الجزائر

من الملاعب إلى المكتبات



من الملاعب إلى المكتبات
أرخى الصالون الدولي للكتاب ستائره أمس الأول في طبعته الثانية و العشرين بالجزائر، و هو يحتفي بتحقيق رقم جديد في عدد الزوار الذي ناهز هذا العام مليوني مرتاد حسب المنظمين الذين شعروا بالغبطة و الرضا عن النفس و هم يرون نجاح تظاهرة ثقافية و تجارية بهذا الحجم الدولي، في الوقت الذي يتم فيه الحديث بمرارة عن ظاهرة العزوف عن القراءة و معاداة الكتاب.إن السقف الذي بلغه أكبر تجمع للمثقفين و القراء من كل ربوع البلاد، هو رقم ما فتئ يتضاعف سنويا و يزداد بنسب تحمل دلالات واضحة و مؤشرات ايجابية توحي بأن هناك فئة لا بأس بها من الجزائريين و الجزائريات لا يزال يستهويها فعل ركوب القراءة الحضاري على ظهر الكتب و المجلدات و القواميس، على الرغم من أن صعوبات الحياة البيولوجية لم تذر الكثير من الجهد و المال حتى يخصّص الفرد جزءا من ميزانيته لإشباع حاجاته الفكرية و المعرفية.
و مع ذلك أظهر الإقبال غير المسبوق على أكبر تظاهرة ثقافية في الجزائر، أن هناك جمهور آخر غير الجمهور الذي يرتاد ملاعب كرة القدم بأعداد معتبرة و معبّرة في ظاهرة حيّرت الباحثين السوسيولوجيين و النفسانيين عن إعطاء تفسير مقنع عن سرّ هوس الجزائريين بكرة القدم بالذات.الجمهور الآخر أكدّ وجوده و حضوره و هو يتكاثر و يتدافع على اقتناء الكتاب الأدبي و التاريخي و الأكاديمي و شبه المدرسي و القواميس، بنفس الإقبال الاعتيادي الذي يبديه على الكتاب الديني و كتب الطبخ.
و الملاحظ في « سيلا 22» أنه نجح إلى حد ما في إعطاء صورة تصحيحية عن الجزائري الذي لا يرتاد فقط ملاعب كرة القدم أو قاعات الحفلات، بل أيضا يرتاد المكتبات و دور الثقافة و مراكز العلم و المعرفة، إذ يكفي فقط توفير الإطار الملائم من الكتب المطلوبة و المعارف العصرية التي تقدم بأسلوب جذاب و ممتع، حتى يقبل الفرد على فعل القراءة بشكل تدريجي.
و قد شجع تهافت جمهور القراء و عشاق الكتب على غزو الصالون الدولي للكتاب، الكثير من الحاملين للهم الثقافي على الذهاب بعيدا في التفاؤل، حتى أن دار نشر حديثة الولادة و تتكون من شباب أطلقت على نفسها تسمية " الجزائر تقرأ " من فرط الفرحة برؤية حلم القراءة و هو يتحقق على أرض الواقع.
« الجزائر تقرأ» .. هي جملة جميلة و تستوقف أي كان لمساءلة ذاته و تدعوه بلباقة و عفوية لممارسة هذا الفعل الحضاري بوعي حتى يعرف ما له و يدري ما عليه؟. هي حقيقة .. و كأنها إشهاد يسجل أمام الرأي العام الوطني و الأجنبي على أن هذا البلد الذي يراه الآخر بعين الريبة و الشك و يراه بعض أبنائه بعين الجلاد المغترب الذي يجلد ذاته، هو ليس كذلك، بل هو بلد استرجع قدراته على التفكير و الفهم و الإدراك و التعلم و القراءة بعد فترات عصيبة قضاها في محاربة الجهل و الأمية و التطرف و التعصب.و هو الآن بصدد إصلاح و تنمية ملكات التعلم و القراءة و الفهم لدى أكثر من عشرة ملايين من التلاميذ و الطلبة الجامعيين الذين يرتادون المدارس و الجامعات، و هي المكان المناسب لتدريب الأجيال الصاعدة على ممارسة فعل الأمر « إقرأ» و مصالحة الكتاب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)