الجزائر

مناظر طبيعية خلابة وتاريخ عريق



دلس ببومرداسمناظر طبيعية خلابة وتاريخ عريق
حينما تزور مدينة دلّس الساحلية الواقعة على بعد 60 كلم شمال شرق عاصمة ولاية بومرداس لتتجوَّل فيها بعض الوقت تنتابك الدهشة من بقاء المدينة مغمورة مهمشة برغم ما تملكه من مناظر طبيعية خلابة وتاريخ عريق تشهد عليه آثارٌ زاخرة تعود إلى مختلف الحقب التاريخية.
ي. تيشات
يقول المؤرخون إن دلس آوت أكثر من ألف عائلة أندلسية في القرن السابع عشر ففي سنة 1609 أصدر الإسبان قرار الطرد العام للأقلية المسلمة التي بقيت بإسبانيا بعد سقوط الأندلس سنة 1492 ورفضت التحول إلى المسيحية فهاجر المئات إلى دلس وأقاموا بها ومنذ ذلك الوقت ازدهرت عادة غرس الزهور والورود بالمدينة ولا يزال السكان إلى الآن محافظين على هذه العادة الأندلسية.وتتوالى البيوت العثمانية بانتظام إلى غاية الميناء وهناك نقف على حقب تاريخية أخرى تجسدها آثارٌ فينيقية قليلة ولكنها كافية للتدليل على مدى اهتمام الفينيقيين بالبحر وإقامة موانئ تجارية حيثما حلوا في مدن البحر المتوسط ومنها مبنى فينيقي كان يُتَّخذ منارة توقد عليها النار ليلاً كدليل للسفن ويقع المبنى أمام مرسى سيدي عبدالقادر وقد أطلق الفينيقيون على دلس اسم روسوكورو ومعناها رأس الحوت . زار دلس رحالة عديدون أشهرهم الإغريقي بطليموس في القرن الرابع الميلادي وفي الفترة الإسلامية التي تبدأ بفتح موسى بن نصير لها في 707 ميلادية زارها ابن حوقل وابن بطوطة والإدريسي وتكلَّم عنها في كتابه نزهة المشتاق في فصل كتاب الجغرافيا . وفي العهد العثماني زارها الرحالة تيجروتي في أواخر القرن ال 16 وفي أواخر الحكم العثماني للجزائر والذي انتهى سنة 1830 زارها الرحالة الحسين الورتيلاني ودوَّن طرائف رحلته والتقى أحد مصلحيها وهو العلامة أحمد بن عمر التادلسي كما مرَّ بها ابن خلدون وأسماها تادلس ..
موقع ومميزات المدينة
تقع دلس في ظل مدينتين عريقتين هما بجاية شرقا والجزائر غربا لذلك ظلت عبر تاريخها مدينة من الدرجة الثانية غير أن ذلك لم يقلل من دورها التاريخي البارز عبر تعاقب الحقب التاريخية المختلفة بحيث تقع دلس على مرتفع ساحلي (335م) على بعد 100كلم شرق العاصمة واشتهرت بمينائها المحمي من الريا ح الغربية وهو يتوسط مدينتي الجزائر وبجاية كما يصب وادي سيباو الشهير في منطقة القبائل غرب المدينة بحوالي06 كلم.
هذا وقد زارها وذكرها رحالة كثيرن منهم الإدريسي في القرن 12م والحِمْيري في القرن 15م والحسين الورثلاني في القرن 18م والضابط الفرنسي كاريت والرحالة الألماني هاينريش فون مالتسان في القرن 19م ( ثلاث سنوات في شمال غربي افريقيا ترجمة أبو العيد دودو وذكر الحفناوي في كتابه تعريف الخلف برجال السلف أحد اعلامها نقلا عن رحلة الورثلاني المذكورة وهو أحمد بن عمر الدلسي.
