الجزائر

من برجي التجارة إلى لاس فيغاس



من برجي التجارة إلى لاس فيغاس
تنفّس العالم الحرّ بملء رئتيه المتعبتين و هو يسمع من أفواه و أصوات المسؤولين الأمريكيين، أن الذي ارتكب مجزرة لاس فيغاس الرهيبة، هو رجل أمريكي أشقر، شخّص حالته رئيس البلاد دونالد ترامب و قال عنه أنه مريض نفسيا و ربما مختل عقليا إلى درجة الجنون الذي دفعه إلى جمع ترسانة حربية من الأسلحة و الصعود إلى برج عال و الشروع في الانتقام من المجتمع الأمريكي على طريقته هو الآخر.و بقدر ما أثلجت هذه التأكيدات صدور الكثير من الذين يكونون عادة كباش فداء أو محل تهم ظالمة من العرب و المسلمين عبر العالم في مثل هذه الأعمال الإجرامية المثيرة، فقد دفعتهم أيضا إلى التساؤل بمرارة و القول ماذا لو أن مرتكب هذا الجرم الجماعي المروّع في حق مدنيين عزل، كان مسلما أو عربيا أو له خلفية دينية إسلامية أو حتى نطق بكلمة واحدة قد تصنّفه و تلحقه بدائرة الإرهاب العالمي القادم بالتحديد من الشرق الأوسط ؟.
لو أن الفرضية الثانية هي التي حدثت على الرغم من أن جريمة لاس فيغاس لا تقل إرهابية و ترويعا عن أشهر الجرائم المنسوبة للإرهاب الدولي، لسارع العالم كله إلى التنديد و الاستنكار ببساطة لأن العملية الإرهابية تبنتها منظمة مثل داعش موضة اليوم أو القاعدة بالأمس.
و قد أظهرت مجزرة لاس فيغاس التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين شخصا، أن المجتمع الأمريكي تتهدّده أخطار أمنية أخرى لا تقل وقعا من خطر الإرهاب الدولي الموصوف بأنه الخطر رقم واحد في العالم، خاصة لمّا تحاول أوساط مغرضة عرض المواجهة بين الإرهاب و مجموع الدول الغربية التي تحاربه، على أنها حرب حضارية بين العرب المسلمين و بين الغربيين المسيحيين.
و مثلما كانت حادثة تفجير برجي التجارة العالميين عام 2001، تأريخا للإرهاب الدولي المنسوب عن حق أو باطل إلى المسلمين العرب، فإن حادثة لاس فيغاس تكون أيضا تأريخا لأزمة المجتمع الأمريكي الذي دخل في مواجهة صريحة مع إرهابييه الذين رخّص لهم حمل الأسلحة على نطاق واسع و شرّع لهم حل مشاكل الحياة الصعبة بلغة السلاح.
و هذا ليس غريبا على أوصال هذا المجتمع الغريب الذي تنخره الجريمة المنظمة و المخدرات و اللّصوصية و الانتحار و غيرها من الانحرافات التي أدخلت فئات واسعة من المهمّشين اليائسين دائرة الانتقام و الاقتصاص من أفرد مجتمعهم بطريقة مرعبة لا تختلف كثيرا عن الإرهابيين الذين يريدون الانتقام من الدولة الأمريكية.
إن الأزمة الأخلاقية التي تهزّ المجتمع الأمريكي بلغت ذروتها مع هذه الحادثة الأسوأ في التاريخ الحديث.
يحدث هذا عندما ترفع الدولة الأعظم في العالم الراية البيضاء أمام جشع صانعي و تجار الأسلحة و كذلك أمام رغبة جامحة لفئة واسعة من الأمريكيين الذين اعتادوا على استعمال السلاح الفردي في ممارسة هواية الصيد و في حماية أنفسهم و الدفاع عن مصالحهم.
و هو نفس الدافع تماما الذي يحرّك دولتهم في أصقاع العالم، و هي تشجع على استعمال المزيد من السلاح و اللجوء إلى القوة و العنف و التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول و إثارة النزاعات و الخلافات.
الدول العظمى و على رأسها الولايات المتحدة تدرك جيّدا أن إغراق العالم بالمزيد من الأسلحة و الذخائر، سيثير أكثر حفيظة الإرهابيين مهما كانت طبيعة الدوافع التي تحركهم دينية أو انتقامية، و تدرك أيضا أن ذلك يفرح صانعي الأسلحة و التجار الذين يعملون في حقيقة الأمر على صناعة الإرهاب و تفريخ الإرهابيين بغض النظر عن التسميات لأن النتيجة واحدة و هي في جميع الحالات قتل الأبرياء دون وجه حق.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)