لأنّه مصنّف من طرف اليونسكو بيد أنّنا لم نكن تهتم به قبل ذلك؟
* أجل فمنذ عشر إلى خمسة عشرة سنة، لم يكن بعض من التراث غير المادي مهما حسب المحليين أنفسهم فاعتبر جزءا من الماضي تمّ تجاوزه، إلاّ أنّه عند تصنيفه من طرف اليونسكو أصبح مهما، لهذا أقول أنّ تصنيف اليونسكو لتراثنا مهم جدا وقد ينقذه من الزوال..نعم أحيانا نبحث عن الاعتراف من الغير حتى ندرك أهميتنا..مع الأسف.
- اشتكى بعض التوارق من انحصار الاهتمام بثقافتهم في إطار لا يخرج عن الفلكلور مثل اللباس والرقص، فأين هو عمق ثقافة التوارق؟
* الثقافة بعمقها هي تلك التي تتناول ما يحدث في الحياة اليومية مثلا تتطرّق إلى حياة البدو الرحل في تمنراست، فتتناول تقاليد الرعي هناك كإيجاد المناطق الصالحة للرعي وتوالد الحيوانات وغيرها، وهذا العنصر من الثقافة ليس استعراضيا بل هو في صميم الحياة اليومية للترقي، إلاّ أنّه في حال تنظيم مهرجان على أرضهم، يحب الترقي أن يظهر بأجمل حلّة ويستعرض بعضا من تراثه مثل آلة الإمزاد، وهو عبارة عن واجهة يعرضها على العامة، واجهة جميلة تبرز وجها من ثقافة الأهقار التي تعرض في التظاهرات المختلفة، أعترف أنّ لديهم الحق في أنّ الكثيرين لا يعرفون أكثر من ذلك عن التوارق ولهذا يجب على الباحث والصحفي وكل من أراد أن يعرف كلّ واجهات الثقافة الترقية، أن يتغلغل في الحياة اليومية للتوارق أي أن يستقر معهم لمدة زمنية قد تصل إلى أشهر وهنا يمكن أن يكتشف الكثير عنهم.
- عرفت الدورة الثالثة لمهرجان فنون الأهقار تراجعا من حيث إقبال الجمهور، بصفتكم عضوا في لجنة تنظيم هذا الحدث، كيف تفسرون ذلك؟
* هذا صحيح وأعتقد أنّ المشكل الكبير الذي واكب تنظيم هذه الدورة من المهرجان يمكن في تزامنه مع تنظيم تظاهرة كبيرة وهي مهرجان الجمل الذي عرف إقبالا كبيرا من الجمهور وهو دليل على حب التمنراستيين للجمل رغم أن أغلبتهم يعيشون في المدينة.
- هل تعتقد حقا أنّ هذا المهرجان يمثّل فنون الأهقار؟
* المهرجان الدولي لفنون الأهقار لا يمكن له أن يمثّل كلّ فنون هذه المنطقة فهو عبارة عن حدث سنوي وواجهة تعرض فيها عناصر من التراث الثقافي المادي وغير المادي أما إذا أردنا أن نتعرّف على أوجه ثقافة التوارق بأجمعها فيجب كما ذكرت سابقا العيش مع التوارق لمدة زمنية معينة والاحتكاك بهم
نظمت مؤخرا مديرية السياحة والصناعات التقليدية لولاية ميلة، أياما مفتوحة على قطاع السياحة والصناعات التقليدية، بدار الصناعات التقليدية والحرف، تحث شعار آفاق التشغيل في قطاع السياحة بالولاية، وقد شارك العديد من العارضين والفاعلين في مجال الحرف التقليدية، والمتعاملين في القطاع السياحي من وكالات سياحية، ومؤسسات حموية وفندقية بالولاية، وأوضح مسؤول عن تنظيم هذه الأبواب، أن هذه المبادرة تدخل ضمن خلق فضاء لاستقطاب الشباب وتوفير شروط الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، من خلال تقديم كل التسهيلات الضرورية والتحفيزات الموجهة للاستثمار الشباني.
