الجزائر

من رأسمال ماركس إلى رأسمال كوستا غافراس العرض الأول لفيلم "الرأسمال"


من رأسمال ماركس إلى رأسمال كوستا غافراس                                    العرض الأول لفيلم
قدم المخرج الفرنسي، كوستا غافراس، فيلمه الأخير ”الرأسمال” بالجزائر في عرض أول، قبل أن ينزل إلى قاعات السينما ضمن فعاليات أيام الفيلم الملتزم التي دارت في الفترة الممتدة من 6 إلى 13 ديسمبر الجاري، وذلك بمعالجة سينمائية مغايرة معروفة لدى متتبعي مسيرة المخرج كوستا ذي الأصول اليونانية، حيث ولد سنة 1933 بجزيرة البيلوبونار اليونانية، وقدم للسينما أكثر من 19 فيلما أنجز الكثير منها بالجزائر، لاسيما فيلم ”زاد” الذي حمل الشارة الجزائرية في مختلف مهرجانات العالم وتحصل على أوسكارين (أحسن فيلم وأحسن مونتاج). عوالم غافراس تتسم بالالتزام السياسي والإنساني تجاه القضايا العادلة في العالم، وكذا الرؤية النقدية لما يحدث من تجاوزات في حق الإنسانية.
”سنزيد الفقراء فقراً والأغنياء غنى”
جاء فيلم ”الرأسمال” في 114 دقيقة، وهو مستوحى من كتاب يحمل نفس الاسم لستيفاني أوسمان، الصادر سنة 2004، والذي يفضح مناورات البنوك وتأثيرها في حياة البسطاء لأجل مصالح الكبار.
يبدأ الفيلم باقتراح مارك تورنوي لقيادة بنك فينيكس، ولعل اختيار اسم فينيكس له دلالته لأن أسطورة العنقاء تقول أنه طير يخلق في كل مرة من رماده. البنوك تشبه كثيرا هذا الطير، لأنها تحيا في كل مرة من أزماتها الاقتصادية ولا تفنى. مارك تورنوي شخصية تعرف جيدا ماذا تفعل، جاد، عملي، يتمتع بذكاء خارق. والمفاجأة أن ”ڤاد المالح” المعروف بالأدوار الكوميدية هو الذي جسد هذا الدور، في نقلة مغايرة تماما عن الأدوار التي مثلها من قبل والتي عرفه بها الجمهور، والحقيقة أنه وفق إلى حد بعيد في تقمص الشخصية وتمكن من إقناع المشاهد بصورة كاملة، حتى أننا لم نتذكر شخصية شوشو مثلا، ولم تعد ملامح ڤاد المالح تضحكنا.
التسير الجيد للمال هو البحث في سلة المهملات
مسار الفيلم جدي للغاية، بعدها يتمكن مارك من تحقيق مراده والوصول إلى رئاسة البنك، يقدم وجها جديدا ومخالفا لاسيما أمام الذين اقترحوه وساعدوه، بل ويبدأ في ابتزاز المساهمين في البنك بغرض الحصول على مرتب كبير ونسبة سنوية خيالية من الأرباح، كل شيء واضح بالنسبة له، يبدأ في سياسته الجديدة التي تتضمن اللعب على وترين، الوتر الأول هم العمال، حيث يبدأ بتسريح العمال وتقليص النفقات، ومن جهة أخرى يقدم للمساهمين مجموعة من السرقات الصغيرة التي حين تتجمع تصير ثروة.
لكن في داخل البنك الواحد هناك مجموعة كبيرة من التناقضات، تماما كما قانون البحر.. الحوت الكبير يأكل الصغير، وعليه لابد لمارك أن يلم بكل التفاصيل والخطط والمؤامرات التي تحاك ضده أو تخدم أشخاص معينين من دون علمه، فيوظف شرطيا متقاعدا تكون وظيفته الأساسية البحث في سلة المهملات.. وهو يقصد بذلك تعقب بعض الشخصيات المحاطة بمارك وكشف ألاعيبها.
