الجزائر

من الجزائر العاصمة إلى بومرداس



من الجزائر العاصمة إلى بومرداس
في قاعة فسيحة بمقر إقامتنا والتي تخصص أيضا للأعراس، كان لنا لقاء مع رئيس اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي وعديد أعضاء هذه اللجنة الذين اغتنموا فرصة حضور وفد المناطق المحتلة وجنوب المغرب من أجل التأكيد على استمرارهم في دعم نضال الشعب الصحراوي حتى تحقيق استقلاله الوطني الذي اعتبره رئيس لجنة التضامن الجزائرية، الحاج محرز العماري: "ينغص علينا احتفال الشعب الجزائري بالذكرى الخمسين لاستقلالها.. ففرحتنا باستقلالنا لن تكتمل يضيف الحاج محرز العماري إلا بحصول الشعب الصحراوي على استقلاله الوطني".
اللقاء الكبير والهام مع اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي، كان أيضا مناسبة لمشاركة وفدين من بلدين إفريقيين صديقين يحتفلان باستقلالهما الوطني هما جمهوريتا رواندا وبوروندي.
في هذا اللقاء تناول الكلمة وزير شؤون الأراضي المحتلة والجاليات الأخ محمد الولي لعكيك الذي عبر عن جزيل الشكر والامتنان للجنة الجزائرية ومن خلالها للقيادة والشعب الجزائريين على وقوفها الدائم والمستمر والمتواصل إلى جانب الشعب الصحراوي في كفاحه المشروع من اجل ضمان حقه العادل في الحرية والكرامة والاستقلال الوطني كباقي شعوب المعمور.
وقد غطت هذا اللقاء وسائل إعلام جزائرية وصحراوية ودولية، وأجرت استجوابات مطولة مع العديد من أعضاء الوفد القادم من المناطق المحتلة وجنوب المغرب مستفهمة بالخصوص عن الوضع الحالي وعن استمرار المحتل المغربي في انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان وعن أشكال المقاومة السلمية وأوضاع المعتقلين السياسيين الصحراويين، كما ناقشت مع البعض الموقف من قرار المغرب سحب الثقة من كريستوفر روس وتداعياته المستقبلية ...
وفي ختام هذا اللقاء المثير وأثناء تسليم بعض الجوائز الرمزية لبعض أعضاء اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي ولممثلي الجمهوريتين الصديقتين رواندا وبوروندي، استوقفنا جميعا الحاج محرز العماري ليقدم لنا شابا وشابة جزائريين تطوعا من أجل الانضمام إلى اللجنة المذكورة دفاعا عن حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، وأثناء إلقاء الشابة الجزائرية لكلمتها لم تستطع حبس دموعها وقالت بعبارات تخنقها العبرات: "والله لولم أكن جزائرية لاخترت أن أكون صحراوية".
كان هذا من المشاهد التي هزت مشاعر الحاضرين وبدت عيون كثيرة تذرف دمعا خالجه الكثير من الإصرار على المضي قدما حتى تحقيق النصر والاستقلال.
في نفس القاعة الفسيحة طلب منا البقاء ريثما توزع علينا استمارات ليسجل فيها كل منا الولاية التي تتواجد بها خيمة أوخيام أقربائه، وقد صادف أن كنت في هذه اللحظة بالذات أخوض في حوار مع المتطوعين الجزائريين واللذين عرفت أنهما من "الفوسبوكيين" ومن المشتغلين في مجال "غرف الدردشة". وقد سألاني عن أمور عدة ثقافية وسياسية واجتماعية وقد قلت في إطار جوابي عن الديمقراطية أنها ليست فقط دستور وقوانين ومؤسسات بل هي أيضا سلوك ومظاهر وكأمثلة على ذلك قلت لهما أن لاشيء في الدستور يجبر الوزير الأول في السويد على الذهاب إلى مقر عمله فوق دراجة هوائية، كما أنه لا وجود لقانون يلزم مثلا الوزير الصحراوي على مشاركتنا نفس الفندق ونفس الأكل... وأنا أشرح لهما فكرتي مكنني أحد الرفاق من استمارتي فقلت لشابين جزائرين: "ومن مظاهر الديمقراطية أيضا أنني سأنزل ضيفا بخيمة محمد عبد العزيز"، وكتبت ذلك أمامهما. وعند تسليمها للمسؤول عن الوفد قلت له: "من حقي أن أذهب حيث أريد:.
أجابني مبتسما: "طبعا من حقك"...
