بلغت قريش في عهد عبد المطلب شأوا بعيداً في الحضارة لم تبلغه في أيّ عهد من عهودها قبل الإسلام، بغض النّظر عن الوثنية السّائدة آن ذاك. وإن كان قُصَي بن كلاب قد وضع اللبنة الأولى في صرح هذه الحضارة، فإن حفيده عبد المطلب جدّ الرّسول الأكرم، قد أتَمّ البناء، وجني الثمار. ففي مجال السياسة الداخلية استطاع عبد المطلب أن يحفَظ السّلام في مكة وعاشَت القبائل جنباً إلى جنب في هدوء وسلام. وكان الثراء الذي تدفّق على قريش، من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تجنّب الحروب القبلية الصغيرة التي كانت كثيراً ما تشهدها مكة من قبل، وفي ميدان السياسة الخارجية عَمِل عبد المطلب على توثيق صِلاته الخارجية بالدولة الفارسية والدولة الرومانية وإمارتي الحيرة والغساسنة وبلاد اليمن وكذا بلاد الحبشة التي أصبحت من بعد، في الفترة الأولى من الدعوة النبوية، دار الهجرة الأولى لبعض صحابة الرسول الكريم كعثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب وغيرهما، وذلك باختيار النّبيّ الكريم لها كمأوى لأصحابه الذين اضطروا من شدّة أذى كفار مكة أن يغادروا وطنهم المبارك، لكن إلى أرض بها مَلِك لا يُظلَم عنده أحد، كما وصفه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
أمّا بالنسبة للمجال الاقتصادي، فقد برزت في عهد عبد المطلب أهمية الرحلات التي استَنّها هاشم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى بلاد الشام. فقد أثّرت تأثيراً كبيراً في حياة قريش ومكة الاقتصادية وفي حياة شبه الجزيرة العربية كلّها وقد ورد ذكر هاتين الرِّحلتين في القرآن الكريم كما سبق في سورة ''قريش''.
وفي عهد عبد المطلب وصلت تجارة قريش ذروتها فقد أخذ القرشيون يجنون ثمار المعاهدات واتفاقيات حسن الجوار التي عقدها عبد المطلب مع الدول المحيطة به وقد أدَّى هذا بدوره إلى انتشار الحضارة في قريش وازدياد الرخاء في مكة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الشيخ الطاهر بدوي
المصدر : www.elkhabar.com