هناك شكوى معتادة نسمعها كثيرا من الفتيات المراهقات، والخاصة بتذمرهن من كثرة الأسئلة والاستفسارات التي تحاصرهن بها الأمهات في الغالب. فعلى سبيل المثال، تتوالى أسئلة الأم عند عودة ابنتها من المدرسة: كيف كان يومك، وماذا حدث بالمدرسة؟ لماذا عدت متأخرة؟ لماذا لم تعد صديقتك المقربة تزورنا هذه الأيام؟
وغيرها الكثير من الأسئلة المماثلة التي تعتبرها المراهقة تدخلا سافرا في أمورها الشخصية وإقرارا بعدم ثقة الأم فيها ورغبتها في مراقبة كل تحركاتها، لذا فهي تكره الإجابة عليها، وقد تجيب باقتضاب وبضيق واضح في كل مرة، أو تتجاهل الإجابة في بعض الأحيان مما يؤدي لخلافات وجدل لا ينتهي مع الأم، فلا هي تتوقف أبدا عن توجيه الأسئلة، ولا الابنة تستوعب أسئلتها بصدر رحب.
والسؤال هنا: ما الذي قد يؤدي بك إلى هذه المرحلة مع والدتك؟ الإجابة ببساطة هي أنك في مرحلة سنية خطرة "اعترفت بذلك أم لا"، وفي هذه المرحلة ينتاب الأم قلقا كبيرا على ابنتها ورغبة عارمة في حماية صغيرتها من أي خطر. ويزيد الطين بلة أن تراك والدتك منغلقة على نفسك، تعيشين في عالم منفصل عن الأسرة، وتقضين خارج المنزل وقتا أكثر مما تقضينه داخله، ولا تحكي لها أبدا عما حدث خلال يومك، وإن بقيت في المنزل أحيانا، فأنت لا تغادرين غرفتك التي تغلقينها عليك، ولا تكادين تغادرين مقعدك أمام شاشة الكمبيوتر، إلا لتحدثي بعض الأصدقاء على الهاتف المحمول!
كل هذا يزيد من قلق وتوتر الأم، فتبدأ في إلقاء سيل منهمر من الأسئلة عليك كلما رأتك، فهي في حاجة لأن تعرف أهم ما يمر بك من أحداث يومية حتى يطمئن قلبها، وليس لمراقبتك أو تضييق الخناق عليك أو أي من الهواجس السوداء التي تملأ رأسك.
إذن فما تفعله والدتك ليس إلا رد فعل على أسلوبك المنطوي المنغلق في التعامل معها، وإصرارك على استبعادها من حياتك كأنما لم تعد لها أهمية في حياتك. إنها فقط تريد أن توصل لك اهتمامها الكبير ورغبتها في علاقة قوية متينة معك بالسؤال المستمر عن أحوالك ومستجدات حياتك.
لكن لو غيرت أنت من أسلوب تعاملك مع والدتك منذ البداية... لو اعتبرتها صديقة مقربة إلى نفسك وصارحتها بكل ما يستجد في حياتك من أحداث أولا بأول، وأدركت أنها أصدق من سيقدم لك النصيحة، لما كانت لديها حاجة لسؤالك عن أي شيء، ولو حدث وسألتك في إحدى المرات، لن تشعري بالضيق لسؤالها، وستجيبين عليها بكل تلقائية وود وحنان، لأنه ليس لديك النية أصلا في إخفاء شيء عنها، ولأنك واثقة أنها لا تريد إلا الاطمئنان عليك.
ولو فرضنا أنها تحاصرك بأسئلتها بدافع عدم الثقة، فلابد أن لها أسبابها في ذلك. ارجعي بذاكرتك قليلا، فربما ارتكبت خطأ كبيرا في إحدى المرات دفعها لعدم الثقة بك، والسؤال بشكل دائم عن أحداث حياتك حتى تتدخل في الوقت المناسب لتجنب وقوعك في خطأ جديد قد يضرك أو يسيء إلى مستقبلك. وهنا الحل أيضا ليس التهرب منها أو الدخول معها في مناقشات عاصفة.
على العكس، عليك أن تتلقي أسئلتها بصدر رحب، مع الاعتراف بخطئك السابق وتعهدك بعدم تكراره أو ارتكاب خطأ آخر جديد. أخبري والدتك أنك حريصة للغاية على عدم خذلانها هذه المرة، وأنك بحاجة لأن تمنحك ثقتها مرة أخرى دون أن تقلق لأنك ستثبتين لها أنك أهل للثقة، وأنك تعلمت من أخطائك السابقة. ومع الأيام لو أثبت لوالدتك أنك بالفعل تستحقين ثقتها، ستكف تدريجيا عن ملاحقتك بالأسئلة المزعجة، ويتحقق لك ما تريدين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/10/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : ق م
المصدر : www.eloumma.com