بعد ظهر ذاك اليوم انشغل أغلب أعضاء الوفد بالبحث عن وسيلة للاتصال بذويهم ولم أكن استثناء، كنت متلهفا للاتصال بوالدتي المريضة جدا والتي بالإضافة إلى معاناتها من مرض السكري، تركتها وهي تقاوم الهشاشة على مستوى العمود الفقري فلم تعد المسكينة تستطيع الوقوف بثبات على قدميها مما استدعى بالإضافة إلى أدوية باهضة الثمن استعمالها لعكاز اصطناعي وحزام طبي.. في هذه الحالة المزمنة تركتها ولم أتمكن منذ وجودي بأرض الجزائر أن أكلمها...
خرجنا مجوعات للحصول على شريحة للهاتف المحمول.. محيط الفندق عبارة عن فيلات فخمة وعمارات فاخرة تتوسط غابة وفي أماكن متباعدة للغاية وجدنا دكاكين تجارية قليلة والملاحظ أن التاجر الجزائري مختلف تمام الاختلاف عن التاجر المغربي فإذا كان الأخير يقبل المساومة ومتعود على المماطلة والأخذ والرد مع الزبون فعلى العكس فالتاجر الجزائري صارم لا يقبل المساومة ويطرح ثمنا لا يقبل فيه جدالا، بل ولا يقبل حتى الخطأ فيما يعرض من منتوجات وربما اعتبر ذلك الاستهزاء به وهذا ربما هوما حدث لرفيق لنا طلب من تاجر جزائري مده بنصف لتر من الحليب والحال انه لا وجود في الجزائر لعلبة اقل من لتر ونصف من الحليب، فما كان من التاجر الجزائري إلا أن رد على رفيقنا بخشونة: "صبحنا على الله روح روح تحوس".
هذه الواقعة جعلتني حريصا على التعامل بحذر مع التجار في الجزائر، فلكل شعب طباعه وهذا الشعب يفتخر "بالنيف" أي الاعتداد بالنفس ورفض الذل. وكمثال على هذا يقال أن سائحا أجنبيا مقيما بأحد الفنادق كان كل مرة وهوفي المسبح يطلب من نادل جزائري أن يجلب له مشروبا.. فعلها في المرة الأولى فاستجاب النادل، كررها ثانية فأحضر له صاحبنا ما طلب ، ولكن لما فعل في الثالثة جاءه صاحبنا الجزائري بصندوق كامل من المشروبات وصاح في وجهه أن خذ ما شئت واتركني لحالي...
لست أدري إن كانت هذه الحكاية حقيقية أم مجرد نكتة. لكن الحقيقة أن هناك بون شاسع بين مغاربة يفعلون أي شيء من أجل المال وبين جزائريين يفضلون كرامتهم على أموال الدنيا.
والمهم أنني حصلت على مرادي أنا ومجموعة من الإخوان من بينهم الأخ حمادي الناصري الذي تربطني به علاقة خاصة منذ شرفني ومجموعة من المناضلين والمناضلات بزيارتي في مدينة آسا بعد عودتهم من المؤتمر الثالث عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.. مؤتمر الشهيد المحفوظ علي بيبا. في هذه المرة كان للقائي به طعم خاص وأسئلة أخرى قربت المسافات بيننا وجعلتنا نحاول ملأ مساحات مهمة.. أقول أنني حصلت على شريحة للهاتف المحمول مكنتني من الاطمئنان على والدتي والاستماع إليها هي من قالت ذات يوم وأنا بعد في سجن تزنيت على أمواج الإذاعة الوطنية: "الأم الصحراوية الحرة ما تفتخر بولدها إلا إذا كان شهيدا أومعتقلا". وهذا مسجل في أرشيف الإذاعة الوطنية ...
في المساء وبعد تناول وجبة العشاء التحقت بغرفة علي سالم تامك حيث وجدت برفقته الولي أميدان والمامي اعمر سالم وحمزة اشياهوومع احتسائنا للشاي المعلوم تبادلنا أطراف الحديث حول مواضيع شتى لم تخل من استحضار بعض النوادر والطرائف، كما لم تخل من مستملحات المامي اعمر سالم.
في صباح الغد غادرنا حوالي الثامنة والنصف مقر إقامتنا باتجاه بومرداس لحضور افتتاح الجامعة الصيفية لإطارات البوليساريووالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في نسختها الثالثة والتي أطلق عليها هذه السنة جامعة احمد بنبلة والتي اشرف على حفل افتتاحها الوزير الأول الأخ عبدا لقادر الطالب عمر وأسندت رئاستها لوزيرة التعليم الأخت مريم السالك حمادة. وقد تميز افتتاح هذه الجامعة الصيفية بكلمة الوزير الأول الصحراوي ورئيس اللجنة الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي ورئيسة الجامعة وتلك التي تناوب على إلقائها كل من علي سالم تامك وسيدي محمد ددش والمامي اعمر سالم (إذا لم تخن الذاكرة مع الاعتذار إذا لم أكن دقيقا) باسم الوفد القادم من المناطق المحتلة وجنوب المغرب.
