الجزائر

من كتاب إطلالة على التاريخ الجزائري القديم فتوح بلاد المغرب



بقلم: الحسين يختار *
-الحلقة الأولى-
لم يظهر مصطلح بلاد المغرب إلا بعد الفتح الإسلامي وهو يتعلق بالمنطقة الواقعة من شرق ليبيا إلى غرب المغرب الأقصى حاليا والتي كانت تعرف بإسم إفريقية أو شمال إفريقيا فإن كلا من لوبة وإفريقيا وبلاد البربر وشمال إفريقيا وبلاد المغرب القديم هي مصطلحات متنوعة ذات مدلول واحد تدل على رقعة جغرافية واحدة وإن اختلفت مسمياتها وفقا للتطور الزمني مها عيساوي/ نقوش نوميدية ص26.
وقد شملت بلاد الأندلس فيما بعد فصارت بلاد المغرب تعني أيضا الأندلس إلى جانب المغرب الكبير كما أن بلاد المغرب هي الأخرى تم تقسيمها من طرف المؤرخين المسلمين بالشام آنذاك إلى ثلاثة أقاليم اعتبارا من أقرب المناطق إليهم فأطلقوا إسم المغرب الأدنى على كل من ليبيا وتونس وأجزاء من الشرق الجزائري ثم الأوسط وهو الذي يشمل من نواحي بجاية إلى غرب تلمسان ثم المغرب الأقصى وهو القطر المغربي اليوم .
وهكذا تلاشت الكثير من المصطلحات التي كانت قبل الفتح على غرار المور والمازيس والقيصرية الموريتانية والبوار ونحو ذلك وحلت محلها البربر والمغرب والعدوتين والاندلس ...
وكان لظهور هذه المصطلحات الجديدة كالبربر والمغرب إضافة إلى قضية كسيلة والكاهنة وما تعلق بذلك من وقائع وحوادث أثناء عملية الفتح أو بعده أثره الواضح في بروز نقاش جديد طفح على ركح الساحة العلمية والثقافية ووجد بعض أصحاب النوايا المبيتة – مع الأسف- ضالتهم فيه إذ عمدوا إلى النفخ في روايات الفتح الإسلامي بعيدا عن المعيار العلمي وهو الأمر الذي يحتم علينا إعادة قراءة متأنية للحوادث التاريخية التي عرفها المغرب الكبير قديما وأهمها قضية الفتح الإسلامي هذه وما اكتنفتها من ظروف وملابسات.
*ابن عبد الحكم المصري وكتابه فتوح مصر والمغرب
يعد كتاب عبد الرحمان ابن الحكم المصري المسمى فتوح مصر والمغرب أول مصنف في هذا الباب وكل الذين جاؤوا بعده إنما عنه أخذوا ومنه نهلوا كما يقول المحقق محمد عمر نقلا عن دائرة المعارف الإسلامية وقد إستفاد المؤرخون المتقدمون إلى حد بعيد من كتاب ابن عبد الحكم واعتمدت عليه المؤلفات المتأخرة كذلك علي محمد عمر / مقدمة كتاب ابن عبد الحكم.
عاش إبن عبد الحكم أكثر عمره في بداية القرن الهجري الثالث وهي الفترة التي سامها التنافس الشديد بين العباسيين والأمويين إنتهت إلى إراقة دماء وإزهاق أرواح . فالأمويون شقوا طريقا نحو المغرب والأندلس لتعويض ملك ضاع منهم في المشرق والعباسيون رأوا في الإنتقام وسيلة لمحو أثار الأمويين عن هذا القرن يقول محقق الكتاب محمد صبيح فترة بدأت فيها دولة الإسلام الأموية في الأندلس مسيرتها نحو مجد لا يبلى وحضارة بقيت
على الزمن. وهو - أي القرن الثالث – فترة ظهرت فيها إنقسامات في الأمة الاسلامية أسالت دما وأزهقت أرواحا ومزقت وفرقت .وكان أظهرها تباغض العباسيين والعليويين من أجل مقعد الخلافة ....
وأول ما ينبغي الإشارة اليه أن ابن عبد الحكم ألف كتابه هذا بعد أكثر من قرن مر على الفتح وهو ما يعني انقضاء جيل الفتح الاسلامي لبلاد المغرب كله ولذلك كان من جملة الإنتقادات التي وجهت للكتاب في أول وهلة أن صاحبه اعتمد على مجرد الرواية الشفوية المتناقلة بين الناس ولم يعتمد على مصدر كتابي موثوق . ثم إنه قد شاع في عصره غياب نقد الروايات والتسامح في نقل الأخبار.

