الجزائر

مقوّمات سياحية بأعالي جبال عمّال تبحث عن التثمين



مقوّمات سياحية بأعالي جبال عمّال تبحث عن التثمين
بادرت جمعية "تفات" لقرية تيزى الواقعة بأعالي جبال عمال (جنوب ولاية بومرداس) أوّل أمس، بتنظيم خرجة سياحية لفائدة عدد من المؤسسات الشبانية بالولاية ورجال الإعلام؛ قصد التعريف بالمقوّمات السياحية التي تزخر بها المنطقة، للفت انتباه السلطات إلى أهمية إيلاء عناية أكبر بالسياحة الجبلية، خاصة أنّ ما تزخر به عمال من إرث طبيعي وتاريخي يعود إلى الحقبة العثمانية وحتى ما قبلها..ما يزيد عن 200 تلميذ وشاب يمثلون 15 مؤسّسة شبانية من الجهات الأربع لولاية بومرداس، شاركوا في الخرجة السياحية التي نُظمت أول أمس السبت بأعالي جبال عمال. واستُهل التجوال الجبلي بالاتجاه إلى منطقة جراح التي تحمل لوحدها إرثا تاريخيا يعود إلى أيام الثورة التحريرية، ومنه معارك القائد علي خوجة في 18 ماي 1956، وبالضبط بمنطقة امذوح جراح، وفخ بوعلام بوقري في منطقة بلمو تيغرسوانين، وغيرها من المعارك التي وقعت بالمنطقة، التي تتميّز بتوسطها الجبال، علما أن السلطات الولائية اهتمت مؤخرا بنبش بعض المغارات لنفض الغبار عن تاريخ يرقد في جوفها بعدما رجحت بعض المصادر التاريخية وجود رفات تعود إلى شهداء الثورة.
زاوية «آيث أولمو» وزردة الزبوج وإفاون
بعد مشي قرابة أربعين دقيقة بين أحراش جبال جراح وصلنا إلى «قبة آيث أولمو»، وهو المكان الذي يقع في الحدود بين منطقة جراح ودكان. ويوجد به آثار منزل كان يقيم فيه - حسب رواية أولى - رجل صالح كان يطلق عليه اسم «أولمو»؛ نسبة لشجرة الدوم التي تنبت بالمنطقة. وكان الرجل الصالح يعلّم السكان اللغة العربية والقرآن، ويستعملها لنسج العديد من الأدوات المنزلية، فأطلق عليه تسمية «آيث أولمو». وبعد وفاته اتّخذ من منزله مزارا للسكان. وتقام هناك «زردة» أو وليمة مرتين في السنة، تُذبح الذبائح ويوزّع الأكل على الجميع، حسبما يرويه ل «المساء» بالقرب من قبة الولي الصالح «آيث أولمو» الشاب جمال عبدي ابن المنطقة، مضيفا أنّ الزردة الأولى تقام قبيل لمّ الزبوج أو جني الزيتون أوائل نوفمبر، والثانية تقام في موسم جني «أوتشي إفاون»؛ أي جني الفول بداية شهر ماي، قائلا: «لكن للأسف هجر السكان منازلهم وأراضيهم خلال العشرية السوداء. واليوم نسجّل عودة محتشمة للسكان إلى أراضيهم بعد عودة الأمن. وصارت معظم تلك العادات مجرّد ذكريات».
الرواية الثانية، حسبما استفيد من المكان، تقول إنّ الولي الصالح أولمو ينحدر من منطقة الأندلس ضمن السكان الذين نزحوا من الأندلس نحو شمال إفريقيا، وكان يتقن اللغة العربية والقرآن. وبعدما استقر بالمنطقة التي حملت اسمه فيما بعد، أخذ يعلّم الناس العربية والقرآن في منزله المتواضع الذي أصبح يعرف ب «زاوية آيث أولمو». وبعد وفاته صار «قبة» (ضريح) يزورها أهل المنطقة وما جاورها تبركا به، يوضح، من جهته، حليم بولجنت عضو جمعية «تافات تيزة».
وحتى وإن اختلفت الروايات بشأن «قبة آيث أولمو» إلاّ أنّ المؤكّد وجود آثار الزاوية بالمكان، وإلى جوارها مسكن القيّم، وعين طبيعية مازالت تنبع من جوفها مياه عذبة، «ونحن اليوم ندعو السلطات إلى التدخّل وتهيئة هذا المكان الخلاب؛ ترويجا للسياحة الجبلية والدينية على السواء»، يقول، من جهته، مختار بولجنت المدعو «موتشو» رئيس الجمعية المنظّمة للتجوال الجبلي.
