الجزائر

من بعض أوصاف أهل الأندلس



من بعض أوصاف أهل الأندلس
تختلف صفات وخصائص أهل الأندلس بإختلاف الفترات التاريخية التي عاشوها، وليس من المنطقي إعطاء صبغة واحدة لأهل الأندلس وقد إختلفت ظروف حياتهم حسب الأزمنة والحكم وتنوعت في مجتماعاتهم التأثيرات مع الهجرات والتمازجات الثقافية وتعدد الكوينات الإجتماعية، لكن مع ذلك فقد تميّز الأندلسيون بخصائص عدة وصفهم بها المؤرخ ابن سعيد المغربي الذي عاش في القرن السابع الهجري (610-685 هـ) /(1214 – 1286م) وذلك في كتابه “الـمُغرب في حلى أهل المغرب” وقد نقل هذه الصفات صاحب كتاب نفح الطيب المقري التلمساني، و من بعض أوصاف أهل الأندلس ما سنذكره لكم هنا:
– يحبون النظافة حبّا شديد، إذ يقول “هم أشدُّ خلق الله اعتناء بنظافة ما يلبسون وما يفرشون، وغير ذلك مما يتعلّق بهم، وفيهم مَنْ لا يكون عنده إلا ما يقوته يومَهُ، فيطويه صائمًا ويبتاع صابونًا يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعةً على حالة تنبو العين عنها”.

– لديهم ميل واضح في التأنق في ملابسهم وانفرادهم بتقاليد في الزيّ تختلف من أهل الأمصار الأخرى وحسن تدبيرهم في شؤون حياتهم.

– يحبون العمل ويكرهون البطالة والتسوّل، ولديهم رغبة وقادة في العلم والتعلّم.

– متديونون يحافظون على قواعد ديانتهم ويلتزمون بإقامة حدودها وإنكار التهاون في تعطيلها وقيامهم بذلك إذا ما أحسوا تهاوناً من السلطان في إقامتها.

– يتميزون بحبهّم الشديد للغناء وشغفهم بسماعه حتى أنهم ليفضلون الضروري من العيش مع سماعه على العيش المترف دونه، وهذا يدلّ على صفة بارزة فيهم وهي رقة عواطفهم ورهافة أحاسيسهم. ولم يكن شيوع الغناء مقتصراً على قصور الملوك بل شاع في أوساط العامة كذلك، ففي بلنسية على سبيل المثال لا تكاد تجد فيها من يستيطيع على شيء من دنياه إلا وقد اتخذ عند نفسه مغنيّة وأكثر من ذلك وإنما يتفاخر أهلها بكثرة الأغاني ويقولون: عند فلان عودان وثلاثة وأربعة وأكثر من ذلك” (1)

– الدعابة والظرافة وسرعة البديهة في الإجابات من أهم صفات أهل الأندلس، ومن ذلك ما يحكى عن عالم من مدينة ألمرية وهو القاضي أبي الحسن مختار الرعيني،وقد كان فه حلاوة ووقار وسكون، فاستدعاه زهير ملك ألمرية في مجلس حكمه، فجاءه يمشي مشية قاض قليلاً قليلاً، فاستعجله رسول الملك، فلم يعجل، فلما دخل عليه قال له يا فقيه ما هذه البُطء؟ فتأخر القاضي إلى باب المجلس وطلب عصا وشمّر ثيابه، فقال له زهير: ماهذا؟ قال: هذا يليق بإستعجال الحاجب لي، فوقع في خاطري أنه عزلني عن القضاء وولاني الشرطة. فضحك زهير واستحلاه ولم يعد إلى استعجاله.

– هناك الكثير من المتناقضات في حياتهم أو التطرف في بعض الأمور وتدبير المعاش والإحتياط فيه حتى ينسبون إلى البخل. إذ أنهم أهل احتياط وتدبير في المعاش، وحفظ لما في أيديهم خوف ذلِّ السؤال، يضيف ابن سعيد في أوصافهم أن لهم مروءات على عادة بلادهم، لو فطن لها حاتم الطائي لفضل دقائقها على عظائمه، ويروى قصة تدلل على ذلك في كتابه “الـمُغرب في حلى أهل المغرب” أنه اجتاز مع والده قرية من قرى الأندلس أوى إليها لما ناله من برد وهناك يقول “كنّا على حال ترقُّب من السلطان وخلوّ من الرفاهية، فنزلنا في بيت شيخ من أهلها، من غير معرفة متقدمة، فقال لنا: إن كان عندكم ما أشتري لكم فحمًا تسخنون به فإنّي أمضي في حوائجكم، وأجعل عيالي يقومون بشأنكم، فأعطيناه ما اشترى به فحمًا، فأضرم نارًا، فجاء ابنٌ له صغير ليصطلي، فضربه، فقال له والدي: لِـمَ ضربته؟ فقال: يتعلم استغنام مال الناس والضَّجَرَ للبرد من الصغر، ثم لما جاء النوم قال لابنه: أعطِ هذا الشاب كساءك الغليظة يزيدها على ثيابه، فدفع كساءه إليّ، ولما قمنا عند الصباح وجدتُ الصبي منتبهًا ويدُه في الكساء، فقلت ذلك لوالدي، فقال: هذه مروءات أهل الأندلس، وهذا احتياطهم، أعطاك الكساء وفضّلك على نفسه، ثمَّ أَفكَرَ في أنك غريب لا يعرف هل أنت ثقة أو لصّ، فلم يطب له منام حتى يأخذ كساءه خوفًا من انفصالك بها وهو نائم، وعلى هذا الشيء الحقير فقس الشيء الجليل” (2) .

_________
(1) نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار للعذري، ص: 18، تحقيق: عبدالعزيز الأهواني، مطبعة الدراسات الإسلامية، مدريد، 1965م.
(2) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للمَقَّري، الجزء الأول، ص223-224.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)