الإنجليزية لغة الأطفال ولغة المال
على عكسه تماما تعيش زوجة مارك سلاماً مع نفسها ولا ترى تفسيرا واضحا لهذا الجشع تجاه المال، فهي لا تبالغ في لباسها وتبدو بسيطة للغاية، الأمر الذي لا يروق لمارك، ويريدها أن تكون بمقام زوجها، مثلا قبل ذهابهما إلى حفلة معنونة ب”الرفاهية حق” تلبس زوجته ثوبا بسيطا فيرفض مارك ذلك، أما ابنه فهو خارج الزمن بالكامل، عندما يتحدث إليه يصر أولا على الحديث بالإنجليزية، كرؤية عالمية ربما يتصور مارك أنها هي الأصلح لابنه، وهذا في حد ذاته رؤية مالية، الأموال هي التي خلقت كل المفاهيم المتعلقة بالعولمة والعالمية والنظام العالمي وعليه تحتاج إلى لغة عالمية. نعود إلى ابن مارك الذي لا يستمع إلى والده لأنه غارق في الألعاب الإلكترونية، حتى عندما زار مارك عائلته الكبيرة حمل للأطفال مجموعة كبيرة من الألعاب الإلكترونية، وبعد الغذاء غرقت الطفولة في الألعاب الإلكترونية، ولم تشارك في المرح العائلي.
عائلة مارك تحمل أطيافاً متعددة من الخليط الاجتماعي، فيها الشيوعي القديم الذي يقدم مظهره الخارجي نوعا من البؤس ولكنه لا يزال يدافع على البسطاء وينتقد سياسة البنوك التي أفقرت الشعب، مارك لا يبالي بذلك ولا يقدم تفسيرا ولكنه يهرب بهاتفه لأن المكالمة من نيويورك، وبعد أن يتعدى الباب نكتشف أنه لا مكالمة وإنما عمه الآخر يأتي ويقدم له الاعتذار، تماما كما يفعل الشعب، واحد ينتقد ويرفض، والآخر يتقدم ويقبل..
انتصار مارك وإغواء نسيم
بعد صراعات كبيرة وحروب متواصلة مع البنوك الأمريكية ينتصر مارك لنفسه أولا، ويصير فاحش الثراء، يرتكب سرقات كبيرة، ولكن البنك يعيد انتخابه، تقول له زوجته قبل ذلك:”إذا كان مصيرك السجن فسأنتظرك، أما إذا أعيد انتخابك فلن تجدني في المنزل”.
جانب آخر من حياة أصحاب الأموال، وهي العلاقات التي تقام مع عارضات الأزياء أوالشخصيات المعروفة، حيث يتعرف مارك على نسيم، العارضة الشهيرة، والتي تتعامل معه مع يتعامل هو مع المال، تحاول الإيقاع به، ولكن لا ينال منها شيء، الإغواء العالي الدقة الذي يتوزع على مراحل، ويعمق الشعور بالرغبة من دون الوصول عليها بفضل الشرطي الذي يبحث في سلة المهملات. يعرف مارك أن نسيم ما هي إلا عاهرة بمليون دولار، وكل هذا سياسة خاصة للحصول على هذا المبلغ، فيتدارك مارك الأمر ويحصل من نسيم على ما يريد اغتصابا ثم ينهي علاقته بها.
أصحاب الرأسمال يتحصلون في الغالب على ما يريدون، وتكون كلمة الختام في فيلم غافراس أمام المساهمين في بنك فينيكس، أنهم سيزيدون الفقراء فقراً والأغنياء غنى.
الإسقاط جميل على ما يحدث في العالم اليوم، وعلى ما يحدث خاصة في اليونان البلد الأم للمخرج، التي تعاني من ويلات الديون وتراكمها وسياسات التقشف. العالم الآن بالفعل في أيادي البنوك، وما قدمه غافراس واقع معاش ليس في اليونان فحسب، وإنما في العالم كله.
القبض التقني على نفسية مارك
التصوير كان دقيقا جدا، والمونتاج كذلك، حيث نجد اشتغالا رائعا على نفسية مارك. والأمر الخطير هنا أن المخرج تمكن من تقريب نفسية البطل تقنيا، وذلك من خلال مشاهد غالبا ما تكون مدعمة بأصوات طبول دلالة على أنه يفكر في فعل شيء، فيقوم به في خياله، ثم يعود إلى وضعتيه الحقيقية، ذلك الخيال يجسده لنا المخرج بطريقة مذهلة قد تكون ردود أفعال شريرة أو خيرة، ولكنه لا يفعلها إلا في خياله، ربما يريد المخرج من هذه المشاهد تصوير مدى قمع الإنسان لحقيقته وشفافيته من أجل أمور يعتقد أنها الأهم. كيف نخرج من هذه الدوامة؟ هل هناك من مخرج؟؟ هل ستقرر يوما ما القوى السياسية التصدي لهذا النظام العالمي؟ الأزمة العالمية مستمرة.. ولا جديد في الأفق غير فيلم ”الرأسمال” لكوستا غافراس الذي يطرح السؤال بشدة.
