الجزائر

مقطع من رواية عبرات وعبر : زلزال الأصنام



مقطع من رواية عبرات وعبر : زلزال الأصنام
انتقلت البنات إلى غرفة جديدة في الأسفل وانتقل الهادي ومراد وجلال إلى الغرفة الجديدة المجاورة. في حين، بقي إبراهيم وزوجته في غرفتهما القديمة المقابلة وظلَّت العجوز حليمة وزهرة في الغرفة القديمة الأخرى المجاورة، وهما غرفتان معرضتان للانهيار بعدما أكَلَ عَلَيْهِما الدَّهْرُ وَشَرِبَ.
في يوم الجمعة 10 أكتوبر 1980، رجَّ الجزائرَ زلزالٌ عنيف كان مركزه منطقة الأصنام وبلغ 7.3 درجات على سلم ريشتر. كان ذلك أعنف زلزال في تاريخ الجزائر. بل وكان ذلك أعنف زلزال تشهده منطقة سلسلة الأطلس منذ سنة 1790.
خبطَ الزلزالُ المنطقةَ خبطَ عشواء طاغيا شرسا فخلّف دمارا وترك جثثا هامدة مدفونةً تحت الأنقاض وأصواتا سجينة تتضرع طلبا للإنقاذ.
ضرب الزلزال أولاً ضربةً مدمّرة. ثمّ ضرب ضربةً أخرى بعد قرابة 3 ساعات من الضربة الأولى. كانت الهزّة الثانية هي أيضا شديدة مدمّرة بلغت 6.3 درجات على سلم ريشتر.
وما أشرس الزلزال!… فكأنّ الرّجّةَ الأولى لم تكن كافية ولم تشفِ غليله فثنّى برجّةً أخرى قويّة عصفت بما تبقّى في شرايين الأصنام من حياة وأهلكت من بقي حيّا تحت الأنقاض ينتظر الإنقاذ وأغرقت المنطقة في بركة الدمار والموت والتشرّد والهلع والدموع.
خلّف الزلزال ألاف القتلى ومئات الآلاف من المشرّدين. وأوقع الحدث آثارا عميقة في نفوس الجزائريين.
لكنّ الجزائر لم تقنط ولم ينقطع رجاؤها مع قلّة وسائلها وآلاتها. فلقد ثارت بلاد العزّة والكرامة والجهاد والصمود متّحدة متآزرة مضحّية فقدّمت كلّ ما توفّر لديها من مرافق وبذلت كلّ ما لديها من جهود.
رفعت الجزائر شعار التحدّي فزَمَّعَتْ في غمرة الدموع والآلام أن تعيد بناء الأصنام وأن تعيد لأهلها الناجيين الطّمأنينة والسلام.
رغم أنّ مركز زلزال 10 أكتوبر 1980 كان منطقة الأصنام، إلاّ أنّ أثره بلغ مناطق أخرى منها مدينة الجزائر. فلقد مسّ الزلزال العاصمة فبثّ الرّعب في نفوس سكانها ففزع الرّجال والنِّساء والأطفال من بيوتهم إلى الشوارع فمكثوا فيها خوفا من انهيار البيوت على رؤوسهم.
فرّ بعض أهل بيتِ إبراهيم إلى الشّارع حيث كانت تسود حالة من الهلع والفوضى. ولجأ بعضهم إلى بستان المنْزل بعيدا عن المبنى. لم تغادر خديجة البيت إلاّ بعد مغادرة أفراد عائلتها رغم خوفها من الزلزال. فبالها كان منشغلا بأولادها. كانت تحثّ أولادها على مغادرة البيت. فكانت تصيح بأعلى صوتها:
- أخرجوا! أخرجوا جميعا! أسرعوا!…
خرج الجميع وتخلّفت حليمة وزهرة. فثارت خديجة إلى غرفتهما وصاحت:
- هيا أخرجا بسرعة قبل أن ينهار البيت عليكما!…
فصاحت حليمة:
- ماذا جرى؟ ماذا جرى هكذا؟ لماذا كلّ هذه الفوضى؟!
فصاحت خديجة وهي تعينها على الوقوف من مكانها:
- الزلزال! الزلزال! هيا عجّلي؟
فصرخت حليمة مندهشة:
- ماذا قلتِ؟ الزلزال؟! أصابنا زلزال؟!
كان يبدو جليّا أنّ حليمة وزهرة لم تدركا بعد ما حدث.
خرجت حليمة من الغرفة وهي لا تدري تماما ما حصل. وأبت زهرة النهوض من مكانها والخروج من الغرفة رغم إلحاح خديجة التي راحت تردّد:
- أرجوك قومي! إنّه زلزال! الغرفة معرّضة للانهيار!…
لكنّ زهرة لم تردّ على خديجة ورفضت حتّى النّظر إليها. فلمّا همّت خديجة بجذبها من ذراعيها، سارعت زهرة إلى تخليص نفسها من قبضتها والتفتت وأعرضتْ متجاهلة خديجة. فلم تجد خديجة بدّا من الخروج من الغرفة بدونها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)