الجزائر

مهدي جمعة يستلم مهامه اليوم



مهدي جمعة يستلم مهامه اليوم
يشرع مهدي جمعة اليوم في مهامه كوزير أول جديد في تونس، خلفا لسابقه علي العريض، الذي قدّم استقالته من منصبه نهاية الأسبوع ضمن ترتيبات تمت بين مختلف القوى الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، فاتحا المجال أمام تشكيل طاقم تكنوقراطي يحظى بموافقة المجلس التأسيسي. تمكنت الأحزاب التونسية أخيرا من وضع قاطرة الإقلاع السياسي على سكتها الصحيحة هذه المرة، عندما اجتازت أهم العراقيل التي حالت دون انطلاقتها الصيف الماضي، بعد أن توصلت إلى أرضية توافقية حول مرجعيات التشريع في الدستور الجديد وماهية الدولة التونسية وكذا صفة النظام المدني ودولة القانون.وشكلت كل هذه المسائل عقبة حقيقية كادت أن تهوي بتونس في متاهة الفرقة والشقاق السياسي، الذي عصف بدول عربية أخرى في مثل وضعها.وبدا واضحا منذ البداية أن حركة النهضة ومعها أحزاب الائتلاف الرئاسي الحاكم، أظهرت ليونة واضحة في موقفها بخصوص قضايا جوهرية تدخل في صلب عقيدتها الحزبية، وخاصة ما تعلّق بمكانة الإسلام وحتى دور المرأة ومكانتها في مجتمع إسلامي محافظ. حركة النهضة في أول تجربة لها على رأس الدولة التونسية، كانت تريد تجنيب البلاد فوضى كارثية بدأت مؤشراتها تلوح في الأفق، من خلال مظاهرات واعتصامات واحتجاجات شعبية متواصلة، زادها غموضا ظهور أولى البؤر الإرهابية التي كانت تونس في منأى عنها إلى وقت قريب.وتكون تونس بهذا الإنجاز السياسي، أول بلد عرف رياح الربيع العربي يتمكن من الصمود أمام أهوالها ولو بصعوبة، واصلا إلى بر الأمان السياسي.والحقيقة أن حركة النهضة لم يكن لها من خيار آخر سوى تقديم هذه التنازلات بعد أن قرأت الأحداث بعين متبصرة، واقتنعت بأن التمسك بموقفها الرافض لأي تنازل بحكم موقعها كقوة سياسية أولى في البلاد، لن ينفعها في شيء، في بلد يعرف مرحلة مخاض عسير، لا أحد بإمكانه توقّع ما يخفيه من مفاجآت.فلم يسبق لأي حزب سياسي فاز بالأغلبية وقبِل بالتنازل عن مكانته وانسحب من السلطة طواعية رغم انعكاسات ذلك على منتسبيه، الذين سيعتبرون ذلك بمثابة تخاذل أمام قوى سياسية أقل وزنا ولا تأثير لها في أوساط المجتمع التونسي.وتأكد أن قيادة النهضة عندما رأت ضرورة تقديم هذه التضحية السياسية لتفادي دخول البلاد في منزلق اللاستقرار، ولكنها بنظرة استشرافية رأت أن ذلك سيكون بمثابة استثمار سياسي مستقبلي؛ على اعتبار أن قرارا بمثل هذه الشجاعة يُكسبها مزيدا من الشعبية؛ تحسبا للمواعيد الانتخابية القادمة.فقد كان بإمكان الغنوشي أو جناح في حركته، أن يرفض فكرة التنحي المسبق التي قبلتها، ولا يهمها الاتجاه الذي تتخذه سفينة تونس ما بعد ثورة الياسمين، التي أكدت كل المعطيات أن التبحّر في بحر متلاطمة أمواجه لكثرة ربابنتها، كل واحد يدّعي أنه أحسنهم مع أن الجميع لا يدرك أنه سائر باتجاه الغرق المحتوم.والمؤكد أن مهدي جمعة الذي سيخلف الوزير الأول "النهضوي" علي العريض على رأس الحكومة التونسية، سيجد الأجواء السياسية على الأقل مهيَّأة لقيادة سفينة الإنقاذ لوحده، بعيدا عن أية تأثيرات سياسية؛ على اعتبار أن كل من سيختارهم من وزراء حكومته سيكونون من التكنوقراط، الذين لا لون سياسي لهم، وهو الشرط الذي وضعته كل القوى السياسية من أجل الخروج من المرحلة الانتقالية بتنظيم انتخابات رئاسية العام الجاري.ولكن الوافد الجديد على قصر الحكومة التونسية مطالَب مقابل ذلك، بنزع فتيل تململ اجتماعي ما انفك يتفاعل على نار هادئة، بعد أن عجزت كل الحكومات السابقة عن الإيفاء بوعودها؛ بوضع الاقتصاد التونسي على سكته العامل، الكفيل بامتصاص درجة تذمّر ما انفكت تتزايد طيلة السنوات الثلاث الأخيرة.فهل سيكون مهدي جمعة الرجل المنقذ الذي سيعيد تونس إلى بر السلامة رغم قلة خبرته وحداثة علاقته بالسياسة وحساباتها؟ ذلك هو التساؤل الذي يطرحه التونسيون في أول يوم منذ مباشرته مهامه.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)