الجزائر

من هو رئيسنا المنتظر؟



- نوفمبر 2017:
انتهيت من كتابة أغنية بعنوان باي باي ردا على موجة الواي واي وما فعلته بشباب طائش، لم يعد يعير أي اعتبار للقيم، مدفوعا برغبة جامحة في التحرر من كل القيود والضوابط، وتساءلت في قرارة نفسي عن الراعي القادم الذي يمكن أن يكون بعد عهدة بوتفليقة اثناء الاستحقاقات المقبلة، وفيه تتوفر المؤهلات التي تمكنه من قيادة سفينتنا إلى بر الأمان وتجنبها ما يحدق بها من مخاطر قد تأتيها من بعض ركابها على شاكلة الشريحة التي أشرت إليها في البداية، أو تأتيها من محيط البحر الذي تمخره و ما أكثر ما فيه من أمواج عاتية، تعرضها للغرق في أية لحظة.
قلت، أنا رجل فن و أدب و تعليم ، و للسياسة منظروها و محللوها ، فكيف اتطفل على تخصص يحتاج إلى الدراسة و الخبرة و الممارسة ، و اعطي وجهة نظري في من يكون رئيسنا مستقبلا؟ و ما هي المؤهلات التي يجب أن يمتلكها ؟ و ما التحديات التي سيواجهها خلال عهدته؟
وقررت الإدلاء بدلوي في هذا الموضوع ، فقد تربيت في أسرة تنام و تصحو على السياسة، فيها المجاهد و المناضل و الشهيد و الضابط السامي، و قضيت طفولتي ملازما للمجاهدين أصغي إلى حلو أحاديثهم، و أشاهد معاركهم التي طالما جرت على بعد أمتار من إقامتنا الحدودية بالبلد المجاور، و عبر مراحل عمري لم أتخلف يوما عن قراءة الجرائد و متابعة الأخبار و الحوارات، فتكونت لدي معرفة بالرجال و قدراتهم على صنع مجد الأمم و لذا أستسمح القارئ الكريم من خلال هذه الجريدة المحترمة أن أبلغ وجهة نظري في موضوع يشغلنا جميعا، و هو محور هذا المقال.
في الساحة الوطنية شخصيات وطنية جديرة بتبوؤ منصب الرئاسة، وهذه الشخصيات متفاوتة في كفاءاتها مختلفة في مقارباتها وقراءاتها للأشياء وتصوراتها للحلول، واختلاف رؤاها إن على الصعيد السياسي أو على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي مما يؤدي حتما إلى تدخل مجموعة من الاعتبارات ومراعاة جملة من الشروط لإنجاز هذا الطرف أو ذاك لشخصية من هذه الشخصيات والعمل على تقديمها للشعب بأنها مخلصته ومحققة إجماعه بتسليط الضوء على مواطن قوتها التي تميزها عن البقية أو عن بعضها البعض.
وتقييمي لمسيرتنا بمنظومتها السياسية على امتداد الخمسين سنة الماضية، أجده يتأرجح بين الرضى والتفاؤل والرفض والتشاؤم في حين نجد من يعتبر سمة الفشل في تحقيق القفزة السياسية والاقتصادية المنتظرة هي السمة المسيطرة والغالبة لأننا عجزنا عن بلورة فكر جمعي وثاب قادر على خلق الثروة والنماء في مختلف مناحي الحياة، إذ عم الجمود وسادت روح الاتكال وغاب العقاب، واعتمدنا اعتمادا كليا على مداخيل البترول المعرضة لتجاذبات و اهتزازات قد تؤدي إلى انهيار اقتصادي و عجز مالي في قترة من الفترات، و الإخفاقات التي تسببت فيها القرارات الارتجالية غير المدروسة ما ثلة للعيان في ما سمي بالثورات الزراعية و الصناعية والثقافية، فسوء المعتقد حتى و إن بدت النية مخلصة صادقة تسبب في ظهور ممارسات و سلوكات قلبت المفاهيم وشوهت الذهنيات واختلفت منظومة القيم التي كان يجب أن تلعب فيها التربية والتعليم الدور المحوري و لكن عدم الوضوح في تحديد تصور وطني متفق عليه لما يجب أن يكون عليه أبناؤنا حتى يتمكنوا من مواجهة تحديات العصر بأصالة و تفتح و إبقائهم مشدودين إلى ماضينا القريب و البعيد متغافلين عما ينتظر هم في منعرج الحياة من مفاجآت أفقد هذه المنظومة قدرتها على لعب الدور المنوط بها.
