الجزائر

مقايضة غربية…التغيير الحضاري والتغيير تحت وابل الناتو



مقايضة غربية…التغيير الحضاري والتغيير تحت وابل الناتو
الحديث عن نجاح الثورات العربية في إسقاط أنظمة مستبدة يجرنا دون أن نشعر للحديث عن انتكاسة الثورات العربية في عديد من الدول التي قيل أنها شهدت ربيعا عربيا أو بالأحرى انتفاضة عربية… ويبدو هنا أن تسمية المسميات بأسمائها هو من قبيل الأمانة الفكرية والتاريخية ومن قبيل الانتماء لنخبة العقل، على حد تعبير الكثير من النخبة التي ترفض الاستهلاك المصطلحي. الربيع العربي بقدر ما أسهم في إحداث التغيير واستبدال أنظمة شمولية بأنظمة انتقالية بقدر أيضا ما ساهم في نشر الفوضى والاستهلاك المبطن للديمقراطية التي أضحت في قاموس الشعوب مطلبا ملحا ولكنه مخيفا ومرعبا يستهلك الأرواح ويستفرد بالأنظمة بأسلوب جديد مغاير لا يختلف في حقيقته عن الأنظمة المستبدة التي أسقطت. من تونس إلى مصر إلى اليمن التي انتقلت فيها السلطة بالطريقة السلمية إلى سوريا التي تكتوي البلدان المجاورة بلهيب ثورتها، من الأردن إلى لبنان، إلى ليبيا حيث النعرات القبلية والفساد السياسي والاقتصادي وانتشار أسلحة تفتك الحياة من البشر وصل سعيرها إلى جبل لبنان واستغلتها القاعدة في قلب النظام بالمالي وبجر الإنسان في غدامس للبحث عن تجار السلاح بليبيا لأقتنائها بحجة الدفاع عن النفس، إلى مصر التي تركب موجة التغيير على طريقة “أفللت” النظام أو أسلمة الحكم القادم الذي يصبو لاكتساح الشارع المصري في نماذج كثيرة، أقل ما يقال عنها، لن تكبح جموح الفساد ولن تثني عزيمة إسرائيل في السيطرة على المنطقة لأن الإسلاميون مثلما كشفت عنه بعض المصادر عقدوا هدنة شرفية مع إسرائيل لسلام يدوم نصف عقد من الزمن. كل هذه الوقائع التي يعرفها الصغير والكبير، وما هي إلا نقطة من بحر ما انجر عن الربيع العربي، يكبح جموح الخيرين في الخروج بهذه البلدان إلى بر الأمان… فالمشهد الثوراتي السائد في بعض الدول العربية منذ جانفي 2011 ، ومهما كانت صفته ثورة أو احتجاجا أو انتفاضة أو حتى مؤامرة خارجية لا يمكن إلا أن يسمى بالتوصيف السياسي الذي يهيئ لفوضى سياسية عامة تؤسس لتقسيم جديد لخريطة العالم العربي حيكت له في كواليس البينتغون وفي قاعات الكيدورسي… شعوب العالم العربي التي رضخت للوضع وهللت للتغيير، أصبحت تتطلع للجديد الحادث بأوطانها، فانخرطت في هذا الجديد الذي ضرب بهيبة الدولة عرض الحائط وزعزع السلطة والنفوذ، بل ضرب حتى ثوابت الدولة في أكثر من دولة عربية ومنح الفرصة لتحالفات غربية بقنبلة أراضيها بضربات جوية مثلما فعل الناتو بليبيا بمباركة أبناء ليبيا أنفسهم. وهز انجازات الأنظمة السابقة التي دخلت كتاب قينس للأرقام القياسية وكانت موردا للشعب يستفيد منه مثل النهر الاصطناعي. اليوم مثل هذه الدول تعاني في أبسط ضروريات الحياة كالماء والكهرباء ولا يمكن أن نلغي المسؤولية الإنسانية والسياسية إزاء ما حدث في ليبيا أو في سوريا أو في مصر أو في اليمن الذي يتجرع تبعات التدخل الأجنبي وفرض سياسة المقايضة “السلمية” التي لم تكن سلمية في جوهرها، وحتى بالنسبة لما يحدث اليوم في سوريا ومحاولة نقل الحرب خارج الحدود السورية بإثارة الاغتيالات على التراب اللبناني. ويوصف من قبل الغرب بالحادث المعزول. “مقايضة” الغرب للأنظمة العربية نابعة من تخطيط إستراتيجي محمول على مبدأ يؤثر ويتأثر بقوة الحدث السياسي في إضفاء الشرعية الدولية على كل تدخلاته وانتهاكاته وذلك باسم علاقة شبه تعاقدية أو تحالفية بين أمريكا والغرب. لذلك فقتل الشعب يعتبر في خططهم أحداثا معزولة. كان الحراك الشعبي العربي في بدايته يوحي بنجاح المطالب وبلوغ المراهنات الشعبية ولكن بعد مضي عام بل أقل منه بكثير ومع انفجار الوضع في ليبيا وتدخل حلف الناتو ونشوب حرب أهلية واحتدام الصراع في سوريا وما خلفه وصول الإسلام السياسي للسلطة في بعض الدول من توترات أمنية وأزمات اقتصادية وفوضى سياسية، أدى كل ذلك إلى تراجع الحلم العربي وتقلص الأمل عند الشعوب العربية. والمفارقة العجيبة أن الأنظمة الغربية التي شقت الأجواء الدولية بقنبلتها للأنظمة بحجة مساندة الشعوب في مطالبها كفرنسا مثلا ، ارتأت التغيير في حكمها بأسلوب حضاري على حد تعبير ماري لوبان، وفضلت الصناديق لإسقاط ساركوزي ولكن نفس السياسة فضلت قنبلة الأراضي الليبية لإسقاط القذافي. لذلك فخيار التدخل العسكري اليوم في سوريا مستبعدا لأن حجم الكارثة البشرية والتاريخية التي خلفها الناتو في ليبيا أرعبت سلطة القرار في اتخاذ مثل هذا القرار في سوريا. من المجحف القول في الوقت الراهن بفشل الثورات العربية، ومن المبكر التنبؤ بنجاح تلك الثورة أو فشلها لكن من الممكن التوقع لثورة بنجاحها قياسا بحجم مصداقية الطلائع والقوى السياسية التي تتحكم في مقاليد السلطة الانتقالية ومدى صدقية برامجها التي تعالج الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي دفع الشعوب للانتفاض ضد الأنظمة المستبدة ومدى وفائها بالعهد الذي قطعته على نفسها في الشعارات التي رفعتها إبان الثورة. مؤشرات كثيرة في الدول التي شهدت الثورة أو تلك التي ركبت موجة الثورات توحي بعدم وضع الثورة على المسار الصحيح، فالفوضى وغياب الأمن بدلا من الاستقرار وأمن الناس على حياتهم وأرزاقهم لا تبشر أبدا بأن العالم العربي الجديد سيختلف عن سابقه سواء بالنسبة للسياسات الداخلية أو للسياسات الخارجية.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)