الجزائر

من قال إن التاريخ يكتبه المنتصرون ؟



ماذا عن البرنامج المخلد للذكرى الخمسين للاستقلال؟ أم أنه طواه النسيان في غمرة التحضير للانتخابات المقبلة؟ فرغم أهمية الحدث التاريخي، وهو مرور نصف قرن على استعادتنا لحريتنا وهويتنا المسلوبة ولأرضنا التي كانت مغتصبة، فلا شيء في الأفق يدل على أن الجهات الرسمية حضّرت برنامجا لإحياء الذكرى، مع أن الجميع يتحدث عن أن هذه السنة هامة كمحطة تاريخية للبلاد لابد من الوقوف عندها لتقييم ما فعلنا بالاستقلال ولتذكير الأجيال الشابة بفظاعة جرائم الاستعمار.شاهدنا منذ يومين برنامجا في منتهى الخطورة والأهمية على القناة الثانية للتلفزيون الفرنسي، أين تلاعب المنشط والحضور بالذاكرة، ومرروا الرسالة التي أرادوها للمشاهد الفرنسي والجزائري على السواء، لكن لا شيء في المقابل من الجهة الجزائرية.. لا موائد مستديرة ولا أشرطة وثائقية، ولا حديث عن بشاعة الاستعمار وعن الجراح التي لم تندمل في غياب اعتراف فرنسي بجرائم الاستعمار، وكأن الجهات الرسمية اختارت الصمت لتترك للفرنسيين رواية التاريخ بالكيفية التي ترضي أناهم المتضخمة، فهل هي استجابة منهم لتحذيرات جوبيه عندما قال قبل أسابيع: “على الجزائريين ألا يحتفلوا بالخمسينية بتذكر المأسي والمرارة”.. نعم هكذا قالها جوبيه، فاستسلمنا من غير مقاومة، بل حتى أننا لمنا أردوغان التركي على محاولة تذكيره فرنسا بجرائمها في الجزائر، وقلنا له: ليس لديك الحق في الكلام، فهذا تاريخنا ومن حقنا طمسه ومحوه من الذاكرة الجماعية.
حتى قانون تجريم الاستعمار الذي حاول بعض الشجعان سنه كرد فعل على القانون الفرنسي الممجد للاستعمار، لعبت به بعض الأيدي وسحب في صمت من النقاش أو ربما تمت به مقايضة ما مثلما قايضنا المواقف بثروات البلاد وبرهن استقلالها.
لم نجرؤ فقط على برمجة نشاطات فكرية وثقافية للاحتفال بالحدث، بل ركض البعض منا إلى الضفة الأخرى للاحتفال بالمناسبة مع جلادي الأمس، فهذا علي هارون، الذي لم يتمكن من إعلاء كلمته في بلاتو “فرانس 2”، ووجد نفسه محل اتهام من قبل الجميع، تلقى بعدها صفعة في شوارع نيم الفرنسية وهو يحضر لقاء هناك خاص بقدماء مجاهدي فدرالية فرنسا، فكان هدفا لشتائم جماعة اليمين.. أي هوان وأي مذلة هذه؟!! فماذا كان يمنع جماعة فدرالية فرنسا من الاحتفال والتجمع هنا؟ أم أنهم مثل علي هارون تربطهم مودة خاصة بجلادهم، ومازالوا يحنون للعمل والعيش هناك، فهم لم يتحرروا بعد من عقدة العبودية !!
وأمام التلاعب بالذاكرة وبتاريخ الثورة التحريرية التي تمارسه فرنسا، التي اختصرت كل العنف وكل الوحشية الاستعمارية في ثماني سنوات ثورة، لا نلوم إلا أنفسنا لأننا تركنا لها المجال واسعا لتفعل ذلك، ثم من قال إن التاريخ يكتبه المنتصرون؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)