الجزائر

منطقة القبائل الثلوج.. بين قسوة الطبيعة وتقوية أواصر التضامن



منطقة القبائل الثلوج.. بين قسوة الطبيعة وتقوية أواصر التضامن
تتهيأ العائلات بمنطقة القبائل الكبرى خلال فصل الشتاء الجاري، بتوفير متطلبات أفرادها لتتمكن من مواجهة البرد القارص والظروف المناخية الصعبة التي تعرفها المنطقة كتساقط كميات كبيرة من الأمطار والثلوج، غير أن ما يطبع هذه الفترة بالذات، هي روح التعاون والتضامن التي تسود الأفراد، مما يعزز أواصر المحبة والأخوة بينهم ويقضي على الخلافات والمشاحنات.
زائر منطقة القبائل الكبرى، يلاحظ روح التعاون التي لا تزال قائمة بين سكان القرى والمداشر والتي تظهر بشكل واضح في مختلف المناسبات التي يقوم بها السكان، كتشمليث أو تنظيم وعدة، إحياء حفلات زواج، ختان وغيرها، وأكثر من هذا في الأوقات الصعبة التي تعصف بالقرى، خاصة في فصل الشتاء الذي تواجه فيه العائلات قسوة المناخ والطبيعة، حيث تكون القرية كأنها منزل واحد ويسيرها رجل واحد، نظرا للتفاهم الذي يسودها في طريقة تسير الأمور وحل المشاكل وتلبية احتياجات أهلها ليتمكنوا من تجاوز المحنة والبقاء على قيد الحياة، خاصة عندما تسد الثلوج كل الطرق ولا يوجد أي طريق للخروج من القرية لاقتناء المستلزمات من مؤونة وغيرها...
في هذا الشأن، يقول دّا محند أكلي من قرية “تفلكوث” ببلدية ايليلتن الواقعة بجبال جرجرة، أن القرية تعيش في عزلة بمجرد سقوط كميات الثلوج الأولى، غير أن السكان ولكونهم تعودوا على الأمر فإنهم يقومون بتوفير المؤونة وجمع الأغصان للتدفئة وغيرها، لتضمن بذلك العائلات مواجهة البرد إلى حلول الربيع. مضيفا أن العائلات في الشتاء تتعاون مع بعضها البعض أكثر من أي وقت آخر، حيث يكون كل واحد سند للآخر، كأنهم عائلة واحدة، فيتعاون الرجال على فتح طرق القرية التي أغلقتها الثلوج، وكذا نزع الثلوج عن أسطح المنازل لتفادي انهيارها لكثرتها وثقلها، خاصة أن القرويين يحبذون عند إنجاز سكناتهم وضع القرميد الذي يرمز لمنازل منطقة القبائل العتيقة التي تدخل ضمن الهندسة المعمارية الخاصة بهم. ويضيف المتحدث، أن القرية تكون في فصل الشتاء منعزلة عن العالم الخارجي، وأكثر ما يتضرر منه السكان هي الطوارئ المرضية التي يجب إجلاؤها نحو المستشفى، حيث يجد السكان صعوبة في مغادرة القرية بسبب الثلوج، لكنهم بتعاونهم مع بعضهم البعض يسهل إسعاف المريض، وفي هذا الشأن قال دا إكلي، أن السكان سبق لهم أن قاموا بنقل امرأة حامل نحو عيادة التوليد على النعش الذي يقل على متنه الميت لصعوبة المشي وايضا استغلال الأحمرة في أمور مشابهة. مثل هذه الامور تعزز أواصر المحبة والاخوة بين السكان الذين لا يزالون يحتكمون للعقلاء وكبار السن في تسيير أمورهم والشورى في تسيير حياتهم على مدار أيام السنة، كي يضمنوا بذلك حصول كل فرد من القرية على حقوقه كما يبغي، لا سيما ما يتعلق بأشغال وأعمال تهم المصلحة العامة.
