الجزائر

موعد مع الشرف



لا يختلف اثنان على أن المواعيد الانتخابية القادمة في الجزائر لن تكون كسابقاتها، بالنظر إلى المتغيرات التي شهدها العالم منذ بداية 2011 وسيشهدها في القادم من الشهور، فالربيع العربي جاء ليقلب رقعة الشطرنج على طغاة نجحوا خلال عقود في إقناعنا بأنهم صاروا من سنن الدنيا التي لا تغيير لها ولا تبديل، شأنهم فيها شأن طلوع الشمس من مشرقها وهطول الأمطار من سمائها، وعواصف الأزمة المالية هبت على العالم لتصدمنا هي الأخرى بضرب مفاهيم اعتقدنا لسنوات طويلة بأنها من المسلمات، فأوروبا التي أمامنا اليوم ليست بذلك العملاق الذي لا يركع وأمريكا ليست بذلك المارد الذي لا ينحني.. من كان يصدق بأن فرنسا وما أدراك ما فرنسا مهددة اليوم بالإفلاس وبالاختناق تحت جبل من ديون بلغت 1700 مليار أورو، وبأن احتياطيات الجزائر في نفس اليوم بلغت 200 مليار أورو؟.. أما الأحداث الأخيرة ففتحت أعيننا على حقيقة أن الإعلام في حرب الخليج الأولى اعتمد على مبدأ احتكار الخبر، أما الإعلام اليوم فصار يعتمد على مبدأ ''تطويع'' الخبر.
كل هذه المستجدات تجعلنا لا محالة نجزم بأن تشريعيات 2012 لن تكون عادية، وبغض النظر عن مدى نزاهتها ونظافتها وصدق نوايا المشرفين عليها، فإن الأهم في هذا المنعرج الخطير هو أن تفيق أحزاب الجزائر من سكرتها وأن تعود إلى رشدها وأن تثور لتتحرر من أغلال آسرها.. على هذه الأحزاب التي تورمت من فرط الأكل والشرب والنوم، أن تدرك اليوم بأن المواطن الجزائري نسي برامجها ومبادئها وأهدافها ومرجعياتها، وبأنه لم يعد يفرق بين يسارها ويمينها ووسطها، وبين إسلامييها وعلمانييها، وبين معارضتها وموالاتها، بين الحلفاء والأعداء، فوجوه هذه التشكيلات فقدت الكثير من ملامحها بعد عقدين من القبح السياسي، حتى أن ''الزوالي'' المسكين لم يعد يرى منها إلا ما يراه الزبون من ساكنة البيت المشبوه.
مطلوب من هذه الأحزاب أن تتوقف عن معارضة بعضها.. مطلوب منها أن تعيد تقديم نفسها للرأي العام، أن تكشف من جديد عن رؤاها في السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والعلاقة مع العالم.. أن تنفض الغبار عن توجهاتها الإيديولوجية.
ليس عيبا، بالمنطق الميكيافيلي، أن تسعى السلطة إلى استغلال المواعيد الانتخابية القادمة من أجل إغراء الغرب بمحاسن اصطناعية، لكن العيب، وبنفس المنطق الميكيافيلي، هو عدم استغلال هذه الأحزاب نفس المواعيد لإقناع الشعب بأن تنازلها عن الشرف لم يبلغ حد فقدان العذرية.


Mouhben2002@yahoo.fr




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)