وستكون هذه المناسبة فضاء من أجل دفع هذا القطاع الحيوي للتوسع، خاصة أن ولاية ميلة تعتزم تطوير النشاط السياحي على ضفاف سد بني هارون، من خلال خلق مؤسسات سياحية، فندقية وحرفية لامتصاص البطالة وتحفيز المستثمرين، لاستغلال هذا الصرح بما يخدم التوجهات العامة لتطوير القطاع الذي بدأ يعرف انتعاشا، بفضل تخصيص مناطق التوسع السياحي المقترحة بمختلف أرجاء الولاية. وللإشارة، فقد شارك في المعرض العديد من المتعاملين في المجال السياحي والصناعات الحرفية، حيث تم عرض مختلف الصناعات الحرفية التي تزخر بها الولاية، لاسيما صناعة الأواني الخشبية التي تشتهر بها مشتة درع طبال ببلدية عين ملوك، ذات الجذور العريقة. وأكد السيد بن عليلش عبد العالي، أحد الحرفين المشاركين في المعرض، أن هذه الحرفة ورثناها أبا عن جد، حيث كان أجدادنا يمارسونها بمنطقة الشحنة، بولاية جيجل، وبسب الاضطهاد الاستعماري، رحلت قصريا العديد من العائلات، ومنها عائلة بن عليلش، فرطاس يسعد وبلعايب إلى مشتة درع طبال المعزولة آنذاك، من أجل الاستقرار وكسب لقمة العيش، فاحترفوا هذه الحرفة المتوارثة عن أسلافهم، وكانت في بداية الأمر تمارس بوسائل تقليدية بسيطة، لكن مع مرور الوقت، تطورت هذه الصناعة بوجود ماكينات آلية ووسائل جد متطورة، تم إقحامها في مراحل صناعة الأواني الخشبية، لكن يضيف محدثنا، نعاني اليوم من مشكل نقص المادة الأولية بالولاية، كأشجار الدردار، الصفصاف والصنوبر الحلبي، والتي أصبحت صعبة المنال وتعتبر من المواد الأساسية في صناعة الأواني الخشبية بمختلف أنواعها من أطباق، معالق وقصع.
ويرجع هذا -حسب محدثنا- إلى وجود قوانين تحمي قطع الأشجار وتعاقب كل من يريد العبث واختراق هذه الإجراءات التي وضعت لحماية البيئة والمحيط، وعن سؤالنا حول كيفية حصول الحرفي على هذه المادة، أجابنا قائلا؛ إن أغلب الحرفين يقومون بشرائها من بعض المقاولين الذين لديهم بعض المشاريع الغابية بالولاية، وهذا حسب رأيه، لا يكف ولا يلبي الطلبات المتزايدة لهذه المواد، لزيادة الإنتاج وتحسين المردود، وننتظر -يواصل محدثنا- من السلطات المختصة إيجاد طرق قانونية لمساعدة الحرفي على الاستمرار في هذه الحرفة التي أصبحت آيلة للزوال، إذا لم نقم بدعمها، فبعدما كان عدد الحرفين بمشتة درع طبال يفوق 80 حرفيا، تراجع عددهم الآن إلى 10 فقط، حيث قام أغلبهم بتحويل حرفتهم إلى تجارة أخرى، وهذه خسارة كبيرة للصناعات التقليدية بالولاية.
كما نوه محدثنا -خلال حديثه أيضا- إلى الإجراءات الأخيرة المتخذة من طرف الدولة، خاصة في مساعدة هؤلاء الحرفين ببعض القروض البنكية، وهذه عملية استحسنها الكثير من الحرفين، لكن يبق مشكل المادة الأساسية في صناعة الأواني الخشبية، ما يؤرق أغلبهم وما يعكر صفوهم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : مقراني محمد الصادق
المصدر : www.el-massa.com