نعم كثير من القرارات الخاطئة والبلهاء احيانا، يتحمل تبعاتها مسؤولون قاصرون فكريا، ضيقو الأفق، محدودو النظرة أو صدرت عن رعونة ومزاج متشنج لا يستشير أحدا في قراراته ولا يقدر عواقب تهوره واندفاعه وأنا هنا لا أستثني فترة من الفترات.
وقبل الإجابة عن سؤال هذا المقال أحاول تقديم لمحة موجزة عن الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم جزائر الاستقلال بدءا بالمرحوم أحمد بن بلة، فالرجل تولى المسؤولية في فترة عسيرة مليئة بالارهاصات فكان عليه تجاوز حدة الخلافات والصراعات، والتجند لتسيير شؤون البلاد مع انعدام الإطارات و الكفاءات ونقص الخبرة وخلو الخزينة ولكنه رحمه الله سلك مسلكا خاطئا سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا شأنه شأن كل الدول التي تحررت آنذاك، فحصر علاقاتنا مع المعسكر الشرقي واتباعه فأمم ما لم يكن يستوجب التأميم كدور السينما المصانع الصغيرة والمقاهي الخ، وفرض التسيير الذاتي للمزارع على غرار يوغسلافيا، و لم تخل خطبه من وعيد و تهديد كل غني فانتشر الرعب في قلب كل من يفكر في الاستثمار أو المشاركة في البناء الاقتصادي. قد ادى الرجل ما عليه سلبا أو إيجابا و ينطبق عليه رحمه الله مقولة: " رب ضارة نافعة " فقد خلصه بومدين بانقلابه عليه من حمل ثقيل و كل المؤشرات في نظري توحي بأن ابن بلة الزعيم لم يكن متحمسا للدفاع عن منصبه، وكان قادرا على ارباك الانقلابيين و تحريض الشعب و جزء من الجيش والشرطة عليهم بدليل وأنا صغير حضرت مباراة الجزائر والبرازيل وكان ابن بلة متواجدا بملعب زبانا الحالي، و لم تمنع الحراسة الموجودة من القذف بالحجارة و رمي القارورات على المتفرجين لإحداث الفوضى والبلبلة .
وقد تفطن الرئيس إلى أن أمرا ما يدبر ضده و في الليلة نفسها زاره في الفندق بعض رجال الأمن و المخابرات و خير وه بين الاتصال بالجماهير عن طريق إذاعة وهران أو استدعاء المخلصين له من ضباط الجيش و الدرك و الشرطة لاتخاذ الموقف اللازم أو السفر إلى الخارج من مطار وهران و رد على الجميع: " أتريدون أن يقتتل الجزائريون من اجل ابن بلة و مازالت دماء تطاحننا لم تجف؟ لن يحصل هذا ابدا . و إذا سافرت كما تقولون سأمنحهم ما يتحججون به أمام الشعب و أنني سارق هارب. سأعود إلى العاصمة و اللي فيها فيها!! و هكذا عاد إلى العاصمة مع يقينه أن الانقلاب سيحصل.
و قد استقبل واضع الأغلال في معصمه مبتسما وقال له: سيكون مصيرك اقسى من مصيري يا ...، وقد توفي الرجل بعد ذلك في "حادث مرور".
غير أن ابن بلة ظل طيلة حياته بعد السجن، محبا لبومدين يدعو له بالرحمة والغفران في كل مكان ولم يسمع عنه أنه قال فيه أو في غيره كلمة سوء.
مرحلة هواري بومدين
الحكم لها أو عليها متروك للتاريخ، فبومدين و إن بدأ للكثير شخصية وطنية فذة، فهو حسب انطباعي قد ضيع على الجزائر فرصا كثيرة إذ كان يجب عليه أن يتجنب القرار ات الفردية التي لا رجعة عنها وأن يتخلص من عقدة الغرور والاستعلاء و فتح الباب في وجه المستثمرين الوطنيين والأجانب و أن لا يكون التركيز فقط على الصناعة الوطنية وخنقها بتوظيف أضعاف ما تحتاجه من عمال و بومدين طالما استخف بدور السياحة بل انتقدها على الملأ و سخر ممن يحفرون آبار المياه و يبنون السدود ملمحا إلى الجار الغربي متباهيا بكوننا نحفر آبار البترول، وعندما استفقنا وجدنا أنفسنا نسقي الماء بالدلاء كما أغلق الأموال على من جاملونا من الأفارقة واعتبرونا (مكة الثوار) وخذلونا من بعد في مواقف كثيرة.