«ثمصمرت».. شاهد على قوافل العثمانيين
لا تخلو المعالم السياحية بأعالي جبال عمال، فعلى بعد حوالي كيلومترين تظهر أمامك بين الأحراش طريق يطلق عليها تسمية «ثمصمرت»، تعود إلى الحقبة العثمانية، سميت كذلك؛ لأنّها معبّدة بقطع حجرية؛ وكأنّها منحوتة بأيدي حرفيين مهرة، كانت تمرّ عبرها قوافل جنود العثمانيين بين العاصمة وقسنطينة مرورا ببودواو، ثم تصعد عبر قرية بحارة، ثم قرية أموغار، ثم منطقة عين السلطان، ثم دشرة قرقوز فززّي (الأخضرية حاليا)، ثم رأس البويرة، وتكمل مسارها إلى قسنطينة، حسبما استفيد من شروحات على الطريق الذي مازال به القنيطرة أو جسر حجري يسهّل مرور القوافل عبر ينابيع كانت تملأ المكان، وتعكس حقيقة جمالية المكان الذي يحكي صفحة من صفحات تاريخ الجزائر. غير أنّ المحزن في الأمر أنّ أيادي العبث قد طالت هذه الطريق، فالكثير من أحجارها اقتُلعت لتزخرف بها منازل فردية هنا وهناك بعيدا عن الأعين، وهكذا تشوّه أحد المعالم من تاريخ الحقبة العثمانية بدون تدخّل أحد.
«عين السلطان» جمال شاحب وسط العبث
عين السلطان التي ترجّح بشأنها الحكايا أنّها كانت تحوي «عريشة» استراحة أحد سلاطين الحكم العثماني بالجزائر ما بين 1500 و1600 ميلادي، تقول إنّ ينبوعا طبيعيا يترقرق عبره الماء العذب وتنمو حوله «الكروش»؛ أي أشجار مثمرة مختلفة لعلّ الخروب أهمها، وبقيت بعضها بالمنطقة حتى بعد أن أتت حوادث النيران على هكتارات منها في السنوات الأخيرة، لكن ذلك أثّر كثيرا على جمالية المكان. وما زاد الطين بلة تراجع المياه في النبع الطبيعي بسبب لجوء الكثير من فلاحي قرى اعرقوب وتمركنيط إلى ضخّ كميات كبيرة من النبع، بإفراط باستعمال المضخات الكبرى، مما أدى إلى تراجع منسوبها، وهي تعاني اليوم الجفاف والإهمال، «ولو يتم تهيئتها وتهيئة المسلك التاريخي ثمصمرت المؤدي إليها لكانت بالفعل بمثابة وجهة سياحية بامتياز، لاسيما أنّ السلطات تعوّل على السياحة لدرّ أرباح على الاقتصاد الوطني، خاصة أن عمّال لا تملك إلاّ الجبال كمصدر آخر للترفيه بديلا عن الشواطئ»، يوضّح «موتشو» رئيس جمعية «تافات تيزة».
ولئن انتهت رحلة الوفد الزائر لمناطق بلمو جراح ودكان وثمصمرت وعين السلطان بالعودة إلى قرية تيزة نقطة الانطلاقة، إلاّ أنّ العودة لم تكن شبيهة بالذهاب؛ كون الرحلة التي استغرقت قرابة خمس ساعات بين أحراش وجبال عمال، طبعت في أذهان الأطفال العديد من الذكريات الجميلة واستكشاف منطقة لم تخطر على بالهم، فكان جلهم يسارعون إلى هواتفهم الذكية أو إلى اللوحات الرقمية، لتخليد اللحظات بالتقاط الكثير من الصور التذكارية.
ولم تنته بعد رحلة العودة حتى كان معرض لحرفي هاو عصام فرياخ جمع التحف التاريخية، في انتظارهم، حيث عرض بعض الأدوات المنزلية الفخارية التي تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي. وأكّد ل «المساء» أنّه اقتناها من عند عائلات احتفظت بها لأجيال، ومنها ما يسمى «الكوفية»، وهي جرة كبيرة لتخزين القمح أو الذرى أو التين أو الحمص أو الخروب أو غيرها من المواد الغذائية مما توفّره الأرض عن طريق الفلاحة، تُجمع وتنظف ويرجى بعضها ويخزَّن ب «الكوفية» لمواسم متتالية.
والكوفية أنواع وأحجام قد يصل طولها إلى 40 مترا، وتوضع عند مداخل المنازل للتخزين، حسبما يشرح الحرفي، الذي عرض أيضا صورا لبعض رموز الثورة التحريرية ولمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)