وتتميز دلس ببعدها التاريخي وباستقرار مسلمي الأندلس بها فأدوا دورا رائدا في ترقيتها بما حملوه من رصيد حضاري إسلامي ثري كالعلم والعمران والصناعات التقليدية المختلفة ونشروا اللسان العربي بين السكان الأمازيغ. وتشتهر أيضا بأراضيها الخصبة التي يرويها وادي سيباو في جزئها الغربي وبمينائها ذي نشاط متنوع (تجارة وصيد الأسماك). ورغم ذلك فهي منطقة غير مستقطبة لليد العاملة بل طاردة لها نحو مدينة الجزائر بصفة خاصة. وتنقسم المدينة عمرانيا إلى قسمين بارزين: المدينة العريقة تحوي القصبة ذات الدور الجميلة المزينة بالعرائش المعلقة والأزقة الضيقة والمسجد ومقام سيدي سوسان. أما الحي الجديد فقد أنشأه الفرنسيون أسفل المدينة العريقة لم يلبث أن تحول الى مدينة جديدة (1). وكانت خلال فترة الاحتلال الفرنسي تابعة لدائرة تيزي وزو لتصبح في عهد الاستقلال تابعة لولاية تيزي وزو ثم ألحقت بولاية بومرداس بموجب التقسيم الولائي الأخير.
المراحل التاريخية للمدينة
دخلت دلس في التاريخ على يد الفينيقيين الذين أسسوا بها مرفا لممارسة التجارة مع الأهالي سمي روسوكوروس ومعناه رأس السمك. ثم ازدهرت المدينة خلال الفترة الرومانية باسم أديمه ويدل تنوع آثارها على ازدهارها خاصة في عهد الإمبراطور كلوديوس (50 م) كالأعمدة والأواني المنزلية والميداليات وخزانات الماء بسيدي سوسان والفسيفساء والأطلال المختلفة وشيد الرومان طريقا بريا يربطها بمدينة بجاية عبر قرية الجمعة نصهريج العريقة. وتجدر الإشارة إلى أن الفرنسيين قد نهبوا هذه الآثار ونقلوا الكثير منها إلى متحفي الجزائر ولوفر بباريس.
الفترة الإسلامية
تغير اسمها في العهد الإسلامي فصارت تسمى تدلس وارتبطت بالدولة الحمادية ثم انعكست على المدينة الصراعات التي عصفت بالأندلس جراء انقسامها إلى ملوك الطوائف وما انجر عن ذلك من عبور المرابطين إليها في محاولة منهم لإنقاذ الموقف وتم في هذا السياق طرد أمير مدينة ألمرية معز الدولة بن صمادح فاستقر بمدينة دلس وفي عهد الموحدين استولى عليها بنو غانية (علي بن غانية ويحي بن غانية) بدعم من بقايا الحماديين للانتقام من الموحدين الذين قضوا على إمارتهم في جزر البليار وللثأر لأخوالهم المرابطين ثم أصبحت هذه المدينة محل صراع بين الحفصيين والزيانيين.
وتجدرالإشارة إلى أن الأستاذ مولود قاسم قد ذكر أن الإمام محمد البوصيري (1213 - 1295م) المولود بصعيد مصر صاحب قصيدة البردة الشهيرة في المدح النبوي صنهاجي النسب من ناحية دلس.
