: وينتهي البحث في خاتمته إلى القول أن معظم الصحف الوطنية كان لها دورها الفاعل في النهضة الوطنية العامة، وفي احتضان الحركة الثقافية واللغوية وتطويرها بوجه خاص، مما جعل هذه الصحف (بحق) المصدر الرئيسي الذي لا يمكن أن يستغني عن الرجوع إليه كل من يتصدى للتأريخ والبحث في أوضاع الجزائر في العصر الحديث: اجتماعا وسياسة وثقافة وأدبا ولغة. وبالرغم من هذه الأهمية لهذه الصحف فإن الخزائن العامة في الجزائر تكاد تخلو من هذه الدوريات، وإذا ما عثر الباحث في هذه الدور على شيء من ذلك، فإنه واجد القليل منه في مجلدات، وأما كثيره فهو على شكل أشرطة مصورة (ميكرو فيلم)، ومن ثم فإن جل ما يرجع إليه الباحثون ويقيمون عليه دراستهم في هذا المجال يعود إلى بعض المكتبات الخاصة. أما مجموع هذه الدوريات فهو من وراء البحر. وإنه لمما يحز في النفس أن تظل تلك الكنوز من تراث الأمة مدفونة في دهاليز بعض المكتبات الأجنبية، غريبة عن منابتها الأصلية، وكأنما أريد لها بذلك أن تعيش عناء هذه الغربة مرتين، تعيشها بالأمس حين كانت تلاحق بالقوانين الجائرة وهي في طريقها إلى الأمة، فتزعم على التوقف والمصادرة، وتجبر على السكون والسكوت، وتعيشها اليوم وهي سجينة في منفاها هنالك وراء البحر، تتلظى بنار الشوق والحنين إلى استنشاق نسمات الربوع التي ولدت فيها، وعرفت طريقها إلى نور الحياة فوق جنبات ثراها، وامتطت صهوة الجهاد والمغالبة من أجل استرداد حريتها وفك أسرها.
فمتى تتحرك الضمائر الحرة و الإرادات المخلصة إلى إطلاق سراح هذه الذخائر الحبيسة، وإخلاء السبيل أمام عودتها إلى أهلها وذويها ؟ ويومئذ ستنتعش الأرواح بأريج عبير أوبة تلك الآثار، وتصقل العقول بثاقب أفكارها، وتستقيم مناهج البحث بناصع حقائقها، وتزهر حقول الثقافة والفكر والأدب واللغة، بثمار غلالها، وفيض نداها، وكريم محتدها...
وإن المرء وقد انتهي به البحث إلى رسم بعض الملامح، مما كانت تفيض به صدور رجالات الأمة وتجسده أعمالهم ومواقفهم بالأمس، حبا واعتزازا بالعربية، نشرا وترقية لها، غيرة ومنافحة عليها، فإنه وهو يسجل هذه الحقيقة، ليشعر بأمل كبير يغمر قلبه بأن تكون همم رجالات الأمة اليوم وغدا في عصر (العولمة) التي تعني - في جملة ما تعنيه - تهميش وإقصاء الخصوصيات اللغوية والثقافية للأمم الأخرى، أكثر وفاء للغة الملة والأرومة، وأشد حرصا على النهوض بها، وترقيتها ونشرها، حفاظا على أصالة الأمة، وحماية لشخصها، وصيانة لوحدتها، والله الموفق...
الهوامش: نشير بدءا إلى أن البحث رجع فيما يتصل بعملية التأريخ للصحف المدروسة، إلى أهم الأبحاث التي عنيت بالصحف الجزائرية وهي:
أولا. الصحف العربية الجزائرية: د/ محمد ناصر (ش. و.ن.ت) الجزائر 1980.
ثانيا. تاريخ الصحافة في الجزائر: الزبير سيف الإسلام (ش.و.ن.ت) الجزائر 1986
ثالثا. الصحافة الإسلامية الجزائرية: د/زهير إحدادن (م.و) الجزائر ب. ت.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/11/2021
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - محمد بن سمينة
المصدر : اللّغة العربية Volume 6, Numéro 1, Pages 311-338