ويقول العم ارزقي من بلدية اث زكي ببلدية بوزقان الجبلية “ لقد مررنا في الشتاء الماضي بظروف صعبة لم يسبق للسكان أن عاشوها من قبل، فلقد عانى السكان كثيرا بسبب تساقط الثلوج لما يزيد عن 15 يوما دون توقف واستنفدت كل مدخرات العائلات من مأكل ومشرب ونفد حطب التدفئة كذلك، ما سبب دنو إعلان حالة جوع وعوز كادت أن تودي بسكان القرية إلى الهلاك الجماعي، لكن الحمد لله لا يزال هناك رجال وروح تضامن بين السكان، فقد تجند سكان القرى المجاورة لتوفير المؤونة لنا والدعم المعنوي الذي كنا بحاجة ماسة إليه”. ويواصل فيقول ان القرية استطاعت أن تخرج من محنتها، حيث جمع شباب القرى الأخرى تبرعات المواطنين حسب المستطاع “طعام، أفرشة وأغطية تم توزيعها على المتضررين.. لقد كانت تجربة قاسية وأخذنا منها العبرة، والحمد لله ان الدنيا ما تزال طالما هناك روح التعاون والتضامن”. ويضيف المتحدث، هذا شيء كنا نعتقد انه زال بسبب تغير نمط الحياة والتطورات التي طرأت على الفكر، غير أنه كما يقال تدرك من هو صديقك في وقت الشدة، وفعلا لقد أدركنا انه ورغم التغير الذي طرأ على الحياة بمنطقة القبائل بسبب كثرة المهاجرين ومغادرة أغلبيتهم إلى المدن غير ان السكان متمسكون بالعادات والأصول، خاصة فيما يتعلق بالتعاون ومساعدة الغير في كل الميادين”.
من جهة أخرى، توضح نا فاطمة من قرية توريرث اث منقلات ببلدية عين الحمام، أنه زيادة على توفير الخشب للتدفئة ونظرا لقسوة الشتاء يتم اعتماد أوراق الصبار اليابسة وبقايا الزيتون التي تسمى ب “احبوس” للتدفئة بها، خاصة وان موسم جني الزيتون يتزامن مع حلول فصل الشتاء، حيث يتم جلبها من المعاصر مجانا لاستعمالها كوقود لإضرام النار بالكانون، الذي يجتمع حوله أفراد العائلة والجيران والأقارب أحيانا، حيث يقومون بالزيارات والتنقل من منزل لآخر من أجل أن يمر الوقت وينسوا قسوة الشتاء. مشيرة إلى أن الثلوج، تجمع بين القسوة وتقوية روح التعاون والأخوة، فهي لحظات يجتمع فيها أفراد العائلة الواحدة تحت سقف واحد في أجواء حميمة ودفء عائلي لا يعوض، لتبقى ذكريات جميلة يتذكرها الكل. كذلك يقول حكيم حفيد نا فاطمة “ أننا وبالرغم من المعاناة بسبب قسوة الشتاء، لكن هناك شعور جميل يسود الكل، خاصة باجتماعهم جميعا بمنزل واحد حول الكانون، أو على مائدة الإفطار وهم يسردون حكايات تريح النفس وتنسي مشقة الحياة وبرودة الفصل”. كما يتحدث حكيم عن تضامن الشباب من نوع آخر، ويتعلق بالطوابير أمام محطات نفطال لتعبئة قارورات غاز البوتان لسكان القرية، فرغم برودة الجو والطوابير الطويلة، إلا أن الشباب يحبذون القيام بذلك بكل روح تضامنية وعند عودتهم يقومون بتوزيعها على سكان القرى، لتقوم في اليوم الموالي مجموعة أخرى من الشباب بتعبئتها وهكذا.
هي الظروف القاسية التي دفعت سكان القرى إلى تقوية روح التعاون في نفوسهم والتي أصبحت تطبع تصرفاتهم في كل الظروف، حتى وان لم تكن تتعلق بالطبيعة والمناخ، فالقروي دائما يقف مع أخيه القروي دون أن يطلب منه ذلك، ولعل العمليات التضامنية التي يتجند لها السكان أثناء تسجيل حالات اختطاف أكبر دليل على ذلك. كما أن أي شيء لن يتغلب على عزيمة السكان الذين بفضل حبهم لبعضهم البعض وبفضل تمسكهم بالعادات استطاعوا تربية أجيال متماسكة ومتضامنة، وهي صفات تطبع قرى ومداشر القبائل الكبرى على صفتها وهمتها خير دليل على ذلك، ما يجعلها تختلف عن المدن مهما طرأ عليها من تغير.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)