شهد التاريخ البشري قصص نجاحات تلهم كثيرين، ولعل أكثر هذه القصص تأثيرا تلك التي تتعلق بأشخاص عانوا من صعوبات لكنهم تحدوها ووقفوا أمام كل المعوقات التي واجهوها، لأنهم يؤمنون بأنهم يستطيعون تحقيق أفضل الإنجازات، وهذا ما أثبتته قصص لبعض هؤلاء الأشخاص الذين تركوا أثرا كبيرا على الحياة رغم إعاقاتهم المختلفة.موليير .. اسم باعث على البهجة'!' تعلو الابتسامات على الوجوه بمجرد ذكره'!' إنه جان باتيست بوكلان''، المعروف ب'"موليير"، الذي أصيب بالسل ورافقه المرض لسنوات لم يمنعه خلالها أبدا لا عن الكتابة ولا عن التمثيل والإخراج المسرحي. ولد جان باتيست بوكلان، الشهير ب«موليير" في قلب باريس عام 1622، كان بشع الخلقة منذ صباه. وعندما تقدمت به السن، وأصبح مشهورا، وصفه أحدهم قائلا: "كان موليير جدّيا له وجه كئيب، وابتسامة مريحة، لكنها شاردة إلى حدّ ما. وكان بشعا بشكل واضح جلي. فأنفه ضخم، وشفتاه غليظتان، وحاجباه كثان وشديدا السواد، وله لحية، وشاربان ينزلان إلى الأسفل. وكان ضخم الجثة، غير أن ساقيه كانتا قصيرتين، وكان عنقه قصيرا أيضا. وكان رأسه المغروس بين كتفيه يمنحه شكلا غير مستحب، لكنه شكل مرغوب فيه في المسرح الكوميدي والفكاهي". وكان والد موليير تاجرا غنيا مختصا في بيع الفرش والبسط والنجود. وعند بلوغه سن العاشرة توفيت والدته، فتزوج والده من امرأة ثانية غير أنها ما لبثت أن توفيت أيضا. وبعد تخرجه من معهد "كلارمون" اليسوعي الذي كان يتردد عليه أبناء الطبقة الارستقراطية، انتسب موليير إلى الجامعة ليدرس الإنسانيات، والفلسفة والحقوق. وكان طالبا مجدا، يتميز بذكاء خارق لفت إليه انتباه أساتذته وزملائه في الدراسة. وبعد إحرازه على الشهادة العليا في الحقوق، عمل محاميا، وأخذ يتردد على المحاكم لكن من دون إبداء أي حماس للمهنة. لذا لم يلبث أن تركها ليعيش حياة لا يعلم عنها كتاب سيرته إلا الشيء القليل. وقد يكون اختلط في هذه الفترة بأبناء البورجوازية المتطلعين إلى الأفكار الجديدة، والمنتقدين للكنيسة.'
وفي عام 1637، ظهر موليير من جديد، مساعدا لوالده التاجر الثري. والشيء المؤكد أنه تمكن في هذه الفترة من الدخول إلى القصر الملكي. بل أنه رافق الملك الشاب لويس الرابع عشر في الرحلة التي قام بها إلى"ناربون" عام 1642 مكلفا بإعداد فراشه كل ليلة، والاعتناء به عند نهوضه من النوم. ثم لم يلبث أن انقطع موليير عن هذا العمل أيضا، لينشغل بالمسرح الذي كان قد فتن به وهو لا يزال صبيا صغيرا يصحب جده لمشاهدة العروض المسرحية التي تقدم في مسارح باريس العريقة. وقد بدأ يبيع الجزء الذي حصل عليه من ميراث والدته ليصبح مشرفا على مسرح كانت تشرف عليه عائلة "بيجار" ويدعى "المسرح المجيد". وهناك تعلم أشياء كثيرة، وأصبح يتمتع بقدرات كبيرة في مجال التمثيل.'
غير أن الفشل كان بالمرصاد لفرقة "المسرح المجيد". فكان على موليير أن يستدين لينقذ نفسه من السجن وذلك عام 1644. وأما السيدة "بيجار" الصهباء فقد كادت تبيع بيتها لتعيد للدائنين المبالغ التي اقترضتها منهم.'
مع ذلك، ظل موليير مفتونا بالمسرح، مؤمنا أكثر من أي وقت مضى بأنه المجال الوحيد الذي يمكن أن يساعده على أن يعطى لحياته معنى، وهدفا ساميا. وفي تلك السنوات الصعبة التي كان يعيشها، قام مع رفاقه القدامى في "المسرح المجيد" بأعداد مسرحيات تراجيدية قديمة لم تسمح لهم بالحصول على المال، لكنها ساعدتهم على البقاء في قلب العالم الذي اختاروا العيش فيه، أي عالم المسرح. وبعد جولة في المحافظات الداخلية، عاد موليير وزملاؤه إلى باريس.'
وهناك قدموا عرضا أمام الملك لويس الرابع عشر. وفي هذا العرض، أبرز موليير قدرته الفائقة في مجال الفكاهة حتى أن الملك قهقه أكثر من مرة. وعقب هذا العرض، بدأ موليير يرتقي سلم الشهرة بسرعة ومن دون أن تعترضه عراقيل أو صعوبات معنوية كانت أم مادية.'
وكانت مسرحية "الطائش" هي الأولى التي كتبها موليير. وقد حقق بها نجاحا لفت إليه انتباه أحباء المسرح الذين ظلوا يضحكون على مدى ثلاثة أشهر. غير أن النجاح الكبير تحقق مع "المتحذلقات المضحكات". بعدها أصبح موليير نجما ساطعا في مسارح باريس، وفي صالوناتها ونواديها الرفيعة التي يرتادها علية القوم.''وكان موليير قد أصيب بالسل ورافقه المرض لسنوات لم يمنعه خلالها أبدا لا عن الكتابة ولا عن التمثيل والإخراج المسرحي. وفي مساء17 فبراير1673، كان موليير على خشبة المسرح لتقديم عمله الممتع"المريض الوهمي"، فاعترته وعكة صحية كبيرة أثناء العرض مات على إثرها بعد انتهاء العرض مباشرة، وفي رواية أخرى قيل إنه سقط صريعا على خشبة المسرح ومات أمام جمهوره الضاحك الذي عشقه ومازال يعشقه ويعشق كل أعماله.
تاريخ الإضافة : 15/11/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الجزائر نيوز
المصدر : www.djazairnews.info