منهج الرواية في عصر ابن عبد الحكم
وطبيعي جدا أن ابن عبد الحكم لم يكن إستثناء من هذا التيار فلابد أن يكون هو الأخر قد تأثر بما يجري وبما كان هو الغالب عصره وكان المنهج الذي إتبعه ابن عبد الحكم في تأليفه هو نفس المنهج الذي كان متبعا لدى مدرسة مصر في القرن الثالث الهجري .وهو المعروف بطريقة الاسناد التي جرى عليها رواة الحديث محمد صبيح/ مقدمة فتوح مصر وأخبارها.
وقد جاء أيضا عن محقق الكتاب قوله: ومع ذلك ظلت نظرية نقد الرواية التاريخية نفسها أمرا لا يعرفه ابن عبد الحكم كما لم يعرفه معاصروه من مؤلفي القرن الثالث الهجري مما ترتب عليه تسرب بعض الأساطير في بعض فصول كتابه.. المصدر نفسه
إذا فإبن عبد الحكم لم يكن من أهل التحقيق في الروايات وعليه فالتسليم العشوائي لما تضمن الكتاب قد لا يوصل إلى القناعة العلمية المطلوبة للإستيثاق بأخبار ترتب عنها تاريخ امم وتعلقت بحوادث تعد هي المنعرج الحاسم في المسار التاريخي للمغرب الكبير .
ثم أن الكتاب هو في الأخير تاريخ أموي كتب في زمن عباسي ومعروف أن المؤلف ينتمي إلى أسرة مع جلالتها ومكانتها العلمية المرموقة موصوفة بالولاء للعباسيين فأبوه مارس وظيفة قاضي المسائل لدى سلاطين مصر .
وليس الغرض من سياق هذا الكلام النيل من أسرة إستطارت شهرتها في الأفاق وحظيت من المنزلة ما أغناها عن كل تعديل وانما كانت الغاية تقريب الرؤى للقارئ حتى يزول كل الاشكال وتنكشف الملابسات التي في ظلها ألف ابن عبد الحكم كتابه هذا وليستيقن ايضا أن ابن عبد الحكم وكغيره من المؤلفين لم يكن معصوما من السهو والزلل لاسيما إذا عرفنا أنه مسكوت عنه في علم الرواة وقد وضعه ابن أبي حاتم الرازي صاحب كتاب الجرح والتعديل في مرتبة صدوق التي لا ترتقي إلى مرتبة الثقة التامة ضف إلى هذا أن الكتاب تضمن أخبار المتروكين من الرواة والمتكلم في حفظهم على غرار خالد بن مسلمة الذي روى عن الليث بن سعد المصري فقد وصفوه ب ليس بشيء ثم أن الليث بن سعد المصري لا نكاد نعثر على دليل يثبت دخوله المغرب أو افريقية ومعلوم أنه لم يدرك فتوح المغرب ولا الأندلس وقد مات سنة 175 ه فلابد أن يكون - أن صحت الرواية عنه طبعا - تلقى ذلك من راو أخر لم يذكر في السند ومن هنا يمكن الحكم عن هذه الأخبار بالمنقطعة .
ومع أن البخاري ومسلم خرجا أحاديث جمة عن الليث من طريق يحي بن بكير لكنهما لم يذكرا هذه الروايات مع أن شريطهما متوفر هنا وهو المتمثل في المعاصرة وثبوت اللقاء بالنسبة للبخاري والإكتفاء بالمعاصرة فقط بالنسبة للإمام مسلم مما يفتح مجالا أخر للتساؤل .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)