بعثت باريس “رسالة أمل” لضحايا التجارب النووية بالصحراء، عبّرت عنها باكورة اجتماع اللجنة العليا المشتركة الملتئمة أثناء زيارة الوزير الأول، عبد المالك سلال لفرنسا، بإمكانية تعويض هؤلاء. وليست هذه الرسالة هي الأولى من نوعها، فباريس بعثت برسالة أمل عام 2009، واتفقت مع السلطات الجزائرية بتشكيل لجنة مشتركة للبت في الملف، لكنه كان أملا زائفا، فالحكومة الفرنسية سنت، فعلا، قانونا لتعويض الضحايا، لكن الضحايا الفرنسيين الذين كانوا يشتغلون في محيط التجارب النووية، وليس الجزائريين الذين مازالوا يموتون إلى اليوم، بفعل الإشعاعات النووية.تناولت باريس مطلب ضحايا التفجيرات النووية بالصحراء، خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، قبل ثلاثة أيام، كما لو أنه ملف جديد يرفع لتوه من قبل شريحة من الجزائريين تحت رحمة الإشعاعات النووية، بالرغم من مرور عقود من الزمن، وتأكيد الجانب الفرنسي بقبوله مبدئيا الخوض في الملف، من خلال تهيئة الأجواء لتشكيل لجنة خبراء مختلطة لتحديد الأشخاص المعنيين بالتعويض من حاملي الأمراض الناتجة عن الإشعاعات النووية، يعني أن هناك معطيات جديدة في ساحة العلاقات بين البلدين، تمثل فيها الأجزاء “السياسية” عصب التحريك. ومن هذه الأجزاء، طرح ولأول مرة بصفة رسمية، قضية “أملاك الفرنسيين في الجزائر”، ويتعلق الأمر بعقارات المعمرين الذين تركوها وعادوا إلى بلدانهم غداة استقلال الجزائر.واللافت أن هذا الملف ليس جديدا في التجاذبات السياسية بين الجزائر وباريس، بل يعود إلى سنوات خلت، فقد اتفقت حكومتا البلدين على تشكيل لجنة مختلطة للبت في ملف ضحايا التجارب النووية، تحسبا لتعويضهم. لكن اللجنة التي شكّلت أواخر 2008، لم تعمل ولا أحد عرف مصيرها ولا أحد سأل عن ذلك، منذ ذلك الوقت. بينما انشغل الجميع بخلافات سياسية جديدة بين البلدين، تارة بسبب تداعيات مطلب الجزائريين بتجريم الاستعمار، وفقا لقانون يظل إلى الآن في أدراج مكتب البرلمان، وتارة أخرى لأسباب اقتصادية، وعلى رأسها قاعدة 49/51 في المائة التي يطالب الفرنسيون برفعها. لكن، في المحصلة، لم تكن هناك متابعة من قبل السلطات الجزائرية لقضية اللجنة بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لذلك، وتزامنت تلك الفترة مع تصريح لرئيس الحكومة آنذاك، أحمد أويحيى، الذي قال إنه يعارض قانون تجريم الاستعمار، واتهم نواب الأفالان الذين كانوا وراء القانون ب«البزنسة السياسية”.وسبق للحكومة الفرنسية أن سنت قانونا لتعويض ضحايا التجارب النووية عام 2010، وافترضت الجهات الفرنسية المختصة وجود ما لا يقل عن 150 ألف ضحية للتجارب النووية في الجزائر وبونيليزيا، بعد تسجيل قيامها ب210 تفجيرات نووية في البلدين بين 1960 و1996. كما نقل عن وزير الدفاع الفرنسي السابق، قوله إن عشرات الآلاف من سكان المناطق التي أجريت بها تفجيرات نووية، سطحية أو تحت الأرض، معنية بعملية التعويض. وبموازاة مع ذلك، تحركت جمعيات الدفاع عن حقوق الضحايا من أجل افتكاك التعويضات، فقد تمكنت من جمع 837 ملفا قابلا للتعويض ويستجيب للشروط التي حددتها مصالح الخارجية الفرنسية، لكنه تبين لاحقا أن القانون يخص الفرنسيين وحدهم الذين كانوا يشتغلون في محيط تلك التجارب.ولكن فرنسا لم تغلق باب التعويضات لفائدة الجزائريين، بالكامل، وألقت بالملف بين أحضان لجنة “مجمدة” واقعيا. ورغم ذلك، وضعت شروطا تعجيزية لقبول ملفات التعويض، بقائمة من أنواع السرطان القابلة للتعويض، في حين تجاهلت الأمراض الأخرى غير السرطان، مع أنها فتاكة وظهر ذلك مع مرور الوقت، وراح ضحيته العشرات من الجزائريين. والغرض، كما أكده الخبراء، إقصاء ضحايا آخرين للجريمة، على غرار أولئك الذين تعرّضوا لتشوهات خلقية ووراثية، ثم إن حصر التعويضات في الأشخاص الذين تعرضوا لإصابات مباشرة، يهضم حق فئات وأجيال بكاملها ستعاني نتائج التجارب النووية الفرنسية.وبعد أربع سنوات، وجهت باريس “غمزة” للجزائر، كإشارة لقبولها البت في القضية مجددا، لكنها تنتظر “غمزة” من الجزائر تشير إلى قبولها بالمقابل، والمقابل هو تمكين المعمرين من استرجاع ممتلكاتهم التي تركوها بالجزائر. وفي هذه الحالة، لا يمكن للحكومة اتخاذ تدابير لتمكينهم من ذلك إلا بوقف تنفيذ قانون سنّته عام 2010. وعلى الأقل، هذا ما يظهر في بطن محصلة اجتماع اللجنة المشتركة العليا بين البلدين، علما بأن العدالة الجزائرية خاضت في العشرات من دعاوى قضائية لفرنسيين يريدون استعادة ممتلكاتهم، ومنها عقارات بالعاصمة، من شقق وبنايات، وذلك بمساعدة “أطراف جزائرية”.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/12/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد شراق
المصدر : www.elkhabar.com