الجزائر

مقتطفات من كتاب شتات الذاكرة



مقتطفات من كتاب شتات الذاكرة
شتات الذاكرة ... !
هاهي ذاكرتي تزداد سقوطا في العتمة كلما حاولت الكتابة عن ذلك الزمن الهارب مني فأشعر في أكثر الأحيان بغصة الرهبة ..
وفي خلدي برزخ مظلم لذكريات أماكن ورجال صنعوا ذاكرة مدينة ولدت من رحمة الأحزان .
محظوظون هم أولئك الذين واتتهم الفرصة وعايشوا تلك المرحلة ..
ومحظوظون أولئك الذين رسموا أروع اللوحات التي لا تزال معلقة على جدران أساور القصر العتيق .. وطريق الأغواط .. ورمبو .. وعلى عتبة مدخل زاوية شيخ الميسوم .
وأولئك الذين صنعوا تلك اللحظات الغالية التي ارتقت فيها الأرواح عبر ليالي رمضان .
ذلك الشهر الفضيل الذي كان أحتفاليا بمعنى الكلمة .. بنفحاته الإيمانية وطقوسه وعادته التي تتجلى فيها روح التضامن والتسامح والتعبد والألفة والإخاء .
كان الذكور يومها يخرجون بعد الإفطار إلى وسط المدينة فيصنعون الفرحة كل بطريقته .. عشاق السينما وعشاق لعبة الخاتم التي لا يكاد حي يخلو منها .
أما الفتيات فقد يجتمعن في الأحياء العتيقة وهم يرددن أغاني زمان دون إيذاء أحد ..
أما العائلات فكانت تسهر على برامج إذاعية غاية في الجودة والمتعة والتنوع من حصص التاريخ و المسرح والأدب والسهرات الغنائية مع أساطين الشعبي والطرب العربي الأصيل .
وغير بعيد من ضجيج ليالي رمضان پالمدينة يصدح بلبل المدينة " الحاج عبد الله بن قدور بن الحاج محمد بن سي علي " مغردا بتلاوة عطرة وقراءة مغربية ندية وصوت دافئ نقي يبعث على الخشوع والتذلل .
لقد اقترن شهرالفضيل وصلاة التراويح في أذهان سكان المدينة بصوت " الحاج عبد الله " منذ أن قدمه شيخه الجليل وإمام المدينة يومها " الحاج سي محمد بن طاهر بوزيدي " سنة 1943 م من القرن الماضي وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة سنة أنذاك .
كم اقترنت صلاة الجمعة بقراءته لكتاب " تنبيه الأمام في بيان علوم مقام نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام " المعروف عند العامة بكتاب " القائل " الذي يقرأ فصل منه كل جمعة قبل درس الجمعة إبتداء من منتصف النهار لمدة تزيد عن نصف ساعة .. فيسمع الحاصرين بيتين في مدح خير البرية بقراءة منغمة ليرد عليه جمهور المصلين بالصلاة على خير الأنام .
عاش " الحاج عبد الله " بين محراب العبادة ومحراب الحياة .
فحمل القضية الجزائرية وسجن من أجلها رفقة إخوة معه من أبناء المدينة ومنهم " زموري وبن يوسف رقياق ومزوز " وتنقل بين سجون عين وسارة والبليدة والحراش ليحكم عليه بالإعدام .
وبعد الإستقلال عين ضمن كوكبة من أبناء جيله رفقة الحاج بوعزة مكاوي واخرين للإشراف على اللجنة المسيرة للبلدية لمدة سنوات .
قدس العمل ونبذ الخمول والدروشة .. فكان ميكانيكيا ماهرا يقضي معظم وقتها في ورشته بلباسه الأزرق يصلح السيارات .
لقد عاش دنياه سيرة عطرة ..
وها أنا أقف كبقل أمام أصول نخل طوال أمام بلبل المدينة " الحاج عبد الله " وبعض الصور السريعة التي لا تزال بذاكرتي المتعبة وحروفي المتطايرة مني والتي أجزم أنها لن تكون صادقة أبدا إن لم يصاحبها الإعتراف والوفاء لذلك الرعيل الأول ولتلك الذكريات المنسلخة مني ومن شهر المحبة والعطاء والتضحية والسلام .
سليمان قعدة .. من كتابي شتات الذاكرة ..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)