انتهى الحديث عن مأساة الطلبة بجامعة تلمسان دون أن ينتهي الحديث عن مستقبلنا في ظل الآفاق التي تبدو قاتمة المعالم. نعيش في هذه الآونة وضعا غير سوي، برلمان تشوبه وتطارده الكثير من بصمات واتهامات التزوير الذي بات يتأكد يوما بعد يوم، وفي الشارع الجميع اقتنع بأن السلطة أغلقت لعبة «الدومينو» وأن الاستجابة الشعبية للانتخاب مستقبلا صارت في حكم المستحيل خصوصا للذين استدرجتهم الخطابات البراقة للسلطة في التشريعيات الماضية ثم استفاقوا على صدمة 220 فولط، وحتى الذين اعتقدوا أن بلادنا مقبلة على مرحلة التشبيب صدمهم التغيير الذي كرّس التشييب عوضا عن التشبيب فرئيس المجلس الشعبي الوطني السابق لايتعدى سنه 67 سنة، بينما رئيس المجلس الجديد يبلغ من العمر 74 سنة وهذا معناه تغيير من نوع خاص يمكن أن يعطي أكثر من قراءة سلبية للنوايا الحقيقية للسلطة التي تدرك أن وضعا مثل الذي نمر به حاليا يجرنا نحو المزيد من التعقيدات السياسية والاجتماعية.
السلطة وعدت الجزائريين بالإصلاحات التي تؤدي إلى تكريس دولة القانون والمؤسسات بمفهومها الحديث المتحرر من النمط التقليدي في التسيير والتعاطي مع متطلبات المجتمع وكل مكوناته بما يؤدي إلى الاستقرار والحرية، لكن تجربة العاشر ماي باعتراف غالبية الجزائريين وحتى المسؤولين فيما بينهم شكلت ضربة قاصمة لمسار الإصلاحات وستؤدي بنا إلى المزيد من الشكوك وعدم الثقة بين المواطن والسلطة، وفي الحقيقة هذا السكون الذي يميز الوضع السياسي في البلد بعد مرور ثلاثة أسابيع على التشريعيات مخيف. مخيف لأن الحركية السياسية بعد الانتخابات في أي بلد تكون متسارعة، تؤدي إلى ظهور صورة سياسية جديدة على الساحة، تغييرات في الجهاز التنفيذي وتفاعل شعبي ونقاش وطني، ومرافعات برلمانية ومشاريع سياسية واعدة.. يحدث هذا في الأوضاع العادية، أما عندنا فالعكس تماما،
سكون وسكوت وهروب وتبرير وتخوين وتخويف وتهديد وتصلب.. هذا ما يميز الساحة السياسية عندنا بعد تجربة فاشلة في تنظيم انتخابات تؤدي إلى عبور البلد من مرحلة التردد إلى الانفتاح الحقيقي، ومن المؤسف أن تراهن السلطة على فشل الثورات العربية لتمديد عمرها عوضا عن المزيد من الانفتاح والحريات مادمنا نحن من استبق العرب جميعا بربيع جزائري منذ نهاية الثمانينيات.
وإذا كنا السباقين إلى الربيع العربي فكيف نتراجع اليوم في أبسط الحريات، وأبسط العمليات التي تكرس التعددية السياسية والحزبية، وكيف تنظم السلطة انتخابات بقوانين إقصائية تتحمل المعارضة هي الأخرى الجزء الأكبر منها لأنها ارتضت المشاركة في سباق محسوم مسبقا بأدوات قانونية أشبه بالتزوير، مثلما ارتضت المشاركة في سباق بدأت ملامح الاعداد لنتائجها سلفا قبل شهرين من موعده.
وإذا كانت السلطة عاجزة عن جمع بضعة أشخاص من البرلمان الحالي تتوفر فيهم شروط الاستوزار والتسيير، أو كانت عاجزة عن فك الاشتباك بين الزمر المتناحرة على هوشة الكراسي الوزارية، فكيف يمكنها الإعداد لمسألة تعديل الدستور بواسطة مجلس غالبية نوابه لم يترشحوا للفوز وإنما لإتمام قوائم المترشحين في حزبهم بعدما انسحب معظم مترشحيه الذين اكتشفوا أنهم في المراتب التي لا تسمح لهم بالفوز وفق التوقعات التي كانت مبنية على أساس ما كان قائما قبل الانتخابات.
السلطة أمام مأزق آخر وهو مصداقية الحكومة الحالية بكل وزرائها، هؤلاء لم يعد لهم الكثير من الوقت للإجابة عن أسلئة المواطنين.
في الجامعة يموت الطلبة بالانفجارات المروعة وكأنهم تحت قصف الناتو في أفغانستان، وفي قطاع التربية لم تتوقف الإضرابات التي مازالت تهدد مردودية التحصيل الدراسي لأجيال كاملة دون أن يتزحزح وزير التربية عن مقعده الذي سيتباهى به أمام بن علي ذات يوم بل وفي العالم العربي حيث لا يوجد وزير مكث كل هذه السنوات في الوزارة نفسها. وفي قطاع الصحة تهتز الأرض من تحت أقدام الوزير الذي يقول لنا لا تقلقوا أنا أرقص فرحا لا خوفا..
في قطاعات أخرى حدثت فضائح هزت الرأي العام، ووزارات أخرى عجزت عن حماية بطون الناس وقوتهم، لذلك أقول إن هذه الحكومة هي أول واجهة تحمل كل أخطاء السلطة، وعندما يبدأ زجاج واجهة المحلات المحترمة في التآكل بما يؤدي إلى حجب الرؤية الجيدة للبضائع المعروضة يقوم صاحب المحل بتغييرها لعله يستقطب بعضا من الزبائن الغاضبين… والحديث قياس، ففي بلادنا من لم يمت بالانفجار مات مخنوقا..
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد السلام بارودي
المصدر : www.elbilad.net