هاجر قويدري

Logiciel أدبي
توصّل الباحثون في دراسة أُجريت مؤخرا إلى أنّ الكتب الورقية ستختفي في حدود سنة 2026، لتحل الكتب الإلكترونية محلها، تخيلوا معي كتبا لا نحملها معنا إلى كل مكان، كتبا لا رائحة حبر فيها، كتب لا يمكن أن نلمس أوراقها، ولا أن ندس فيها رسائل لمن نحب.
هذه الكتب الإلكترونية ستأتي مع خاصيّات عديدة مؤثرات صوتية، أو بصريّة قد تنبهنا مثلا إلى الوقت الأمثل لقراءة رواية أو قصة: ”للحصول على أكبر متعة ممكنة اقرأ هذه الرواية صباحا على الريق قبل أن تقابل أي شخص، قبل أن يتعكر مزاجك”، أو ”تفادى قراءة هذا الكتاب وأنت سعيد قد لا يعجبك”، وربما ”تنبيه يحتوي هذا الكتاب على مشاهد مرّوعة ينصح لذوي القلوب الضعيفة والنساء الحوامل اجتياز الصفحة كذا وكذا”.
قد تخترع لوجسيالات أدبية تساعد على الكتابة، تدل الكتّاب على الكلمات المناسبة، قد تختصر عليهم الوقت للعثور على أخرى عجزوا عن إيجادها ،قد تمكنهم من وزن بيت شعر لم يستطيعوا ضبطه، وربما دلّتهم على قائمة تخريجات لمآزق الكتابة، قد تعرض عليهم نهايات عظيمة وحبكات متقنة، وعقد لا يحلها حلاّل. قد تأتيهم بشخصيات أسطورية مبهرة لا تقاوم.
ماذا سيحدث وقتها؟ هل ستباع هذه اللوجسيالات ”حصريا” للكتّاب؟ أم سيشمل الأمر الهواة والراغبين في الكتابة أيضا؟ ماذا لو قُرصن اللوجسيال وأصبح يحمَّل بالمجان؟ سيصير الكلّ كاتب؟ ستُلغى جائزة نوبل للآداب وتتوقف البوكر لحدّة المنافسة ؟ تخيلوا معي ”لوجيسيالا” آخر يحلِّل ما نقرأ، فيشير مثلا إلى إحدى العبارات ”هذه العبارة مستوحاة من رواية ”لمن تقرع الأجراس” لهمنغواي، تقليد واضح في الفقرة لأسلوب أحلام مستغانمي، الموقف أعلاه ورد في رواية ”غدا يوم جديد” لعبد الحميد بن هدوڤة، سبق إلى هذه الفكرة فيكتور هوغو في ”البؤساء”، البيت التالي تجد شبيها له في ”جدارية” محمود درويش، بيب بيب بيب.. إنك تقرأ نصا منقولا كليا، عد إلى النص الأصلي للمقارنة. أماّ المفاجأة الكبيرة، الخطيرة، المثيرة احبسوا أنفاسكم.. ”أبوليوس” لم يكن أول من كتب الرواية كما كنا نظن و”الحمار الذهبي” لم تكن إلاّ استيلاء رشيقا على كتّاب لا أعرفهم والذين استعاروا بدورهم من الكاتب الأول عفوا ما قبل الاوّل والذي لا أعرفه أيضا، هل سيستطيع اللوجسيال المحتمل إيجاد نص لم يستعر شيئا من نص آخر؟ هل سيفقد القراء ثقتهم بالكتاب وقتها؟ مادام في الأمر الكثير من الاستعارة، مادامت الكتابة تتم بالوجيسيال أيضا، أصدقكم القول ِخفت علينا كثيرا وأنا أتخيل أن الذي أكتبه قد يصير حقيقة يوما، أعزائي الكتّاب خافوا أيضا، أنتم من تحبون القراءة كذلك، من يدري ربما بعد 2026 سيكتب أحدهم عن موضوع الساعة ”لوجيسيال أدبي” بيب بيب بيب ”قديمة”، ذكر الموضوع في جريدة ”الفجر” سنة 2012..
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)