الفترة العثمانية
وقعت دلس في قبضة الأتراك العثمانيين في سنة (1515 م) وجعلوها قاعدة لهم للانطلاق في جهادهم ضد الاحتلال الاسباني للسواحل الجزائرية ولا شك أن مسلمي الأندلس النازحين إليها قد تجندوا في صفوف قوات الأخوين عروج وخير الدين. وبعد أن استقرت أوضاعهم صارت تتبع دار السلطان كمدن شرشال والقليعة والبليدة أي ما يعادل الدائرة في وقتنا الحالي. وانقسم سكانها إلى قسمين: المستقلون وهم أهل الجبال الذين امتنعوا عن دفع الضرائب وأهل المخزن وهم حلفاء الأتراك أشهرهم عائلة دار حسن التي حلت بالمدينة سنة 1535م وكانت تقيم في حي سيدي يحيى. هذا وقام الأتراك ببناء القصبة العليا وبتحصين المدينة بسور ذي أبواب عديدة تحسبا لهجمات اسبانيا كما قاموا بتوسيع الميناء وتحسن الصيد البحري بفضل بناء سفن جديدة كما شجعوا الفلاحة وازدهرت إلى حد ما الثقافة ومن أشهر شعراء هذه الفترة الشاعر يوسف السنوسي وتجدر الإشارة إلى زيارة الرحالة حسين الورثلاني للمدينة خلال القرن (18م) كما ساعد استتباب الأمن في هذه الفترة على تحسن أوضاع السكان
فترة الاحتلال الفرنسي
احتل الفرنسيون مدينة دلس سنة 1843م وجعلوها قاعدة عسكرية لبسط نفوذهم على منطقة القبائل وعرفت توسعا عمرانيا في ظل سياسة الاستيطان فتم بناء مدينة جديدة في سهلها على النمط الأوروبي ذات منشآت قاعدية واسعة كالطرقات والمدارس والمستشفى والمدرسة الوطنية للفنون والحرف والكنيسة والفندق والمحكمة. وكان الأمير عبد القادر قد زارها سنة 1838م رفقة خليفته أحمد بن سالم وعبد الرحمن الدلسي ونصح أهلها باتخاذ جميع الاحتياطات الضرورية للدفاع عن مدينتهم تحسبا لهجوم فرنسا.
وذكر الكاتبان دوماس و فابار في كتابهما (القبائل الكبرى) الصادر سنة 1847م أن أهل بني ثور وبني سليم كانوا يملكون حوالي (1700) بندقية كما ارتبطت أيضا مدينة دلس بمجموعة من الأحداث كهجرة أهل الزواوة إلى الشام عن طريق مينائها أهمها هجرة سنة 1847م بقيادة الشيخ العلامة المهدي السكلاوي الايراثني كما استغل الماريشال راندون ميناءها لنقل قواته خلال حملة 1857م التي أسفرت عن إخضاع بلاد الزواوة وتم نقل البطلة فاطمة أنسومر بعد أسرها إلى منفاها بتابلاط عن طريق هذا الميناء أيضا.
مرحلة النضال السياسي
تعتبر دلس قلعة للحركة الوطنية السياسية التي احتضنها السكان خاصة في بني ثور وبني سليم البعيدة نسبيا عن عيون الإدارة الفرنسية ومن أشهر المناضلين محمد زروال (من بني ثور) الذي قضى 17 سنة في السجن ( 1945- 1962) بمعية المناضل السعيد معزوزي (تلميذ المعلم حمزة بوكوشة في مدرسة دلس الحرة) عقابا لهما على مشاركتهما في محاولة اغتيال الباشاغا أيت علي ومن الطبيعي أن تساهم هذه المنطقة ذات الرصيد النضالي والنشاط الإصلاحي الكبير في صنع ملحمة نوفمبر 1954م.
نشاط جمعية العلماء في دلس
أنجبت دلس علماء كثيرين عبر تاريخها الطويل منهم محمد ارزقي بن ناصر الذي تولى منصب مفتي المالكية بمدينة الجزائر في مطلع القرن العشرين وأشهر زواياها زاوية سيدي عمر واشريف وعندما تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين احتضنها أهل دلس ولعب الشيخ علي أولخيار (مدرس سابق بالزاوية المذكورة) دورا بارزا في نشر الفكر الإصلاحي بصفته عضوا في مجلسها الإداري لكن المنية لم تمهله فاختطفته سنة 1932م.
ومن أهم مظاهر النشاط الإصلاحي تأسيس جمعية دينية محلية سنة 1931م بقيادة محمد الطيب بن ناصر ثم مدرسة الإصلاح في مسجد سيدي عمار فعين لها الشيخ الطيب العقبي المعلم حمزة بوكوشة وتم تدشين المدرسة رسميا سنة 1932 بحضور عبد الحميد بن باديس والطيب العقبي وعلي أولخيار وغيرهم من المصلحين. وكان ذلك اليوم من الأيام المشهودة في تاريخ المدينة كما نجحت مدرسة دلس في إرسال بعثتين طلابيتين إحداهما إلى معهد قسنطينة والثانية إلى جامع الزيتونة وللذكر فقد التحق معظم هؤلاء الطلبة بالثورة التحريرية الكبرى


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)