الجزائر

من قتل جدي؟



لم يمت علي بسبب الصراع المرير مع مرض السرطان أو في حادث مرور تسببت فيه سيارة مجنونة يقودها مراهق لا يحمل رخصة السياقة أو كان تحت تأثير الكحول، وإنما مات مقتولا برصاص عدو غاشم لن تنسي الأيام والسنوات أبدا أبناءه مرارة اليتم وزوجته الترمل.
لكن من قتل علي؟ إنهم جنود استعمار اغتصب الأرض وسلب خيراتها وطمس هوية شعبها وحاول بكل ما أوتي من قوة مسخ ملامح عروبتها وإسلاميتها وأمازيغيتها، تحت عنوان إخراجهم من ظلمات الاستبداد العثماني وحكم البايات والدايات العثمانيين إلى نور الثورة الصناعية وحقوق الإنسان.
وبعد مرور أكثر من ستين سنة على استشهاد ''القردوح''، الكنية الثورية للشهيد علي، الذي سقط ذات يوم من سنة 1959 مع رفيقه، ونُكّل بجثتيهما ولم يُسمح سوى للنسوة بدفنه، إلا أن كل شجرة و''زنقات'' القرية هناك بفالمة، تدل على أثره.. وكيف قضى سنوات حمل السلاح متنقلا بين جبل وجبل، وبين دوار ودوار، وبين كازمة وأخرى، من أجل أن يعيش أبناؤه وأحفاده يتنعمون بالحرية.
اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات، لا تزال أصوات، لا تشبه أصوات الرجال ولا حتى النساء الجزائريات الصنديدات، تريد أن تساوي بين الجلاد والقاتل والمغتصب وبين الضحية الذي هو أنتم وأنا وآباؤنا وأجدادنا وأمهاتنا وأخواتنا.. وبحسرة كبيرة تكاد تسد الحلق، وتفجّر الأعين والآذان من شدة الحنق، لا نجد إلا أن نرفع أكفنا إلى السماء نستغيث بأن يهدي قومنا الذين يريدون بيع ما تبقى من شرف الثورة، بمسح أحذية هولاند الذي لن يكون بتلك الشجاعة التي تجعله ينظر إلى الماضي الأحمر للاعتراف بما فعله صناع الموت وليس الحياة، الذين أغرقونا في الظلمات لا النور الذي جاؤوا به يحملونه في صدور وعقول دمرتها الأحقاد ضد شعب أعزل.
فرنسا هي التي جاءت إلى أرضنا واحتلتها وحاولت استعبادنا ودمّرت كل ما هو جميل في الجزائر، ولن تستطيع مهما استعملت من مساحيق التجميل ومحاولات ذرف الدموع على فئة من أبناء جلدتنا اختاروها على حساب شعبهم، فكانوا بمثابة السيف الذي يقطع رؤوسنا والسلاسل التي تكبل أقدامنا وأيدينا ورقابنا...
سنة اليوبيل الذهبي للاستقلال لم تشأ أن تغادرنا بدون أن تهدينا أجمل بطاقة معايدة وتهنئة بمناسبة السنة الجديدة.. سيأتي هولاند إلى الجزائر، وسيقف أبناء الشهداء ومن بقي من المجاهدين وأبناؤهم المخلصون لتضحياتهم، لرد السلام فقط اعتزازا بدماء الأجداد الزكيات الطاهرات، ولا يمكنه أن ينتظر أي شيء آخر من غيرهم لأنهم لا يملكونه ولا يتحكمون فيه على الإطلاق مهما زعموا وتحدثوا عن بطولاتهم الخيالية في ميادين الثورة.
والأحرى بفرنسا اليوم الاستسلام لإرادة هذا الشعب الذي قهرها وقهر حلفاءها الأطلسيين وأخرجها من أرضه وهي تجر أذيال الخيبة، أن دم الشهيد علي، وغيره، لم ولن يذهب سدى، لأن أحفاده يحملون نفس الرسالة التي حملها في صدره وعاش ومات لأجلها. والله يرحم الشهداء.

[email protected]


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)