كما جرد الكثير من أراضي آبائهم و أجدادهم ليمنحها لسماسرة باسم تحقيق العدالة الاجتماعية و كانوا يتقاضون أرباحا على إنتاج غير موجود من باب الديماغوجية و حرم الشعب من حاجيات كثيرة فاشتقنا إلى الزبدة وحبة موز وشربة من كوكا كما كان يحتقر المثقفين و يبعدهم عن مصادر القرار، وفي عهده حصل ما حصل من تهميش للإطارات و تصفية للخصوم و نفي المعارضين لسياسته (خيضر – كريم بلقاسم – مدغري – مفدي زكريا – قايد احمد وغيرهم كثير).
و بالرغم من هذه المساوئ فلبومدين محاسن كثيرة، فلقد أعطى للجزائر مكانة بين الأمم، و بنى لها جيشا عتيدا هو اليوم حصننا و ملاذنا، و فوق هذا كله فهو إنسان نظيف لم ينهب لا هو و لا عائلته مال الشعب.
ويأتي المرحوم الشادلي بن جديد، فالرجل كان عازفا عن تولي منصب أعلى مما كان فيه إلا بعد أن زينوا له ما سيحظى به من سلطة و أبهة، فنحن قد عهدناه في وهران رجلا شعبيا و إنسانا بسيطا يحبه كل الوهرانيين لما يسمعون عنه من تواضع و مسارعة إلى مساعدة من يلجأ إليه، يخالطهم في السوق ويدخل معهم إلى دور السينما، يقود سيارته بنفسه وهو قائد الناحية الثانية، وما أدراك أن تكون قائد ناحية في تلك الفترة.
نعم وجد الشاذلي نفسه بين عشية و ضحاها رئيسا لوطن أشبه بقارة، فأحاط نفسه برجال يفتقرون إلى الحنكة والكفاءة فاستغلوا وتسامحه ليعبثوا بمصلحة الوطن والمواطن، وكان يجب أن يتولى غيره هذه المرحلة ولكن حساسيات أصحاب القرار أرادت غير ذلك فجنينا حزبا فاشيا وعشنا مأساة الخامس من أكتوبر، وفككنا الصناعة الوطنية و بعنا مصانع منتجة وناجحة لسماسرة وانتهازيين.
و يحفظ الشعب للشاذلي تمكينه من السفر إلى الخارج بشيء من العزة و الكرامة، و توفير ما حرمه منه بومدين كالموز و الزبدة و المشروبات الغازية بأنواعها، و جنب الجزائر الدخول في صراعات مع فرنسا و الجار الغربي على الخصوص وربط علاقات طيبة مع مختلف دول العالم، لأن الرجل من طبعه مهادن ومسالم ينأى بنفسه و بوطنه عن المشاكل قدر الإمكان.
وكم من مرة نصح الصحافة بعدم إثارة المشاكل مع الدول وخاصة مع من بيننا وبينهم حساسية كفرنسا و المغرب.
وبعد استقالته أو إقالته دخلنا في العشرية السوداء التي استبيحت فيها أرواح الجزائريين وأعراضهم و ممتلكاتهم وقد تصدى شعبنا وجيشنا الباسل لهذا الوباء، وتحمل مجلس الدولة برئاسة المرحوم علي كافي مسؤوليات تاريخية في إنقاذ الجزائر من أن تهوي إلى قعر لا مخرج لها منه أبدا.
وقد لعب ثلة من الرجال المخلصين دورا بارزا في التصدي لهجمة فكر فاشي بريء منه ديننا الحنيف دين المحبة والسلام و الأمن وقد ير ى البعض خلاف ما أرى.
وهذه المرحلة انشغل فيها الكل بتحقيق الأمن ومحاربة الارهاب الذي أتى على الأخضر و اليابس بتواطؤ من قوى غريبة حاقدة وخليجيين وظفوا المال والإعلام لإلحاق الضرر بوطننا العزيز ويكفي الرجوع إلى السموم التي كانت تبثها بعض وسائل إعلامهم كالجزيرة.
(يتبع...)


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)