بعد ذلك تناولنا وجبة الغذاء في مطعم المعهد الوطني للبترول بحضور الوزير الأول وأعضاء من الحكومة الصحراوية ومساء نفس اليوم التحقت بنا كل من الأخت أعزيزة أميدان والأخت خوالة علي حسن بينما لم تستطع أخت الشهيد الحسين الكتيف السالكة الكتيف من الالتحاق بالوفد لظروف قاهرة. وهكذا أصبح عدد الوفد 49 فردا من بينهم على الأٌقل 34 يزورون الجزائر والمخيمات لأول مرة.
بتنا ليلتنا نحزم حقائب السفر وفي تمام الرابعة صباحا تم إيقاظ الجميع للالتحاق بالحافلة التي انطلقت حوالي الخامسة صباحا في اتجاه المطار العسكري بالجزائر العاصمة الذي منه ستقلنا طائرة عسكرية نحوتندوف...
كانت طائرة عسكرية ضخمة أظن أنها من صنع سوفياتي، لم تكن مريحة بالمرة ولا مكيفة وفوق ذلك كانت مكتظة حد الاختناق وبسبب ذلك اضطرت سعاد محمد عبد العزيز والعديد من الطلبة الصحراويين الذين وجدناهم في المطار العسكري العودة إلى مقرات اقاماتهم في انتظار رحلة أخرى تأخذهم في القادم من الأيام إلى تندوف.
قبل الصعود إلى الطائرة أخبرني المسؤول عن الوفد أن أمتنع أنا المصاب بداء السكري من شرب الماء لأنه لا وجود لمرحاض للعموم في هذه الطائرة، وسأضطر إلى مقاومة العطش والحاجة لإفراغ مثانتي من الجزائر العاصمة وحتى توقف الطائرة بمطار وهران حيث وجدت في المساحة على جانب مدرج هبوط الطائرة ملاذا خففت فيه عبئي من السوائل أنا وشبيه لي في المرض النقابي الأخ محمد الجعيم الذي على ذكر الطيران عرفت منه أنه كاد يتخرج طيارا في سلاح الجوالمغربي وربما قام بطلعة جوية أوأكثر ولكن لما علمت المخابرات العسكرية أنه صحراوي تخلصت منه.. سمعت منه هذه الحكاية ونحن نعود أدراجنا إلى طائرة تبدووكأنها تحمل سكان مدينة كاملة.
بعد أكثر من ثلاث ساعات من الطيران وبعد أن تصبب منا عرق كثير، وتألمنا من طول الجلوس على مقاعد من حديد، أخيرا بلغنا مدينة تندوف التي استقبلتنا بوابل من الحر الشديد الذي نفخته في وجوهنا دون سابق إنذار، وكأننا نمشي على الجمر تحركنا نحوالسيارات الرباعية الدفع التي كانت بانتظارنا والتي تحمل كلها ما يفيد أنها هبة من منظمات إنسانية أسبانية. في السيارة التي أقلتنا أنا والمامي اعمر سالم وعبد ربه بادي ومحمد اشويعر وحمزة اشياهووحمزة تعرفنا إلى مرافقنا سعيد والذي يعرف فعلا كيف يتعامل مع مقود السيارة، والذي سيتحملنا طيلة تواجدنا بالمخيمات ولن يفارقنا لحظة واحدة حتى عودتنا إلى مطار تندوف، أٌقول هذا لأنه بعيدا عن الواجب فقد عاملنا جميعا بلباقة واحترام وتجشم الكثير من العناء من أجل راحتنا وكان فعلا إنسانا خدوما مرحا جعلنا في أوقات صعبة ننسى الحر والرغبة في التذمر وننخرط معه في أجواء بهجة وحبور.
كان ما سبق بين قوسين وبالعودة إلى موكبنا الذي انطلق نحومخيمات العزة والكرامة وسط موجة من الحر الشديد وهبوب بين الفينة والأخرى زوابع رملية تحجب الرؤية، كانت وجهتنا حسب ما أخبرنا به مرافقنا مخيم 27 فبراير .
بقلم مصطفى عبدالدايم/كاتب من الجمهورية العربية الصحراوية


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)