تعد الأزمة الليبية من بين أكثر الأزمات والقضايا تعقيدا التي واجهتها الجزائر، بفعل تعقيداتها السياسية والإقليمية، ودخول أطراف أجنبية ودولية على الخط المباشر للأزمة ، وبروز مطامح اقتصادية أجنبية تستهدف ثروات المنطقة، إضافة إلى الحسابات الإستراتيجية المرتبطة بالمستقبل.
تجمع كل القوى السياسية والآراء المراقبة للمواقف التي طرحتها الجزائر بشأن الأزمة الليبية، على أن هناك إخفاقا كبيرا للسلطات الجزائرية على صعيد قراءة ومعالجة معطيات الأزمة الليبية، وتقدير التوقعات المستقبلية. وكان واضحا أن المواقف التي أعلنت عنها الجزائر منذ بدء الأزمة في ليبيا في 17 فيفري الماضي، كانت تفتقر إلى الدقة وتجنح إلى معالجة أمنية لتطورات الوضع في ليبيا، ركزت في الغالب على مسألة منع تهريب ووصول السلاح إلى قاعدة المغرب الإسلامي، وأهملت جوانب سياسية وإستراتيجية مستقبلية سيكون لها بالغ الأثر على الجزائر إقليميا.
فمنذ بداية ثورة الثوار على نظام القذافي نهاية فيفري الماضي ، كان الموقف الجزائري غامضا، ومغلفا بالاستمساك بمبادىء عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وكانت الجزائر وسوريا الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان عارضتا في 19 مارس الماضي، قرار مجلس جامعة الدول العربية القاضي باقتراح فرض حظر جوي على ليبيا لمنع القذافي من استعمال الطائرات ضد المدنيين. ورفضت الجزائر تدخل قوات الناتو وقصفه للمنشآت المدنية والعسكرية في ليبيا، كما رفضت الدخول في أي اتصالات مع الثوار ومع الهيئة السياسية الممثلة لهم، المجلس الوطني الانتقالي، مثل عديد من الدول، ولو على سبيل الاقتراب من أطراف الأزمة الليبية.
وخارج كل هذه الحسابات، لم تقدم الجزائر، برغم ثقلها السياسي في المنطقة، على أي مبادرة سياسية في اتجاه المساهمة في حل الأزمة الليبية، بل على العكس نجحت الأطراف أجنبية وليبية، سواء تلك المدفوعة بقدرة دافع، أو تلك التي تتحدث عن معطيات واقعية ، في استدراج الجزائر إلى فخ رد الفعل ، والوقوف عند خط الدفاع السياسي عن موقفها، منذ بدأت الاتهامات تكال للجزائر، مرة بتوريد مرتزقة إلى ليبيا وإرسالهم للقتال لصالح القذافي ضد الثوار، ومرة بتمرير شحنات أسلحة لصالح كتائب القذافي، ومرة ثالثة ببيع وتهريب الوقود والمواد الغذائية إلى القذافي، ومن بين ردود الفعل، سلسلة من البيانات التي تكذب قصة المرتزقة، وخوض سجال مع المغرب الذي اتهمته الجزائر بالوقوف وراء القصة ، وكذا الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي حول المرتزقة.
كما انشغلت الجزائر بشكل خاص بالتحذير من تسلل عناصر من القاعدة من وإلى الجزائر، عبر الحدود مع ليبيا، ومنع القاعدة من وضع يدها على كميات من الأسلحة المنتشرة في ليبيا، ودفعت بأعداد إضافية من الجيش وحرس الحدود إلى الحدود مع ليبيا.
وفي هذه الظروف تخلت الجزائر تماما عن أي فعل سياسي، إزاء صراع مسلح يجري على مقربة من حدودها ، وحاولت الانخراط في الجهد الإنساني، وفتحت حدودها وأقامت مخيمات لاستقبال النازحين، وقامت بالمساعدة في ترحيلهم، لكنها بدت للعالم أنها غير متحمسة لذلك، ولهذا لم يرد اسم الجزائر على لائحة الدولة التي قدمت لها الـأمم المتحدة وهيئة إغاثة اللاجئين الشكر لدعمها للجهود الإغاثية.
ولم تكن كثير من الأحزاب السياسية الجزائرية والفعاليات المدنية والمثقفين، راضين عن الموقف الجزائري البعيد عن الحراك الدولي، وانتقدوا بطء حركة وزارة الخارجية، والمواقف الرسمية المعلنة ، ما دفع هذه الفعاليات إلى الاتصال بالثوار الليبيين، وإصدار مواقف تدعم مسعى خلع القذافي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/08/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: عثمان لحياني
المصدر : www.elkhabar.com